يبدو أن الأزمة الأخيرة بين المغرب ومنظمة "هيومن راتس ووتش" بدأت تأخذ أبعادا أخرى بعد أن دخل نواب في البرلمان الأوروبي على خط هذه القضية، وانتقدوا قرار الحكومة المغربية إيقاف نشاط المنظمة الأمريكية بالمغرب، واعتبروا أن ذلك يدخل في إطار التضييق على عمل المنظمات غير الحكومية، التي تدافع عن حقوق الإنسان. ويتعلق الأمر بعدد من البرلمانيين المنتمين للاتحاد الديمقراطيين الأحرار في البرلمان الأوروبي، والذين وجهوا مراسلة إلى ممثلة الاتحاد بالعلاقات الخارجية والسياسات الأمنية، فريديريكا موغيرين، مؤكدين لها أن المغرب لم يف بجميع التزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان، وأنه "لازال يواصل تضييقه على المنظمات الدولية المدافعة عن هذه الحقوق". المراسلة، التي جاءت على شكل سؤال كتابي للمسؤولة الأوروبية، شددت على أن خطوة المغرب الأخيرة هي الثانية من هذا النوع خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بعد "أن قام بطرد ناشطين من منظمة العفو الدولية بعد إنجاز تقرير حول وضعية المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، والذين استقروا بالمملكة"، يؤكد السؤال الكتابي. النواب الثلاثة، الذين وجهوا هذا السؤال، معروفون بتحركاتهم ضد المغرب، خاصة مع مساندتهم لجبهة البوليساريو؛ ويتعلق الأمر بكل من النواب الإسبان كارلوس كيروتا، وخافيير نارت، بالإضافة إلى فيرناندو مورا، والذين ينتمون إلى حزب "سيدادوناس" الإسباني. وطالب النواب بأن يدافع الاتحاد الأوروبي عن "هيومن رايتس ووتش" لدى المغرب، مشددين على أن الحكومة المغربية تتحمل مسؤولية الوفاء بالتزاماتها والتحقيق في إدعاءات التعذيب وخرق حقوق الإنسان، على حد تعبير أعضاء البرلمان الأوروبي. واعتبر فيرناندو ماورا أن الخطوة التي أقدم عليها المغرب بغلق حدوده أمام المنظمة الحقوقية الأمريكية، تعد بمثابة "انتقام من هيومن رايتس ووتش"، بالإضافة إلى "القيود المفروضة على منظمات حقوق الإنسان العاملة بالمغرب" على حد تعبيره. وكانت أولى بوادر الخلاف قد ابتدأت مع توجيه وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، رسالة إلى المنظمة الأمريكية، يطالبها فيها بتعليق أنشطتها في المملكة، وذلك بعد تأكيده أنها "تمارس الخداع والمكر"، وتقوم بتحريف الحقائق، من خلال تقاريرها حول المغرب. فيما كان من "هيومن رايتس ووتش" إلا التأكيد على استمرارها في ممارسة أدوارها، ومراقبة حقوق الإنسان. وفي تعليقه على هذا الموضوع، يقول عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض بمراكش، إن دور المنظمات الحقوقية الدولية هو الدفاع عن حقوق الإنسان، والقيام بما أسماه "إخجال الحكومات" على المستوى الدولي، مضيفا أن بعض هذه المنظمات يطغى عليها الطابع السياسي في تناولها للقضايا المرتبطة بالحقوق والحريات. وأكد البلعمشي، في تصريح لهسبريس، أنه يعاب على الحكومة أنها لم تأخذ بعين الاعتبار العواقب المترتبة عن منع منظمات حقوقية ك"هيومن رايتس ووتش"، خاصة وأن مثل هذه الملفات تكون لها جاذبية كبيرة على مستوى "المناضلين" عبر العالم، مما "يجعل عددا من المناهضين للمغرب يستغلون مثل هذه الفرص من أجل الدفاع عن مصالحهم الخاصة". وشدد الخبير في العلاقات الدولية على أن على المغرب فتح الباب أمام جميع منظمات حقوق الإنسان الراغبة في العمل داخله، وذلك بعد اعتماد معايير واضحة، ترسم الخطوط العريضة لشروط وكيفية اشتغالها. ومقابل ذلك، يؤكد المتحدث ذاته، فإن على المغرب أن يقوم بتحديد بعض المنظمات التي لا تحترم المعايير المتفق عليها عبر العالم، بحجة "أن هذه المنظمات تشتغل وفق أبعاد سياسية أو تهدد السيادة الوطنية من خلال تناولها للملفات الحقوقية". وتابع المتحدث ذاته أن عددا من النشطاء يلوحون بالملف الحقوقي، خاصة عندما يرتبط الأمر بملف الصحراء، مطالبا الحكومة المغربية بعدم العمل وفق "مقاربة معزولة"، بل أن تكون لها معايير متفق عليها ومعمول بها في ما يخص قضايا حقوق الإنسان والحريات.