حلمت بشمس عيد لا تغيب لتعود الطيور المهاجرة، وتسطع النجوم بعد المشهد الساحر للشفق وانا في شرفة منزلي أحتسي الشاي وأقرا لغسان كنفاني. وددت أن أسند رأسي وأخلد للراحة، لكن غابت مخدة الوطن، تائه بدون بوصلة، لم يعد لدي عنوان. . اخترت الابتعاد مستسلما لنكبة ومأساة الوطن بعدما استوطن الخراب بلا خجل وحل الفناء كضيف ثقيل في قلب منزلي. رحلت لقارة أخرى فرارا من صخب الحرب وصوت المدافع ساعيا لوجود ملاذ آمن يعتني بي ويحضنني. تقيضني الكوابيس عند منتصف الليل، مع كل واحد أردد النشيد الوطني الذي لم يعد سوى أنين يُعزف بألحان اليأس فاقدا عازفه وحماسته القومية. بدون أحباب، بل أنا وأحبابي عند أحباب جدد لا يجمع بيننا نسب ولا دين، فقط يؤمنون بالإنسانية. هروبا من يرموك وحمص ودمشق، نبحث عن ملامحنا الآدمية الحقيقية بعدما أصبحنا شاحبين نفتقد الشروط الأساسية للعيش، بدون ماء ولا كهرباء. حبذنا الموت على سكة القطار بدل العيش في وطن نمسح الدموع على جفنيه عند بزوغ الفجر. لفظتني المياه إلى جانب البحر، تدس أقدام الأمواج على جسدي. رقدت روحي في سلام لتستيقظ من جديد ترحما على سكوت ونكسة العرب. وقفت لحظة صمت على من يرتشفون دم الشعب حتى الثمالة وعلى من يتقاعسون لإيقاف الحرب وعلى منظمات حقوق الإنسان الواهية، من يستغلون قضيتنا من أجل التجارة كأننا أوراق القمار. وقفت ترحما على الوطن الذي خرب بسبب وحشية بشار الأسد وأجهزته دون وجه حق. لحظة صمت لأرسم الظروف السوداء لطغمة اطفال سوريا واللاجئين بكل ما في السواد من معنى. لم تكفكف الدموع وأنا أحزم ما تبقى من أمتعتي والصور التذكارية للرحيل إلى أوربا، بين الحياة والموت فوق قارب بدون مقود كطائر منكسر الأجنحة يبحث عن وكر أمن ليضمد كدماته. لم يعد صوت مارسيل الخليفة ينبعث من جهاز الراديو الخاص بالسيارة. أصبحت لاجئا في أزقة أوربا. بعدما رُدعت شقتي الوردية. الدموع تصف تفاصيل حياتي الخاصة في طي الكتمان. ضائع وعديم الجدوى، في مقتبل العمر بدون شواهد ولا تحصيل معرفي. ملامح الخيبة واليأس بادية على وجهي، لم أعد قادر على رسم الابتسامة على شفتي بعدما دٌسرت أحلام الصبايا إلى الهامش. أمامي الليل بطوله، تتسلل أمواج الأرق إلى عيني، أرتجف في فصل الصيف وأتقلب على أرضية صلبة، مفتقدا سريري الدافئ في سوريا. أرغمني الياس والحنين أن انغمس في تساؤلاتي، إلى أين الوجهة يا إلهي؟ ما أنا اليوم بدون أمي وأختي في المنزل نحتسي الشاي في سلم وسلام؟ ما أنا اليوم بدون أبي وأخي في شرفة المنزل نناقش مباريات الليغا وحبكة مسلسل باب الحارة؟ ما أنا اليوم بدون أبناء الحارة في المقهى نعيد استرجاع ذكريات الطفولة؟ ما انا اليوم بدون بيت وسيارة؟ ما نحن اليوم بدون وطن يا سوريا؟ ما نحن اليوم بعدما سقط الوطن؟ ما نحن الان في الشتات بدون أمل؟ ما نحن بدون سماء تمطر زخات ويبتسم الصغار فرحا بموسم الأقحوان؟ ما نحن بشمس تنير ظلمتنا الدامسة؟ ما نحن اليوم بدون ديار وبدون هوية؟ ما نحن اليوم نعتقد ان الهجرة هي الحل تاركين الغبار على ذكريات طفولتنا؟ ما أنا اليوم؟ صارت قصيدة “تنسى كأنك لم تكن" لمحمود درويش تجسد قصتي وواقعي؟ ما أنا اليوم بدون وطن يا سوريا؟