مؤسفٌ فعلا أن يدخل "جيلو" المغربي إلى حيفا ويُمْنَع أحدُ أندادِه ومُشخّصيه الفلسطيني عيد عزيز من ذلك. عيد الذي لم يحصل على تصريح للدخول بحججٍ "أمنية" واهية، بعدما أبدع مع أصدقائه في عروض جنين وبيت لحم والخليل ورام الله مؤخّرا. عندما طرح عليَّ بشار مرقص فكرة 3 جيلو في 1، أوّل مرّة، كنت متوجّسا قليلا. لكنّني خمّنت أن الترحيل الذي عاشه جيلو -وبشكل فردي- ربما كابَدَه الفلسطينيون بشكل جماعي. كما كنتُ مقتنعًا بأنّ السفر من النّص إلى العرض محفوفٌ بالمفاجآت. فلكي تترك لنصٍّ من تأليفك أن يفاجئك، يجب أن تعطي للقراءة الإخراجية ما يلزمها من حرّية. وقد استثمر طاقم مسرح الحارة هذه الحرية بطريقة مبدعة، وتوفّق الجميع في إيجاد النبرة المناسبة التي جعلت تعدّد الأصوات يُكثّف العزلة بشكل بديع. هذا ما اكتشفتُه بفرح خلال عرض تونس أوّل مرة، ثم عروض مارسيليا وبروكسل بعد ذلك. والآن، لم أعد أتخيّل جيلو "الفلسطيني" بدون أنداده الثلاثة: نقولا زرينة وعطا ناصر وعيد عزيز. لذا يعزّ عليّ كثيرا أن يغيب عيد عن عرض الليلة. وأنا حزين لأجله. كما أنّني حزينٌ لأن مأساة جيلو هي جزءٌ يسيرٌ من مأساة كبرى يعيشها الفلسطينيُّ يوميًّا هو الذي لم يختر الخروج من وطنه أصلًا، ومع ذلك تحاصره المعابر (وأقصد الحواجز) والتصاريح (بمعنى الموانع) في حلّه وترحاله. الدور في النهاية سيتصدّى له مخرج العرض بشّار مرقص لتفويت الفرصة على المنع المقنّع الذي تمارسه سلطات الاحتلال بمكرٍ غبيٍّ عبر سياسية عدم استصدار التصاريح. وحتى لا يُلغى عرض الليلة على خشبة مسرح الميدان بحيفا مثلما ألغِيَ على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني بالقدس خلال الموسم الماضي. بالتوفيق بشار وأنت تنتقل الليلة إلى الرّكح ممثّلا بعدما كنت تدير الممثلين بحرفية عالية. ومتمنياتي للشباب في "مسرح الحارة" و"انسمبل خشبة" بوافر النجاح... فالأهم أن يصل العرض إلى أهالي حيفا، وشمال فلسطين عمومًا، ضدًّا على مخطّطات العزل الثقافي الصهيونية. والأجمل أنه يأتي في إطار مشروع "مسرح من أجل المكان" الذي يهدف إلى ترميم مبنى عثماني يقع في حيّ وادي الصليب التاريخي بحيفا والمهدّد بمخطّطات التهويد. والأبهى أنه يصادف اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وكلّ عام وفلسطين بمقاومة وإبداع.