يبدو أن دعابات بعض الأعمال الكوميدية الرمضانية التي بثت على قنوات التلفزيون المغربي ستنتهي إلى مصير بالغ الجدية مع اتساع نطاق الانتقادات لمستوى الإنتاج المقدم، وإقدام فعاليات وشخصيات على مقاضاة برنامجين كوميديين يبثان على القناة الثانية. ورغم الموازنات الاستثنائية التي رصدها التلفزيون المغربي لدراما وكوميديا رمضان، فإن مؤشرات قياس المشاهدة سجلت هجرة جماعية للمغاربة إلى المحطات الفضائية العربية حيث حظيت المسلسلات المصرية بنصيب وافر من اهتمام المشاهدين. وراهن التلفزيون المغربي بقناتيه العموميتين على برمجة مواد كوميدية خصوصا في فترة الذروة، عند الإفطار، إلا أن الحصيلة كانت انتقادات حادة تطور بعضها إلى قضايا أمام المحاكم. وبادرت الجمعية المغربية لحقوق المشاهد، وهي تنظيم مدني يعني بضمان الحق في الإعلام الهادف للمواطنين، إلى رفع دعوى قضائية على القناة المغربية الثانية من أجل وقف بث برنامج الكاميرا الخفية "طاكسي 36" بدعوى النيل من كرامة المواطنين الذين استهدفتهم الكاميرا وانتهاك الحريات الفردية وتعريض حياة الغير للخطر. وبررت الجمعية في بلاغ لها هذه الخطوة بأن البرنامج، الذي كان يقوم على نصب مقالب متنوعة لزبائن سيارة الأجرة، "عرض حياة مواطنين للخطر وهدد سلامتهم البدنية من خلال إقحامهم في مواقف لا تمت للفكاهة بصلة." وأضافت أن "طاكسي36 وشركة إنتاجه "ودُوزيم" قد وضعت مواطنين في مواقف حرجة كثيرة، كما تم النيل من شرفهم وكرامتهم وخصوصيتهم وحرياتهم الفردية التي يضمنها القانون،" ومضت إلى اتهامه بتضمنه دعوات صريحة إلى التمييز العنصري. وقد يواجه الفنان الكوميدي المغربي حسن الفذ مصيرا مماثلا، إذ هدد منتج برنامج تلفزيوني برفع دعوى قضائية على هذا الفنان الذي يقدم حلقات يقلد فيها بشكل كاريكاتوري بعض شخصيات ومضامين البرامج التلفزيونية المغربية، وذلك بزعم التعريض به وتعمد الإساءة إليه. وفي الحلقة محل الخلاف، بدا الفذ وهو يلعب دور مقدمة البرنامج المذكور وهي تواجه محاولة رشوة من قبل فنان مقابل مروره في البرنامج، الأمر الذي اعتبره المنتج ضربا من التشهير. ولم تكن هذه التطورات غير المنتظرة التي أفضت إليها كوميديا رمضان إلا واجهة لحالة استياء عام من مستوى الأعمال المقدمة التي اتهمها البعض بإهدار المال العام. وفي هذا الإطار، لاحظ الناقد السينمائي والتلفزيوني أحمد سجلماسي أن حجم الإنتاج التلفزيوني الرمضاني قد ارتفع هذه السنة لأن قناتي الأولى والثانية بشكل خاص خصصتا غلافا ماليا محترما لمواد رمضان الفكاهية والدرامية وغيرها، إلا أن الثابت في هذا الإنتاج هو غياب الكيف والإبداعية بشكل مقبول. وأوضح سجلماسي لموقع CNN بالعربية أنه "باستثناء بعض العناوين يمكن القول أن جل الأعمال ظلت باهتة ولم يقدم أصحابها إضافات جديدة لا على مستوى الشكل ولا على مستوى المضامين." وحول سلسلة "الحراز" التراثية الكوميدية، قال الناقد المغربي إنها اتسمت بتشخيص مفتعل وحركات بهلوانية لم تعد تضحك حتى الصغار فضلا عن ضعف في البناء الدرامي وإدارة الممثلين. ورأى أن سلسلة "العام طويل" تتميز بطابعها النقدي لجوانب من واقع المؤسسة المدرسية الخاصة بالمغرب وما يرتبط به من ممارسات سلبية، وبروحها الكوميدية التي لا تخلو أحيانا من مبالغة وافتعال، أما سلسلة "جحا يا جحا" فتبدو حلقاتها رتيبة وإيقاعها بطيء نسبيا، وهي عبارة عن نكت مصورة. وخلص أحمد سجلماسي إلى أن سلسلة "دار الورثة" تبقى استثناء ناجحا من بين الأعمال الكوميدية المعروضة في رمضان الحالي ويمكن الاطمئنان إلى مضامينها وشكلها الإخراجي ومستوى الأداء التمثيلي. ومن العناصر الأخرى لنجاح هذه السلسلة ارتباط مضامينها بواقع المغاربة الحالي وتفوقها في ترجمة التحول الذي شهدته قيم المجتمع بين الأمس واليوم في قالب هزلي ساخر لا يخلو من تمكن واحترافية وجدة على مستوى الرؤية الإخراجية.