لم يستبعد الدكتور سمير بنيس، المستشار السياسي والخبير بملف الصحراء، أن يوجه مجلس الأمن الدولي دعوة واضحة للجزائر والبوليساريو، للاستجابة لمطلب إجراء إحصاء سكان مخيمات تندوف، متوقعا أن ترد هذه الدعوة في القرار الذي سيعتمده مجلس الأمن يوم 28 أبريل الجاري. وهذا نص مقال بنيس، وهو أيضا رئيس تحرير موقع Morocco World News، ناقش فيه تداعيات الفضيحة التي طالت الجزائر وقياديي البوليساريو، بشأن اختلاس المساعدات الإنسانية المقدمة إلى سكان مخيمات تندوف، وهي القضية التي تصب في صالح المغرب". *** أرسل السيد عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، يوم الاثنين 13 أبريل الجاري، رسالة لمجلس الأمن يدعو فيها أعضاء المجلس إلى أن تعمل الجزائر على احترام واجباتها الدولية المتمثلة في حماية اللاجئين. وأكد عمر هلال أن التقرير يقدم الدلائل التي تثبت بقوة التحويل الممنهج للمساعدات الإنسانية المخصصة لهذه المخيمات على نطاق واسع، كما يثبت المسؤولية الواضحة للجزائر والبوليساريو في هذا الصدد. وأعقب هذه الرسالة تلك التي وجهتها الوزيرة المنتدبة للشؤون الخارجية، السيدة مباركة بوعيدة، بتاريخ 20 مارس الماضي، والتي تُخبر فيها الأمين العام للأمم المتحدة بما جاء في تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش حول تورط الجزائر والبوليساريو في عمليات تحويل المساعدات الإنسانية المخصصة لمخيمات تندوف. وتلخص رسالة عمر هلال في 12 نقطة العناصر التي تكشف الوجه الحقيقي للجزائر، ذلك البلد الذي لطالما ادعى دعمه لحقوق الصحراويين. وطبقا لاتفاقية 1969 الخاصة بوضع اللاجئين، وبروتوكول سنة 1967، ووفقا للاتفاقية 1969 التي تحكم المظاهر الخاصة بمشكلات اللاجئين بإفريقيا، فإن على الجزائر، باعتبارها بلد استقبال للصحراويين، الواجب القانوني والسياسي بالسماح للمفوضية السامية للاجئين بالوفاء بولاياتها والقيام بتسجيل وإحصاء ساكنة تندوف. غير أن السلطات الجزائرية لم تعر ذلك أي اهتمام، ففي محاولاتها إعطاء ما يطلق عليه "بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" بعضا من مظاهر المشروعية، لم تتوقف عن الإدعاء بأن البوليساريو هي المسؤولة الوحيدة عن الحفاظ على حقوق ساكنة مخيمات تندوف. ممارسات مشبوهة لقيت استنكار العديد من التقارير الدولية لا يعتبر التورط الفاضح للجزائر والبوليساريو في مثل هذه الممارسات المشبوهة الأول من نوعه، حيث إن كل التقارير الصادرة عن الوكالات التابعة للأمم المتحدة؛ كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وبرنامج الغذاء العالمي، تؤكد استغلال كل من الجزائر والبوليساريو للمساعدات الإنسانية المخصصة لساكنة تندوف وتحويلها لوجهات أخرى. وعلى سبيل المثال، كشف تقرير سري صادر عن مكتب المفتش العام لمفوضية شؤون اللاجئين سنة 2005 عن تورط السلطات الجزائرية والبوليساريو في تحويل المساعدات الإنسانية المقدمة من طرف المجتمع الدولي. يشير التقرير إلى أنه "وفقا لعدة مصادر موثوقة فقد، تم اختلاس بعض المواد الغذائية، وأخرى غير غذائية كانت موجهة لمخيمات تندوف من ميناء وهران، وبعد وصولها لمستودع رابوني بتندوف. وقد تم تحويلها بعد ذلك إلى وجهات أخرى في كل من الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية". ومنذ سنوات، نبه عدد من الأعضاء السابقين للحركة الانفصالية الذين التحقوا بالمغرب المجتمع الدولي لحالة الحرمان ومشاكل سوء التغذية التي تواجهها ساكنة هذه المخيمات منذ عقود. فعلى بالرغم من حجم المساعدات الإنسانية الهائلة التي تخصصها المنظمات الدولية للبوليساريو، كشفت دراسة أجريت سنة 2008 عن وجود 18 بالمائة من حالات سوء التغذية الحاد في المخيمات، 5 بالمائة منها في حالة خطيرة. وأثبتت هذه الدراسة أن جزءً مهماً من المساعدات المخصصة لساكنة تندوف لم تصل أبدا للوجهة المخصصة لها. وخلصت تقارير مماثلة صادرة منذ عدة سنوات عن العديد من مراكز البحث الأوروبية والمنظمات غير الحكومية إلى نفس الاستنتاجات. وفي هذا الصدد، أظهرت تقارير صادرة سنتي 2008 و2010 عن المركز الأوروبي للاستخبارات الإستراتيجية والأمن، حجم الاستغلال الممنهج للمساعدات الإنسانية الذي تقوم به الجزائر وقياديو البوليساريو. وقد أشار التقرير الصادر عن المركز الأوروبي للاستخبارات الإستراتيجية والأمن بتاريخ 26 أبريل 2010، بأصبع الاتهام للهلال الأحمر الجزائري متهما إياه بكونه أول المستفيدين من هذه الممارسات الدنيئة، إلى جانب قياديي البوليساريو، الذين استغلوا الأموال التي يوفرها تهريب المساعدات الإنسانية للتزود بالأسلحة وحيازة على أملاك عقارية خاصة في جزر الكناري ومدن أخرى بإسبانيا. ومن جهة أخرى، كشف تقرير اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين الصادر سنة 2009 أن المساعدات التي تستفيد منها المخيمات لم تكن مستندةً على بيانات محققة، وأن السلطات الجزائرية عملت على تضخيم عدد ساكنة المخيمات للحصول على كميات أكبر من المساعدات. وعلى الرغم من النداءات المتتالية للمنظمات غير الحكومية وللمجتمع الدولي منذ سنوات، والهادفة إلى حمل الجزائر على تحمل مسؤولياتها وحثها على احترام القانون الدولي المتعلق بحماية اللاجئين، فإن تلك الجهود لم تؤخذ على محمل الجد، إذ غالبا ما كانت تُتهم تلك المنظمات بانحيازها للمغرب. الوضع الجديد يصب في صالح المغرب بيد أنه هذه المرة ومع نشر تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش، ليس بوسع أحد اتهام الهيئات الأوروبية بالانحياز للمغرب على حساب الجزائر والبوليساريو. فبعد تقرير "بان كي مون" الذي أكد من خلاله على ضرورة القيام بإحصاء ساكنة تندوف، يعتبر هذا الوقت الأنسب ليقوم المغرب بمطالبة الأممالمتحدة بالضغط على الجزائر والبوليساريو وحملهما على احترام الشرعية الدولية. ولعل ما يعزز موقف المغرب هو قرار لجنة مراقبة الميزانية بالبرلمان الأوروبي يوم 24 مارس الماضي، والذي تطالب فيه بتقليص حجم التبرعات بشكل كبير وأن تُخصص فقط ل90000 شخص عوض 160000، وهو العدد المصرح به من قبل الجزائر والبوليساريو. ولعل الطريق أصبح معبداً الآن أمام المغرب لكي يستفيد من هذه الدينامية الجديدة، ويكشف للمجتمع الدولي عن سوء نية الجزائر والبوليساريو ورفضهما القيام بأي مجهودات، من شأنها تهيئ الأرضية لإيجاد حل لهذا النزاع. وتأتي رسالة السفير المغربي في الوقت المناسب لوضع الأممالمتحدة أمام مسؤوليتها، إذ أنه من غير المنطقي أن توافق هذه المنظمة على مواصلة الجزائر رفضها القيام بالإحصاء لأكثر من 30 سنة، وألا تعيد النظر في صحة أرقام تم التصريح بها منذ زهاء أربعة عقود. ولهذا، وعلى ضوء كل التقارير التي تُثبت تورط الجزائر، فمن واجب الأممالمتحدة إرغامها على السماح بإحصاء ساكنة تندوف، وفقا للقرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ سنة 2011. فعلى الرغم من كل الجهود التي قام بها المغرب لسنوات لإقناع الأممالمتحدة بالضغط على الجزائر والبوليساريو، فإن مطالبه لم تكن تؤخذ على محمل الجد، وغالبا ما كانت تشكك في مصداقية الموقف المغربي. ففي كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن سنة 2011، اكتفت هذه الهيئة الأممية بتكرار طلبها الداعي إلى "النظر في تسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف"، مع الدعوة إلى تكاثف الجهود في هذا الصدد. وعلى الرغم من تأكيد المجلس على هذه الضرورة، فقد وردت هذه الإشارة في ديباجة قراراته، الشيء الذي لم يعط لتلك النداءات الوزن السياسي الكافي. وبالتالي، ترك مجلس الأمن حرية الاختيار للجزائر في التعاون مع المفوضية من عدمه، وهو ما يفسر تجاهل الحكومة الجزائرية لتلك النداءات. وعليه، وفي ظل غياب تحقيقات مستقلة تثبت مدى صحة الموقف الثابت للمغرب بخصوص تورط الجزائر في اختلاس المساعدات الإنسانية المخصصة لمخيمات تندوف، واصلت الجزائر تجاهلها لمطالب المجتمع الدولي التي تدعوها لاحترام واجباتها الدولية. غير أنه عقب نشر التقرير الصادر عن الاتحاد الأوروبي، تغير الوضع لصالح المغرب بخصوص تهريب المساعدات الإنسانية. وبالتالي، فليس من المستبعد أن يوجه مجلس الأمن دعوة واضحة للجزائر والبوليساريو للاستجابة لمطلب المجتمع الدولي، بشأن إجراء إحصاء في مخيمات تندوف. ومن المحتمل أن ترد هذه الدعوة في إحدى الفقرات العاملة للقرار الذي سيعتمده مجلس الأمن يوم 28 أبريل الجاري، مما سيعطي وزنا سياسيا أكبر لطلبه.