"الأمازيغية لم تَدْخُلْ بَعدُ المدرسةَ ولم يُشْرَع في تدريسها." – محمد بودهان. 26-07-2014 "... فسيكون الأمازيغ سعداء بكتابة لغتهم بالحرف اللاتيني الكوني الذي سيفتح آفاق تطور أرْحَبَ للغتهم." – أحمد عصيد. 15-06-2011 (في نقاش له مع أحد قياديي حزب الاستقلال) نشرت هسبريس حوارا صحفيا هاما أنجزه الصحفي نورالدين لشهب مع الدكتور أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الإيركام IRCAM). وذكر د. بوكوس عددا من المواضيع والأشياء التي يتفق معه حولها كل محبي الأمازيغية والمدافعين عنها. ولكن وردت في الحوار بعض الآراء للدكتور بوكوس فيما يخص قضية حرف كتابة وتدريس الأمازيغية يجب الرد عليها أو مناقشتها. أغفل د. بوكوس بعض الجوانب الجوهرية والحاسمة المتعلقة بطريقة اختيار الحرف من طرف المعهد في 2003 وخلفيات ذلك في 2002. وقد أدى تسييس قضية الحرف في 2002 من طرف خصوم الأمازيغية (الإسلاميين والتعريبيين) إلى عرقلة الاتجاه الأكاديمي الذي كان يسير بشكل طبيعي نحو إقرار الحرف اللاتيني كحرف تدريس الأمازيغية، فخرج حرف تيفيناغ في 2003 ك"حل وسط" الخاسر الأكبر منه هي اللغة الأمازيغية نفسها. لقد أغفل د. بوكوس ذكر طريقة اختيار الحرف من طرف الإيركام، أي التصويت المعلوم الذي حدث عبر جولتين في 31 يناير 2003. إنه تصويت لاأكاديمي non-academic ما كان ليحدث أصلا لأن الأكاديميين المغاربة المتخصصين في الأمازيغية كانوا دائما ومازالوا يشتغلون بالحرف اللاتيني مثل إخوتهم الجزائريين. كما أن الأكاديميين المغاربة المتخصصين في الأمازيغية كانوا قد أجمعوا في 5 يوليوز 2002 في لجنة وزارية تابعة لوزارة التربية الوطنية على ضرورة تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني. وحتى لو كان ذلك التصويت الإيركامي حول الحرف ضروريا فقد كان من الواجب أن يكون شفافا وعلنيا وأن يكون مسبوقا بحوار أكاديمي وطني مفتوح يُظهِر فيه الجميع براهينهم وحججهم العلمية أمام الملأ والرأي العام. كان من الضروري أن نعرف من الأكاديمي الإيركامي الفلاني الذي يساند تبني الحرف اللاتيني ومن الأكاديمي الإيركامي الفلاني الذي يساند تبني حرف تيفيناغ ومن الأكاديمي الإيركامي الفلاني الذي يساند تبني الحرف العربي، وذلك حتى نكون على بينة من ما يقع ومن الأسس العلمية والأكاديمية التي يبني عليها كل أكاديمي موقفه. ولكن الذي حدث في الإيركام في يناير 2003 هو تصويت سري لاأكاديمي وراء الأبواب المغلقة تسببت السياسة في حدوثه وتحكمت السياسة في آلياته فخرجت نتائجه سياسية صرفة لا علاقة لها بمصلحة اللغة الأمازيغية. باختصار، حينما تتدخل السياسة في اللغة والكتابة والإملاء والحرف فإن كل شيء يفسد ويتشوه. وهذا ما حدث. فقد أجمع الأكاديميون الأمازيغيون المغاربة بمن فيهم الدكتور أحمد بوكوس في 5 يوليوز 2002 في لجنة شكلتها وزارة التربية الوطنية على ضرورة تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني ولكن بسبب التدخلات السياسية والضغوط السياسية والحملات الشعواء التي شنها خصوم الأمازيغية تمت عرقلة blockage الحرف النافع للأمازيغية (الحرف اللاتيني) وخرج المعهد في يناير 2003 (أي بعد 6 أشهر فقط) بحرف تيفيناغ، وهو شيء فاجأ الجميع وعلى رأسهم الأكاديميون المتخصصون في الأمازيغية والحركة الثقافية الأمازيغية التي طالبت دائما بتدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني! 1) النخب السياسية والثقافية نخب أمية في الأمازيغية ولا قيمة لرأيها حول الحرف: طرح الصحفي نورالدين لشهب سؤالا على د. بوكوس يقول: "[...] تصور معي لو حذفنا اللغة العربية أو ربما الفرنسية من أبواب المؤسسات، ربما جل المغاربة لا يعرفون اسم المؤسسة لو أبقينا فقط على حرف تيفيناغ وحده، والسؤال: لماذا أستاذ أحمد لم تعتمدوا الحرف اللاتيني أو العربي في اعتماد اللغة الأمازيغية؟ هل اعتماد حرف تيفيناغ من قبل المعهد قرار لا رجعة فيه ولو أضر بتعلم الأمازيغية بالنسبة للمغاربة؟". وكان رد د. أحمد بوكوس: "في الواقع سيدي إن قرار اعتماد حرف تيفيناغ وافقت عليه الدولة على أعلى مستوى ووافقت عليه النخبة السياسية كذلك، كما وافقت عليه النخبة المثقفة عموما." الدكتور بوكوس هنا يجيب على سؤال ذي منطق تقني (مدى عملية ونفعية تيفيناغ) بجواب ذي منطق سلطوي ("لقد وافقت عليه الدولة والنخب"). إذن لم نسمع جوابا حقيقيا عن السؤال. وحتى لو قبلنا بهذا المنطق السلطوي فتلك النخب السياسية والثقافية التي يقول د. بوكوس أنها وافقت على تيفيناغ هي غير مؤهلة أصلا لمعالجة قضية الحرف لأنها أمية في الأمازيغية وبالتالي ف"موافقتها" لا قيمة لها علميا وتقنيا وأكاديميا ولا معنى لها إلا المعنى السياسي. والتدخل السياسي في حرف كتابة اللغة مرفوض لأنه اعتداء على اللغة واعتداء على العِلم واقتحام لمجال اختصاص الأكاديميين. ومعظم هؤلاء السياسيين الحزبيين الذين تدخلوا في قضية الحرف كانوا بالأمس القريب ينكرون وجود الأمازيغية كلغة ولم يستخدموها يوما في عملهم السياسي بأي حرف كان، مما يبطل أية مشروعية لتدخلهم في قضية الحرف. ماذا لو قرر المعهد اعتماد الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية؟ هل الدولة والنخب السياسية سترفض ذلك مثلا؟ وإذا رفضت فما محل المعهد والجامعات والأكاديميين من الإعراب؟! إذا كانت الدولة والنخب السياسية تحدد حرف اللغة وكيفية كتابتها فما حاجتنا إلى الأكاديميين والجامعات والكتب والدراسات والقواميس؟ لماذا لا نغلق كل المعاهد والجامعات ونطلب من الأحزاب السياسية والدولة أن تصدر لنا الفتاوى حول حرف كتابة اللغة الأمازيغية وكيفية كتابتها وتدريسها وكيفية تصريف الأفعال الأمازيغية إلى الماضي والمضارع والمستقبل والأمر؟! عجيب هذا المنطق يا دكتور بوكوس. هل يجب أن ننتظر من "نخبة سياسية" تتكون من أميين في الأمازيغية أن تحدد لنا وتوافق لنا على حرف كتابة الأمازيغية؟! منذ متى أصبح الأميون في الأمازيغية يحددون كيفية كتابة الأمازيغية؟! ما هي المعايير التي اعتمدتها تلك النخبة السياسية الحزبية الأمية في الأمازيغية للموافقة على حرف تيفيناغ واستبعاد الحرف اللاتيني؟ ما هي حججهم الأكاديمية وبراهينهم العلمية؟ كم من الكتب الأمازيغية والدراسات الأمازيغية والقواميس الأمازيغية اطلعت عليها تلك النخبة السياسية الحزبية الأمية في الأمازيغية لتشرفنا بهذا الموافقة المباركة؟! إنه شيء غير معقول يا دكتور بوكوس. الأميون الذين لا يفقهون شيئا في الأمازيغية وقواعدها ونحوها وصرفها ولا يستطيعون كتابة جملة مفيدة بالأمازيغية لا حق لهم إطلاقا في فرض رأيهم الشخصي حول حرف الأمازيغية وكيفية كتابتها، حتى ولو كانوا من قادة الأحزاب السياسية أو أعضاء في البرلمان والحكومة. الأمي في اللغة المعينة لا رأي له في كيفية كتابة اللغة المعينة. والأدهى من هذا وذاك هو أنه لم يكن هناك أبدا إجماع بين تلك النخب السياسية الأمية في الأمازيغية، لأن العديد من السياسيين (الأميين في الأمازيغية) المنتمين إلى حزبين اثنين على الأقل استمروا في رفضهم للحرف اللاتيني (البعبع الأكبر الذي يخيفهم) وتيفيناغ (البعبع الصغير) ومازالوا يرفضونهما لحد الآن، ومازالوا يحاولون في البرلمان فرض الحرف العربي على الأمازيغية بشتى الطرق الملتوية. إذن فالإجماع نفسه منعدم لدى هؤلاء السياسيين، فضلا عن فساد فكرة الإجماع السياسي المفترض لأنه صادر عن أميين في الأمازيغية إذ يفتقر للعلمية والأكاديمية. إن أي "إجماع وطني حزبي" حول أي حرف لكتابة الأمازيغية (إن وُجِد ذلك الإجماع أصلا) هو مجرد إجماع بين أميين. ونفس الشيء نقوله عن "النخبة الثقافية" التي قال الدكتور بوكوس أنها "وافقت على تيفيناغ عموما". من هم هؤلاء المثقفون يا دكتور بوكوس؟ إذا كنتم يا دكتور بوكوس تتحدثون عن مثقفي ومناضلي الأمازيغية والمبدعين بالأمازيغية من شعراء ومؤلفين فأنتم تعرفون جيدا أن غالبيتهم طالبت دائما باعتماد الحرف اللاتيني في كتابة وتدريس الأمازيغية في كل المدارس المغربية، وغالبيتهم الكبرى أبدعت الروايات الأمازيغية والدواوين الشعرية الأمازيغية بالحرف اللاتيني ومازالت تبدع بالحرف اللاتيني لحد اللحظة. وبقي هؤلاء على ذلك الموقف إلى أن تفاجأوا بقرار المعهد اعتماد تيفيناغ في يناير 2003 بعد التصويت اللاأكاديمي المعلوم. فقد اجتمعت الجمعيات المغربية الأمازيغية في مكناس في أكتوبر 2002 وأجمعت في "بيان مكناس" المشهور على ضرورة تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني. إذن فالإجماع الحقيقي والحر (أو على الأقل الجزء الأعظم) في صفوف المثقفين المدافعين عن الأمازيغية والمهتمين والمبدعين بها كان لصالح اعتماد الحرف اللاتيني. وهناك إجماع أكاديمي كنتم جزءا منه يا دكتور بوكوس ألا وهو قرار اللجنة التقنية التي شكلتها وزارة التربية الوطنية في عهد الوزير عبد الله ساعف. وكانت تلك اللجنة التقنية متكونة من متخصصين في الأمازيغية وفي علم التربية. وكنتم واحدا من أعضاء تلك اللجنة يا دكتور بوكوس. وقررت تلك اللجنة في 5 يوليوز 2002 بالإجماع توصية الوزارة بتدريس اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني. ها هو إذن إجماع أكاديمي صرف على التدريس بالحرف اللاتيني. وكنتم جزءا من ذلك الإجماع يا دكتور بوكوس. أما إذا كنتم يا دكتور بوكوس تقصدون ب"النخبة الثقافية" عامة مثقفي المغرب، ومعظمهم أميون في الأمازيغية رغم إتقانهم لغة أو لغات أخرى، فإن تلك "النخبة الثقافية" كانت غالبا غائبة عن موضوع الأمازيغية ومعظمهم لا يفهمون تفاصيل وخلفيات قضية الحرف ولا يكترثون لها، ولم يساهم أغلبهم في النقاش حول الحرف وحول الأمازيغية عموما، ولم يساند أغلبهم الأمازيغية في وقت الحاجة. بل إن عددا من هؤلاء المثقفين المغاربة كان ومازال ضد الأمازيغية وضد ترسيمها وضد تدريسها وضد إجباريتها وضد تعميمها بل ضد وجودها. وفي جميع الأحوال فأغلب هؤلاء المثقفين المغاربة أميون في الأمازيغية لا يقرأونها ولا يكتبونها فالتالي فرأيهم في الحرف (إن كان لهم رأي) هو إما عشوائي أو مؤدلج، أي لا قيمة علمية له. الإنسان الأمي في اللغة التركية مثلا لا قيمة لرأيه حول كيفية كتابة اللغة التركية وحرفِها وإنما يجب عليه أولا أن يتعلم اللغة التركية ويتقنَها قراءةً وكتابةً وكلاماً ونحواً وصرفاً وإملاءً، وحينئذ فقط سيعرف ما يتكلم عنه وسيكون رأيه مقبولا لأنه مؤسس على خبرة ومعرفة معقولة بتلك اللغة. الأمي في كتابة الأمازيغية لا يحق له تحديد حرف تدريس الأمازيغية، لأن من لا يقرأ ولا يكتب الأمازيغية لن يعرف الحرف الأنفع لها. إذن يا دكتور بوكوس، فإن النخبة السياسية المغربية (قادة الأحزاب) والنخبة الثقافية المغربية تتكونان في غالبيتهما الساحقة من سياسيين ومثقفين أميين في اللغة الأمازيغية (رغم أنهم يتقنون لغات أخرى أو يتحدثون الأمازيغية شفويا). إن أي رأي صادر عن هؤلاء الأميين في الأمازيغية حول المسائل اللغوية والتقنية كمسألة حرف الأمازيغية هو رأي لا قيمة علمية له ولا يؤخذ به إطلاقا. وكذلك فإن رأيي الشخصي مثلا في حرف كتابة اللغة التركية وطريقة كتابتها هو رأي لا قيمة له لأنني أمي في اللغة التركية لا أقرأها ولا أكتبها ولا أفهمها ولا أفقه شيئا من قواعدها النحوية والصرفية. كما أن استطلاع هسبريس الإلكتروني المشهور حول حرف الأمازيغية، الذي شارك فيه 94.000 شخص، أظهر أن 48% يساندون استعمال الحرف العربي، و41% يساندون استعمال تيفيناغ، و5% يساندون استعمال الحرف اللاتيني، و6% بدون رأي. وهذه النتيجة تؤكد انعدام "الإجماع الشعبي". والأهم هو أن الشعب المغربي الأمي في الأمازيغية غير مؤهَّل لأن يقرر في هذه المسألة الأكاديمية التقنية. إذن، ف"الإجماع السياسي" منعدم (علما أن السياسيين أميون في الأمازيغية). و"الإجماع الشعبي" منعدم (علما أن الشعب أمي في الأمازيغية). أما "الإجماع الأكاديمي" حول الحرف اللاتيني فهو موجود في المغرب منذ عقود من الزمن كممارسة عملية من طرف الأكاديميين والباحثين وحدث رسميا يوم 5 يوليوز 2002 في اللجنة التقنية الوزارية. و"الإجماع الأكاديمي" حول الحرف اللاتيني موجود أيضا في الجزائر في المفوضية السامية للأمازيغية HCA ولدى بقية الأكاديميين الجزائريين في الجامعات الجزائرية الأربع (Tizi Wezzu وBgayet وTubirett وBatna) التي تدرّس شعبة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني. فحينما تتوفر للأكاديميين المتخصصين في الأمازيغية أجواء الحرية الأكاديمية بعيدا عن السياسة وضغوطاتها سواء في المغرب أو في الجزائر فإنهم يصلون بسرعة وسهولة إلى إجماع تام حول أية قضية علمية تقنية متعلقة بالأمازيغية ومنها قضية الحرف. 2) كيف اختار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حرف تيفيناغ؟ ما أغفلتم ذكره يا دكتور بوكوس هو كيف اختار الإيركام حرف تيفيناغ في 2003. فبدل أن يكون هناك نقاش أكاديمي مفتوح يديره الأكاديميون المتخصصون في الأمازيغية على المستوى الوطني للرد على حملات التعريبيين والإسلاميين ولتوضيح مسألة الحرف للرأي العام عبر وسائل الإعلام وتوعية المهتمين بالمسألة بشكل أكاديمي وتربوي باشتراك الأكاديميين المغاربة المتخصصين في الأمازيغية من داخل وخارج الإيركام في النقاش، (بدل ذلك كله) اختار المعهد طريقة غريبة وعجيبة وهي "طريقة التصويت" السري وراء الأبواب المغلقة لتحديد الحرف. إنها طريقة لاأكاديمية non-academic تضرب بعرض الحائط الأسلوب الأكاديمي العلمي المفتوح وتقحم الأمازيغية في أساليب التصويت السري والمساومات السرية وراء الأبواب المغلقة. وبالإضافة إلى ذلك فإن قضية الحرف قد حُسِمَت بالإجماع قبل ذلك في يوليوز 2002 (من طرف الأكاديميين) وحُسِمَت بالإجماع في أكتوبر 2002 (من طرف الجمعيات المدافعة عن الأمازيغية في "بيان مكناس" الشهير). فلماذا العودة في 2003 إلى شيء حسمه مسبقا وبالإجماع الأكاديميون المتخصصون في الأمازيغية في 2002 وحسمته بالإجماع الجمعيات الأمازيغية المغربية في 2002؟ وإذا نظرنا إلى نتيجة ذلك التصويت السري العجيب الذي حدث في الإيركام في 31 يناير 2003 فإن أول شيء سيسترعي انتباهنا هو غياب الإجماع بين أعضاء المجلس الإداري للمعهد (ولا نعرف ما إذا كانوا كلهم أكاديميين متخصصين في الأمازيغية أو خبراء متمرسين بكتابة اللغة الأمازيغية). فلنلاحظ نتائج التصويت: - الجولة الأولى: 14 صوتا لحرف تيفيناغ. 13 صوتا للحرف اللاتيني. 5 أصوات للحرف العربي. - الجولة الثانية: 24 صوتا لحرف تيفيناغ. 8 أصوات للحرف اللاتيني. 0 صوت للحرف العربي. إذن فنتيجة التصويت ليست إجماعا كما نلاحظ. الإجماع (unanimity) هو موافقة الجميع بلا استثناء على شيء واحد. وهذا لم يحصل في التصويت الإيركامي. فقد حصل حرف تيفيناغ على مجموع 38 صوتا وحصل الحرف اللاتيني على مجموع 21 صوتا وحصل الحرف العربي على مجموع 5 أصوات. بينما توصيات الأكاديميين في 2002 وتوصيات الجمعيات الأمازيغية في 2002 كانت بالإجماع على الحرف اللاتيني. إذن فقد تم نسخ (إلغاء) إجماع 2002 حول الحرف اللاتيني ب"لاإجماع" حول حرف تيفيناغ في 2003! ما الذي يملك شرعية أكبر؟ هل "الإجماع" أم "اللاإجماع"؟ هل يمكنك يا دكتور بوكوس أن تجيب الرأي العام المغربي عن بعض التساؤلات المشروعة ومنها مثلا: - على أي أساس علمي وأكاديمي يغير عضو في المجلس الإداري للمعهد "رأيه الأكاديمي" و"قناعاته العلمية" حول الحرف في ظرف بضع دقائق بين الجولتين؟ - من هم هؤلاء الأعضاء الخمسة الذين صوتوا للحرف العربي في الجولة الأولى؟ فالرأي العام المغربي مشتاق جدا إلى التعرف إليهم وإلى سماع براهينهم العلمية والأكاديمية التي بررت تصويتهم للحرف العربي في الجولة الأولى، ومتشوق إلى سماع براهينهم العلمية والأكاديمية التي بررت تغييرهم ل"قناعاتهم الأكاديمية" في الجولة الثانية لصالح حرف آخر. - من هم هؤلاء الذين صوتوا للحرف اللاتيني في الجولة الأولى وغيروا أصواتهم فصوتوا لتيفيناغ في الجولة الثانية؟ كيف تغيرت "قناعاتهم الأكاديمية" بين الجولتين بسرعة؟ فالمغاربة متشوقون لسماع براهينهم وحججهم العلمية. - ما هي الحجج الأكاديمية والعلمية التي استند إليها الذين صوتوا لحرف تيفيناغ بدل الحرف اللاتيني؟ - هل يمكننا أن نثق في "رأي أكاديمي" يتخلى عنه أو يتبناه صاحبه بين دقيقة وأخرى بدون أي تبرير علمي أكاديمي معقول يفسر هذا الانقلاب الفجائي من حرف لآخر؟ - ألا تقتضي النزاهة العلمية أن يحتفظ الأكاديمي برأيه العلمي النزيه حتى ولو كان وحيدا يعارضه العالم أجمع؟ - ألا تُفْرِغ سريةُ التصويت وتغييرُ المصوتين أصواتَهم بين الجولتين ذلك التصويتَ من أية صفة علمية أكاديمية وتجعل منه تصويتا سياسيا صرفا أشبه بالانتخابات السياسية أو بتصويتات منظمة الفيفا لكرة القدم؟ - أليس هذا التصويت الإيركامي السري لاأكاديميا non-academic ولاعلميا non-scientific فضلا عن أن نتائجه بعيدة عن أي إجماع عددي؟ - هل كان كل من شارك في ذلك التصويت الإيركامي أكاديميا متخصصا في اللغة الأمازيغية أو على الأقل متقنا لكتابتها وقراءتها وخبيرا بها وبأدبياتها وأبحاثها؟ - ألا ترى يا دكتور بوكوس أنه حينما زُجَّ بالأمازيغية في دهليز التصويت السري وراء الأبواب المغلقة ظهرت أشياء عجيبة وغريبة عن الحقل الأكاديمي الأمازيغي (كالتصويت للحرف العربي وتغيير المواقف بسرعة) وهي أشياء لم يكن أحد من هؤلاء "المُصَوِّتين" سيجرؤ على إظهارها لو كان النقاش حول الحرف أكاديميا وعلنيا أمام الملأ في الندوات والمؤتمرات أمام الميكروفونات والكاميرات؟ 3) حقيقة التصويت حول الحرف على لسان أحد أعضاء المجلس الإداري للمعهد: هناك الكثير من الأدبيات والتصريحات والأحداث والدلائل المنطقية التي تدل على أن عملية التصويت كانت سياسية في جوهرها وبعيدة عن الأكاديمية. من المفروض أن المعهد لم يتأسس للتصويت على هذا أو ذاك، فاختيار الحرف اللاتيني اتفق حوله الأكاديميون بشكل علني قولا وفعلا وممارسةً سلفا دون الحاجة إلى هيئات رسمية بيروقراطية ولا إلى تصويت سري. لماذا التصويت السري على شيء اتفق الأكاديميون حوله سابقا بشكل علني وبالإجماع؟! المعهد ليس "برلمانا أمازيغيا" يُصَرِّفُ المعارك السياسية والحزبية بمنطق التصويت والأغلبية والمعارضة، وإنما من المفروض أنه مركز أبحاث يشتغل بمنطق عِلمي أكاديمي صرف بعيد عن السياسة. بالنسبة للأكاديميين، الحرف العربي لا محل له من الإعراب في الدراسات الأمازيغية الأكاديمية والكتابات الأمازيغية لأن كل الأكاديميين المغاربة والجزائريين المتخصصين في الأمازيغية يشتغلون بالحرف اللاتيني منذ عقود بمن فيهم أكاديميو الIRCAM نفسه. وإقحام الحرف العربي في معمعة النقاش والتصويت حول الحرف هو شيء بعيد تماما عن العلمية ودليل على اختراق السياسة للموضوع من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. وأحد أقوى الأدلة على سياسوية عملية التصويت ولاأكاديميتها هو ما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها رقم 8845 يوم 15 فبراير 2003 وهو تصريح مثير للذهول صرح به السيد محمد صلو عضو المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حول القضية في مقال إخباري جاء هكذا على ذمة تلك الصحيفة: "... يُذْكَر أن 14 عضوا في مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية صوتوا في المرحلة الأولى على اعتماد حرف «تيفيناغ»، فيما صوت 13 عضوا لصالح الحرف اللاتيني و5 فقط لصالح الحرف العربي، بينما وصل عدد الأعضاء المصوتين لفائدة حرف «تيفيناغ» 24 عضوا في المرحلة الثانية مقابل 8 أعضاء للحرف اللاتيني وصفر من الأصوات للحرف العربي. وقال محمد صلو عضو مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والذي كان يعتبر أحد المؤيدين للحرف اللاتيني، إن تصويته لصالح حرف «تيفيناغ» جاء منذ البداية بعدما لاحظ تساويا في عدد المؤيدين للحرفين مما دفعه إلى الاقتناع بأن استمرار الخلاف سيستغله خصوم القضية الأمازيغية، مشيرا إلى ما وصفه بالإشاعات التي راجت حول اعتزام الإسلاميين وعدد من اليساريين النزول إلى الشوارع للدعوة إلى اعتماد الحرف العربي في حال استمرار الخلاف بين المؤيدين للحرف اللاتيني والمؤيدين لحرف «تيفيناغ». وأضاف صلو، «سمعنا أن أبراهام السرفاتي أصبح من المؤيدين للحرف العربي، وعبر عن استعداده للنزول إلى الشارع للدعوة للحرف العربي»، وقال «تأكدنا أن خصوم الأمازيغية أصبحوا كثيرين ولا يتموقعون فقط داخل التيارات الإسلامية»." [مراسل صحيفة "الشرق الأوسط" من الرباط: عمر جاري]. إذن، من الواضح أن الأمر يتعلق بتوافقات أو مساومات أو حسابات حصلت بشكل بعيد كل البعد عن المنهج العلمي الأكاديمي. هل يمكننا أن نخمن مثلا أن الأصوات الخمسة التي ذهبت إلى الحرف العربي في الجولة الأولى ذهبت إلى تيفيناغ في الجولة الثانية؟ وكيف يتخلى أشخاص يفترض أنهم أكاديميون عن قناعاتهم الأكاديمية خلال فترة الاستراحة بين الشوطين؟! الواضح هو أن اختيار تيفيناغ كان اختيارا تكتيكيا للإفلات من الحرف العربي (الذي يرفضه كل الأكاديميين وكل من يدافع عن الأمازيغية). بينما يبدو أن البعض الآخر رأى في تيفيناغ وسيلة لمنع الأمازيغية من امتلاك الحرف اللاتيني القوي والخطير الذي سيمكنها من التقدم السريع والصاروخي. إن ذلك التصويت الإيركامي لم يكن اختيارا محكوما بالمعايير الأكاديمية والتقنية النزيهة وبالنقاش الأكاديمي الصافي والشفاف والعلني. هذا يعني أن الحرف العربي كان "الحوتة اللي خنّزات الشواري" وأن إقحامه في النقاش والتصويت كان سياسيا (استجابة لضغوط السياسة) وليس أكاديميا. وهكذا يصبح كل ما ينتج عن ذلك التصويت سياسيا وليس أكاديميا. ما بني على السياسة فهو سياسي. إذن تيفيناغ هو مجرد نتاج سياسي يخالف الرأي الأكاديمي الأمازيغي ويخالف ما طالبت به الجمعيات الثقافية الأمازيغية في أكتوبر 2002 وما قبل أكتوبر 2002. ولا يجب أن ننسى أن المجلس الإداري للمعهد كان يضم 5 أعضاء يمثلون وزارات منها وزارة الداخلية. هل هؤلاء الخمسة هم الذين صوتوا للحرف العربي في الجولة الأولى؟ هذا مجرد سؤال ولكنه يستحق الجواب. والشعب المغربي يستحق أن يعرف الحقيقة. أليس الأجدر هو طرح مسألة الحرف للنقاش الأكاديمي العلمي أمام الملأ بدل التصويت وراء الأبواب المغلقة والمساومات والتصويتات التكتيكية؟ وحينما يكون هناك نقاش أكاديمي علني مفتوح، فحينئذ سنرى ما إذا كان دعاة فرض الحرف العربي يحملون أبحاثا علمية وأكاديمية وإنتاجات أدبية وإبداعية وترجمية تساند أطروحتهم أم أن جعبتهم فارغة المضمون وأنهم مجرد أميين غوغائيين متطفلين على الأمازيغية بمنطق "حاميها حراميها" أو "حارسها قاتِلُها". وبما أن حسم حرف الأمازيغية بالتصويت السري في بضع دقائق شيء مشروع ولا غبار عليه كما يزعمون، ماذا كان سيقول أهل الإيركام للمغاربة لو أسفر التصويت عن اختيار الحرف العربي مثلا؟ هل كانوا سيقولون حينئذ أن "الحرف العربي عريق ورائع وجميل يحبه الأطفال ومنقوش على المساجد، والأمازيغية ينتظرها مستقبل زاهر، ويجب القبول بالإجماع الوطني والالتفاف حوله..." على منوال ما يقال الآن حول تيفيناغ! 4) الحرف اللاتيني أيضا لا يشكل أية صعوبة لأطفال الجزائر يا د. بوكوس: قال الدكتور بوكوس أنه كانت هناك دراسة أنجزها الإيركام وأثبتت أن حرف تيفيناغ لا يشكل أية صعوبة للأطفال المغاربة الذين يتعلمون به الأمازيغية. هذا النوع من التبرير اللاضروري يتكرر كثيرا على ألسنة بعض محبي تيفيناغ. ما قاله الدكتور بوكوس صحيح طبعا. إلا إنه لم يزعم أحد يوما أن حرف تيفيناغ صعب على الأطفال، فليس هذا هو الموضوع. ولكن يبدو أن حجة "عدم صعوبة تيفيناغ" تستخدم من طرف البعض للتلميح إلى أن الحرف اللاتيني صعب على الأطفال. وهذا شيء خاطئ وكلام فارغ. فلو كان الحرف اللاتيني صعبا على الأطفال والتلاميذ والطلبة فكيف يتعلّم المغاربة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية والإيطالية طيلة كل هذه السنين؟! ثم إن أطفال وشباب الجزائر يتعلمون الأمازيغية بالحرف اللاتيني منذ 1995 في الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي. ولم نسمع يوما جزائريا واحدا يشتكي من صعوبة الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني على الأطفال! وكل الأكاديميين الجزائريين المتخصصين في اللغة الأمازيغية يُجمِعون إجماعا ساحقا ماحقا مطلقا قاطعا حول أن الحرف اللاتيني هو الحرف الأنفع لتدريس ونشر الأمازيغية لأسباب متعددة تقنية ولغوية واجتماعية شرحناها بالتفصيل الممل. وكل هؤلاء الأكاديميين الجزائريين يشتغلون بالحرف اللاتيني في التأليف والنشر بالأمازيغية. والمحافظة السامية للأمازيغية بالجزائر HCA (النظير الجزائري للإيركام المغربي) تنشر 100% من قواميسها ودراساتها ومطبوعاتها الأمازيغية بالحرف اللاتيني إلى حد هذه اللحظة. الحقيقة يا دكتور بوكوس أن الطفل هو صفحة بيضاء ويمكن له أن يتعلم أي حرف ولو كان الحرف الصيني. القضية ليست سهولة هذا الحرف أو ذاك على الأطفال. فكل الحروف سهلة وقابلة للتعلم من طرف الأطفال. القضية هي قضية ما هو الحرف الأنفع للغة الأمازيغية في الظروف الاجتماعية – الاقتصادية – التعليمية – الديموغرافية الحالية في المغرب والجزائر؟ وما هو الحرف التي يكتب الأمازيغية بأعلى دقة وأعلى جودة؟ والجواب على السؤالين: الحرف اللاتيني. الحرف اللاتيني هو الأنفع للأمازيغية حاليا لأنه سينشرها بسرعة في أوساط الشباب بالمغرب وسيسرّع إدخالها في التعليم الثانوي والجامعي بجانب الابتدائي وسيسرّع ترسيمها في الإدارات، ليس فقط كديكور للزينة على أبواب ولوحات الإدارات وإنما كلغة وظيفية حقيقة داخل الإدارات والمحاكم والمصالح. الحرف اللاتيني هو الكفيل بإدماج الامازيغية في عالم العلوم والتكنولوجيا على المستوى العالمي. لا الحرف العربي ولا حرف تيفيناغ سينفعان الأمازيغية في هذا المجال. وبالنسبة لحرف تيفيناغ فقد ثبت لدينا الآن أنه يساعد الدولة على تبرير تأجيل وتسويف إدخال الأمازيغية في التعليم الثانوي بذريعة نقص من يتقنه وصعوبته على طلبة الثانوي وضعف انتشاره في المجتمع. لماذا يدرس طلبة الثانوي المغاربة اللغات الألمانية والإيطالية والإسبانية ولا يدرسون الأمازيغية؟! أليس الحرف اللاتيني هو المفتاح؟ 5) نظام ISO Unicode هو مجرد نظام لتسجيل الحروف الحية والمنقرضة: ما قاله الدكتور بوكوس ويكرره كثير من محبي تيفيناغ حول أن حرف تيفيناغ مسجَّل في نظام أيسو يونيكود ISO Unicode (وكأن ذلك التسجيل إنجاز عملاق) لا قيمة له في هذا النقاش حول الحرف. نظام ISO Unicode هو مجرد نظام دولي لتسجيل الحروف سواء كانت مستخدمة حاليا أو منقرضة الاستخدام. ولا يعني تسجيل تيفيناغ في ISO Unicode أي اعتراف دولي بالأمازيغية. في نظام ISO Unicode لم يتم تسجيل حرف تيفيناغ فقط بل تم تسجيل كل حروف العالم سواء كانت مستخدمة أو منقرضة الاستخدام ومنها الحرف العربي والحرف الجرماني المنقرض الاستخدام والحرف اللاتيني والحرف الروسي والحرف العبري والحرف التركي القديم الذي انقرض استخدامه في آسيا الوسطى. وكذلك تم تسجيل الحرف الفينيقي Phoenician alphabet في نظام ISO Unicode رغم كونه حرفا منقرض الاستخدام منذ 1600 عام. وكذلك تم تسجيل الهيروغليفيات القبطية والكتابة المسمارية السومرية في ISO Unicode بجانب اللاتيني وتيفيناغ والعربي والروسي رغم كون الهيروغليفيات والمسماريات منقرضة الاستخدام منذ آلاف السنين. إذن، نظام ISO Unicode لا يفرق بين الحروف الحية المستخدمة حاليا والحروف التي انقرض استخدامها منذ غابر الأزمان فكلها بالنسبة له شيء واحد: مجرد رموز للكتابة. وتسجيل تلك الحروف يتم فقط لكي تتعرف عليها أجهزة الكومبيوتر عبر الإنترنت، لا أقل ولا أكثر. إذن فتسجيل حرف تيفيناغ في ISO Unicode لا يعني شيئا ولا يساوي شيئا في هذا النقاش حول حرف كتابة الأمازيغية. ويمكن الاطلاع على كل الحروف المستخدمة حاليا وتلك المنقرضة الاستخدام التي تم تسجيلها في ISO Unicode على موقع اليونيكود هنا: www.unicode.org/charts 6) حرف تيفيناغ جميل ورائع ولكنه يبطئ نشر وترسيم الأمازيغية يا د. بوكوس: طرح الصحفي نورالدين لشهب سؤالا آخر على د. بوكوس يقول: "حرف تيفيناغ، هل ترى أنه خدم اللغة الأمازيغية بالمغرب أم أنه ساهم في عدم إشاعتها وانتشارها في أوساط المجتمع؟". وكان جواب د. بوكوس: "حرف تيفيناغ هو الحرف التاريخي الأصيل للغة الأمازيغية [...] قمنا بوضع نظام خطي لتيفيناغ [...] تم الاعتراف به من طرف المنظمة الدولية [...] للإجابة عن هذا السؤال لا بد أن نقول إن لمعالجة هذه الإشكالية مقاربات مختلفة. فإذا نظرنا إلى هذا الأمر من وجهة نظر مقاربة بيداغوجية ومن وجهة نظر علوم التربية، آنذاك علينا أن نقوم بدراسة تشخيصية لدى التلاميذ الذين يتعلمون الأمازيغية في المدرسة المغربية. وواقع الحال أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سبق له أن قام بمثل هذه الدراسة بتنسيق وتشارك مع وزارة التربية الوطنية في عدد من مدارس المملكة، وكانت النتائج أن أغلبية التلاميذ في الصف الرابع و الصف السادس من التعليم الابتدائي لا يشكل بالنسبة لهم حرف تيفيناغ أي مشكل". مرة أخرى يجيب د. بوكوس على سؤال ذي منطق تقني محدد (مدى مساهمة تيفيناغ في انتشار الأمازيغية في المجتمع) بجواب بعيد جدا عن موضوع السؤال. لم يبين الدكتور بوكوس مدى مساهمة تيفيناغ في إشاعة ونشر الأمازيغية في أوساط المجتمع (لأن مساهمة تيفيناغ منعدمة طبعا – فاقد الشيء لا يعطيه). تيفيناغ منعدم الانتشار في المجتمع فكيف نتوقع منه أن ينشر الأمازيغية في المجتمع؟! يستنجد الدكتور بوكوس (في جوابه على سؤال الصحفي) بذكر دراسة منجزة حول "سهولة تيفيناغ على أطفال القسمين الرابع والسادس ابتدائي" بينما سؤال الصحفي نورالدين لشهب كان حول (عدم) مساهمة تيفيناغ في إشاعة وانتشار الأمازيغية في المجتمع، (وأزيد من عندي: كالإدارات والإعلام والصحافة). ولكن بما أن الدكتور أحمد بوكوس استنجد بتلك الدراسة حول "سهولة تيفيناغ على أطفال الابتدائي" فهل برهنت تلك الدراسة أن الحرف اللاتيني صعب على الأطفال المغاربة مثلا؟ هل تم اختبار الأطفال المغاربة في مدى قدرتهم على قراءة وكتابة نص أمازيغي بالحرف اللاتيني بعد مدة معقولة من تدريسهم الأمازيغية بالحرف اللاتيني؟ لم يحصل ذلك طبعا. إذن لا تجوز هنا المفاضلة بين الحرفين مع غياب تجربة الحرفين في ظروف متساوية وعادلة لدى أطفال الابتدائي. فمن السهل أن يقول الإنسان أن لحم البقر المشوي هو ألذ لحم في العالم إذا لم يذق في حياته لحم الغنم المشوي أو السمك المشوي أو غير ذلك. لا يمكننا أن نطلق أحكاما تفضيلية دون أن نختبر كل الإمكانيات وكل الخيارات المتاحة. ولماذا تم تجاهل التجربة الجزائرية في تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني رغم أنها سابقة على المغرب ب8 سنوات حيث بدأت في 1995؟! ثم لماذا لم تنجَزْ دراسة أو تجربة في أوساط تلاميذ الإعدادي والثانوي بالمغرب لاختبار مدى سهولة تعلمهم الأمازيغية بالحرف اللاتيني؟! أم أن تدريس الأمازيغية شأن يخص أطفال الابتدائي فقط ولا يهم تلاميذ الثانوي؟! ألا يجب إنجاز تلك التجربة الآن تمهيدا لإدخال الأمازيغية في التعليم الثانوي قريبا؟ إن ضآلة أعداد قراء تيفيناغ وضآلة انتشار تيفيناغ في المغرب ستستخدَمُ دائما كسلاح فتاك لمحاصرة الأمازيغية وتعطيل رسميتها وحرمانها من المشاركة في برامج تنموية استراتيجية قادمة بحجة عدم شيوع حرف تيفيناغ بين الشعب. وهذا سيناريو معقول ومحتمل، ورأينا بوادره مع "المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" الذي استبعد تدريس الأمازيغية من الإعدادي والثانوي وحصرها في الابتدائي. ورأيناه أيضا في سياسات وزارة التربية الوطنية التي استبعدت الأمازيغية من التعليم الثانوي. وهكذا يتم دفع الأمازيغية للعب دور "اللغة الفولكلورية" و"اللغة الديكورية" و"لغة اللوحات الإدارية". فمادام تيفيناغ مستحيل الانتشار في المجتمع بسرعة ولا يعرفه معظم المغاربة فستلعب الأمازيغية التيفيناغية فقط دور الزينة والفولكلور و"لغة لبلايك" على أبواب الإدارات والصيدليات، لا يقرأها أحد ولا يستخدمها أحد كلغة وظيفية حقيقية. وهذا ما يحدث حاليا بالضبط وما هو مرسوم بالضبط في سياسات الدولة التي تتكشف لنا شيئا فشيئا. ما دامت الأمازيغية تُرْبَط حصريا بحرف تيفيناغ فإن ضعف انتشار تيفيناغ واستحالة نشره بسرعة في المجتمع سيصبح "فشلا للأمازيغية واستحالة لنشرها بسرعة". وبذلك ستدفع اللغة الأمازيغية ضريبة عدم شيوع حرف تيفيناغ لدى المغاربة المتعلمين. وهكذا يصبح حرف تيفيناغ كصخرة ثقيلة مربوطة بقدم اللغة الأمازيغية تجذبها إلى قاع البحر مع أن اللغة الأمازيغية قادرة على السباحة إذا تحررت من تلك الصخرة الثقيلة. ولكن حينما نربط الحرف اللاتيني بالأمازيغية ونشتغل على تدريس ونشر الأمازيغية به في الجامعات والثانويات والإعداديات والابتدائيات والإدارات فستنقلب موازين القوى تماما، لأن الأمازيغية حينئذ ستستمد من الحرف اللاتيني النفوذ في الإدارات والمدارس والجامعات وستستمد منه الانتشارية الواسعة في المجتمع خصوصا بين الشباب. وحينئذ لن يستطيع خصوم الأمازيغية حصارها ب"قلة قراء الحرف اللاتيني" وهو الحرف الأقوى بالمغرب بلا منازع. 7) هل الجزائريون غافلون أو مخطئون لأنهم يدرّسون الأمازيغية بالحرف اللاتيني للأطفال والشباب؟ كما تعلمون يا دكتور بوكوس أكثر مني وأكثر من معظم المغاربة، فالأمازيغية في الجزائر تدرّس منذ 1995 بالحرف اللاتيني في معظم المدارس التي سمحت لها الدولة الجزائرية بتدريس مادة الأمازيغية. وتعلمون أيضا يا دكتور بوكوس أن الأمازيغية في الجزائر تدرّس حاليا في 3 مستويات: ابتدائي وإعدادي وثانوي، وأن مادة الأمازيغية دخلت امتحان الباكالوريا الجزائري الوطني الموحد منذ 2009. أنا متأكد أنكم يا دكتور بوكوس مطلعون على الكتب المدرسية الأمازيغية الجزائرية التي تستخدم الحرف اللاتيني. ويمكن للقراء الاطلاع على بعض تلك الكتب المدرسية الجزائرية عبر هذا الرابط: www.freemorocco.com/tamazight-dzayer.html إذا كانت الأمازيغية تدرّس لأطفال وشباب الجزائر بالحرف اللاتيني منذ 1995 فلماذا لم نسمع يوما عن صعوبة الحرف اللاتيني لدى الأطفال الجزائريين؟! الحقيقة هي أن اللغة يمكن كتابتها بأي حرف كان سواء كان اللاتيني أو التيفيناغي أو العربي أو العبري أو الإغريقي، علما أن الحرف اللاتيني يكتب الأمازيغية بدقة تفوق الحرف العربي بكثير. ولكن الأهم هو ما ينفع الأمازيغية في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والأكاديمية والتكنولوجية الحالية. وكل هذه الظروف تحتم استخدام الحرف اللاتيني في تدريس ونشر الأمازيغية في المغرب والجزائر على حد سواء. لا يمكن أن كل الأكاديميين الجزائريين سواء من "المحافظة السامية للأمازيغية" (HCA) أو من "المركز الوطني البيداغوجي لدراسات تعليم الأمازيغية" الجزائري (CNPLET) أو في الجامعات الجزائرية غافلون أو مخطئون لأنهم يدرّسون مادة الأمازيغية وشُعَبَها الجامعية بالحرف اللاتيني ويؤلفون المؤلفات الأمازيغية بالحرف اللاتيني. 8) خاتمة: إنكم يا دكتور أحمد بوكوس، مع كامل الاحترام والتقدير لكم، ملزمون بإجابة الرأي العام المغربي إجابة وافية وشفافة عن كل هذه الأسئلة المشروعة المتعلقة بطريقة التصويت وطريقة اختيار الحرف وغيرها من الأسئلة، لأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مؤسسة عمومية تستهلك أموال الضرائب التي يدفعها الشعب المغربي، وهي بذلك مؤسسة مسؤولة أمام الشعب. كما أنه من الضروري فتح حوار أكاديمي (لا سياسي) حول الحرف يشارك فيه كل الأكاديميين المغاربة المتخصصين في اللغة الأمازيغية من الإيركام ومن الجامعات المغربية من أجل تعديل وتصحيح الاتجاه الحالي الذي أضر بالأمازيغية وفرملها وعطل مسارها كثيرا بسبب حرمانها من الحرف اللاتيني. كما أنه من الضروري فتح حوار حول ضرورة تدريس الأمازيغية كمادة إجبارية في الثانوي والجامعات انطلاقا من الموسم المقبل من أجل إنقاذ الأمازيغية من الفولكلورية والجمود القاتل ومن أجل ربطها من الآن بالشباب المغربي في الثانويات والجامعات. يجب إخراج الأمازيغية من قوقعة التعليم الابتدائي وإدخالها بسرعة كمادة إجبارية في التعليم الثانوي والجامعي دون انتظار تغطية كل مدارس الابتدائي. الحرف اللاتيني هو مفتاح إدخال الأمازيغية في الثانوي والجامعي كمادة إجبارية. والحرف اللاتيني هو مفتاح تسريع ترسيم الأمازيغية في الإدارات، ترسيما حقيقيا وظيفيا لا رمزيا ديكوريا، كما تعلمون جيدا يا دكتور أحمد بوكوس وكما يعلم كل الأكاديميين والخبراء باللغة الأمازيغية. [email protected]