العامل حشلاف يتفقد مركز إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة بشفشاون ويؤكد دعمه لجهود المجتمع المدني وتعزيز قدراته    90 سنة سجنا موزّعة على مغتصبي طفل موسم مولاي عبد الله    سجن العرجات: محمد زيان يشتري مواد غذائية بانتظام ولا يعاني أي تدهور صحي    خلال ظهوره على RMC.. بنعطية يؤكد: صراع طبيعي بين مصالح النادي والمنتخب    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    ميناء الحسيمة يوقف أنشطته بسبب العواصف وارتفاع أمواج البحر    مراكش : العرض العالمي الأول لفيلم الست لمروان حامد    إصدار معجم الفنانين التشكيليين المحترفين    قراءة سياسية وإستشرافية للزيارة الملكية لدولتي الإمارات ومصر و هندسة جيوسياسية عربية جديدة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    انحراف قطار بضائع بين طنجة والدالية يتسبب في اضطراب مؤقت لحركة السير السككي    الكاف يرفع الستار عن دليل "كان المغرب 2025".. جاهزية عالمية وملاعب المملكة تستقبل مواعيد القمة    طنجة… تفكيك مخزنيين لإعداد وشحن المخدرات على متن شاحنات النقل الدولي للبضائع    استعدادا لمونديال 2026.. الولايات المتحدة تواجه بلجيكا والبرتغال وألمانيا وديا    الدمناتي تدعو من منتدى دولي بمصر لتنسيق أعمق بين المؤسسات التشريعية لتقوية مسارات التعاون المتوسطي    غزة تنعى 5 قتلى في ظرف 48 ساعة    الصحافيون شركاء استراتيجيون لإنجاح المونديال    الادعاء العام الأوروبي يوجه تهم الاحتيال والفساد لمسؤولة السياسة الخارجية السابقة    تعليمات ملكية تطلق "عملية رعاية"    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تدعو إلى انفراج سياسي وإصلاحات عميقة خلال اختتام مؤتمرها الوطني السابع    تدبير الغيابات غير المبررة للمستشارين الجماعيين على طاولة لفتيت    "تبّان كقناع".. ظهور غريب لعمر لطفي في مراكش يثير جدلا واسعا    المدينة الحمراء : من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات .. ألف عام من الفرجة!    شكري في ذكرىَ رحيله.. وعزلة بُول بَاولز في طنجة وآخرين    التعب أثناء السياقة يضاهي تأثير تناول الكحول    التقدم والاشتراكية يدعو الشباب للتسجيل في اللوائح الانتخابية وينتقد الحكومة بخصوص ملف الصحافة ويُحذّر من تزايد العنف ضد النساء    عدول استئنافية الحسيمة يرفضون مشروع القانون المنظم للمهنة ويطالبون بسحبه    المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ينوه بلقاء تطوان الحاشد والركاني يكسب الرهان    إسرائيل تعلن أن معبر رفح سيفتح "في الأيام المقبلة" لخروج سكان غزة إلى مصر    أسعار اللحوم الحمراء تواصل الارتفاع ومهنيون يوضحون..            مولودية وجدة يكتفي بالتعادل مع رجاء بني ملال وجاره الاتحاد يحقق فوزه الثاني تواليا على حساب "الراك"    ألونسو: "مستوى ريال مدريد مقلق.. ونسعى لكسر سلسلة النتائج السلبية خارج الديار"    كأس أمم إفريقيا.. حسام حسن يكشف لائحة منتخب "الفراعنة"    استمرار ارتفاع أسعار المحروقات رغم التراجع الدولي يُعرض الحكومة للمساءلة البرلمانية    عائلات المختفين مجهولي المصير تتهم الدولة بالتلكؤ في الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري    يسرا : فخري الأكبر هو الرصيد الفني الذي ستتناقله الأجيال القادمة    بورصة البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    مسؤولون يدعون إلى تعزيز الاستثمار وتسريع وتيرة تجديد الوحدات السياحية في سوس ماسة    أمريكا تعلّق جميع طلبات الهجرة لرعايا 19 دولة        رقم قياسي.. المغرب يستقبل 18 مليون سائح خلال 11 شهرا    مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الاتحاد الأوروبي يطوق الغاز الروسي    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    إسرائيل تتوصل برفات غير مطابق    سامسونغ تُفاجئ العالم بهاتف ثلاثي الطي .. والسعر يصدم الجميع!    بيليغريني: أمرابط لم يعد إلى التداريب    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التبرير، كشف أم تزييف؟..
نشر في هسبريس يوم 14 - 04 - 2015

لا يكاد يخلو قول أو فعل يصدر عن شخص ما، بغض النظر عن موقعه ومركزه وقدره، إلا وجر عليه كثيرا أو قليلا من اللوم والاعتراض، خصوصا ممن يختلفون معه في الرأي، ولا يشاطرونه ما هو عليه، ما يجعله بشكل أو بآخر مهيأ للرد والتبرير. فمن النادر أن نصادف شخصا يسارع إلى تقدير الرفض الموجه له، أو الاعتراف بضعف ما ذهب إليه، بل على العكس، الإصرار هو السمة المميزة لكل شخص اتجه اتجاها، أو قال قولا، أو اتخذ موقفا، مهما اختلفت منطلقاته وخلفياته.
إلى درجة تدفع إلى اعتبار أن التبريرات جاهزة باستمرار، عند الجميع، سواء كان المجال الذي يتحركون فيه خاصا كالمجالات الأسرية والمهنية وغيرها، أوعموميا، كالمجال السياسي وما يفرضه من مواجهة مباشرة بين الفاعلين فيه، وهذا بالضبط ما نسجله داخل هذا الأخير، فمهما كانت اختيارات الفاعلين فيه خاطئة وتمثل انزلاقا أو انحرافا عن المألوف، فهي مبررة بالتأكيد، بغض النظر عن موقعهم أكان المسؤولية السياسية المباشرة في تدبير الشأن العام، أو غيرها. والفاعل السياسي جاهز دائما – هو والمنتصرون لفكرته وتوجهه – لتقديم تبريرات لما ذهب إليه، مهما كانت درجة غرابته وخطئه، ولأن الأمر كذلك، كانت للتبرير أهمية خاصة تقتضي الوقوف عنده، بهدف فهمه والتدقيق في دلالاته ووظائفه. وهنا نقول أن التبرير،أساسا، ميكانيزم نفسي، يلجأ إليه الفرد بعد الفعل أو القول وليس قبله، بعد أن يكون قد تلقى من النقد، أو ربما من الرفض، جراء فعله أو قوله، ما يدفعه للدخول في هذه العملية، للانتقال من مستوى المنفعل مع الردود، إلى مستوى الفاعل والمبادر، وبالتالي استعادته "زمام المبادرة" التي كان قد بدئها. إنه بمثابة عملية سيكولوجية تتدخل فيها محددات نفسية (وجدانية وانفعالية ولاشعورية) أكثر مما تتدخل فيها العمليات العقلية والإدراكية، أساسها استعادة الشخص توازنه المفقود، أو المهزوز، نتيجة ردود خصومه ومخالفيه في الرأي أو القول أو الفعل.. ما قد يسبب له حرجا، أو حتى قلقا و تهديدا، يستوجب التصويب والتصحيح، وكأنه ارتكب خطأ،إلا أن الاعتراف به غير مسموح ، فالأصل هو أن ينخرط في عملية تبرير وتسويغ JUSTIFICATION،بشكل ضروري ومباشر لدعم موقفه باعتباره حق، وهذا ما أكده لالاند صاحب الموسوعة الفلسفية الشهيرة، عندما اعتبر أن التبرير ما يَدحض قولا أو حتى ما به يَثبُت، من خلال الإثبات أن من حق المرء (حقه الأخلاقي، حقه المنطقي) أن يقول ما يقوله أو أن يفعل ما يفعله..، والأسباب المستدعاة هي في كل الأحوال أسباب توجد بعد فوات الأوان. بمعنى أن التبرير لاحق للفعل والقول وغير سابق له .
والملاحظ في التبرير أن اللجوء إليه يكون للبحث عن علل وأسباب تضفي معقولية على الفعل أو القول، بعد صدوره، لتجنب الإقرار بنواقصه وتناقضاته، وعلى هذا الأساس يكون دور المُحاور أو المُخاطب (الخصم) حاسما في نجاح التبرير من عدمه، مما يعني أن العملية ستكون مُغالطة أكثر منها مُحَاجَجَة، أساسها تسفيه رأي الآخر، مقابل تقوية الرأي الشخصي، دون التفات إلى قاعدة الخطأ والصواب،التي يُفترض أن تكون هي الحَكم والمرجع، ومن هنا يمكن لجوء الشخص إلى دعم موقفه بتبريرات قد تكون خاطئة، بوعي وقصد منه، فقط من أجل كسب المعركة (الحوار، التناظر، التنافس..)، وهذا ما يضفي طابعا لاشعوريا على التبرير، أي أنه يعبر عن رغبة الشخص في تجنب الألم المتمثل في القلق، كنتيجة لموقف الضعف الذي يوجد عليه بسبب اختيار معين، ومن ثمة رغبته الدفينة والمضمرة في تحويل الضعف إلى قوة. إنه إذن "آلية دفاعية" تتحكم فيها أبعاد نفسية لاشعورية محضة، وتأخذ صورة واعية/ شعورية تخفي هذا الأساس اللاشعوري. ومن مظاهر التبرير، إنكار الواقع من طرف الشخص، والعمل على تزييفه بما يفيد المصلحة الشخصية، وليس بما يفيد الحقيقة مطلقا.
وقائع الحياة اليومية حافلة بالأمثلة التي يمكن استحضارها في هذا السياق، ومنها المواقف التي نعيشها يوميا، مثل ما نشاهده في اللقاءات التلفزيونية، وما نسمعه في الحوارات الإذاعية التي نصادفها باستمرار حين تُستضاف شخصية عامة، أو أكثر، في برنامج ما، لمناقشة موضوع معين، ونسمع بين الفينة والأخرى، "أريد جوابا واضحا وليس تبريرا.." أو " تبريراتك غير مقبولة، عليك تفسير ما حصل.." أو "أي تبرير هذا الذي تقدم؟؟.." وغيرها من العبارات. والتي تؤكد أن الموقف من التبرير غالبا ما يكون موقفا سلبيا، إلا أن الأمر ليس قاعدة، لأن الأساس النفسي للتبرير يجعله منتظرا، وفي أحيان كثيرة مقبولا، بل ومطلوبا. فكثيرة هي الأخطاء التي تحظى بالمقبولية بسبب المسوغات التي سيقت لها، فكانت بمثابة تبرير مقبول، وهذا يعني أن بين الطرفين تواطئا على قبولها. وفي المقابل ليست كل التبريرات ناجحة، كما أنه من غير الضروري أن يقبلها الجميع، فهي نسبية، ونسبيتها تختلف باختلاف السياقات المتحكمة في الأحداث والمواقف المرتبطة بها. ويبقى الدافع الأساسي لإضفاء المقبولية على التبرير هو الدافع الشخصي الذي يحمله كل فرد في داخله، والذي يجعل من التبرير أكثر العمليات النفسية شيوعا بين الناس. الشيء الذي يُبقي الباب موصدا أمام كل إمكانية لفهم توجهات الفرد على حقيقتها، لأن الحكم بصوابها أو خطئها يبقى صادرا عن جهة خارجية، وما يصدر عنها هو غالبا حكم قيمة ليس أكثر. أما الشخص ذاته فلا يتوقف عن تقديم تبريرات تبحث عن أساس عقلي لما ذهب إليه، وهو ناجح في استمالة الكثيرين إلى جانبه، والذين ينخرطون بدورهم في التبرير له حتى بدون إذن منه أو موافقة.
ماضينا العربي البعيد والقريب، وتاريخنا الإسلامي كذلك، حافلين بأحداث جسام لم يتوانى أصحابها عن تقديم تبريرات رغم شناعتها، من بدايتها إلى نهايتها، فالمهلهل "الزير سالم" مثلا كانت له مبرراته حين خاض بقومه حربا مزرية دامت أكثر من عشرين عاما ضد بني عمومته، منتظرا قولا فاصلا وحاسما لإيقافها من أخيه الذي يرقد تحت التراب..، والحجاج بن يوسف الثقفي برر شرعيا حملات القتل التي شنها ضد أتقياء المسلمين داخل البيت الحرام، والذي حاصره وجوع أهله بتبريرات أيضا رآها معقولة وشرعية..، وكذلك فعل ويفعل سياسيونا اليوم عندما يسوقون باستمرار مبررات لمواقفهم وتوجهاتهم مهما بدت لغيرهم مخالفة للعقل والواقع، لكنها وفق تلك المبررات جدا عقلية وواقعية. لذلك كان من الواجب استحضارهم الدائم للخلفية النفسية / اللاشعورية لتبريراتهم، قبل ترويجهم لها على أنها مطلقة وصادقة وحقيقية، فانتصارهم لأفكارهم واختياراتهم، مهما تغيرت الأحوال والوقائع والسياقات يبقى تعبير واضح عن تبرير ما هم عليه ليس أكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.