الانزعاجُ الأممِيُّ إزاء حالة الجمود التِي تكلسَ فيها ملفُّ الصحراء، كما ترجمهُ تقريرُ الأمين العام للأمم المتحدة، بانْ كِي مُون، لا يزالُ باعثًا، حسب الدكتور عبد الرحيم المنار السليمي، على توقعِ سيناريوهاتٍ غير مطمئنة، مستقبلًا؛ منها ما ينزعُ نحو الحرب، وإنْ حيدَ المغربُ جانبًا مساعيَ خصومه لتوسيع صلاحيًّات المينورسُو كي تشمل مراقبة حقوق الإنسان، في أقاليمه الجنوبيَّة. رئيسُ المركز المغاربي للدراسات الأمنيَّة وتحليل السياسات يشرحُ كيفَ انساقَ بانْ كِي مون ومبعوثه روس، وراء ادعاءات الجزائر، فيمَا لمْ يكن المغرب موفقًا في استثمار حجته ورجاحة موقفه، في مقابل "ديبلوماسيَّة" الرشوة التي تنتهجها الجزائر، من أجل ضمِّ الصحراء إلى ترابها، باتفاقٍ مع قادة البوليساريُو، لكونهم يشتغلون تحت إمرتها، في نهاية المطاف. فيما يلِي نصُّ الأستاذ السليمي كما ورد إلى هسبريس؛ بدأت قضية الصحراء تأخذ أبعادا إستراتيجية أكثر خطورة، والنزاع الموروث عن مرحلة الحرب الباردة ينزلق تدريجيا خارج أروقة الأممالمتحدة، نتيجة سوء تقييم قانوني وسياسي للأمين العام الثامن للأمم المتحدة السيد "بان كي مون" ومبعوثه "كريستوفر روس"، فالضغوطات التي يتعرض لها المغرب في السنتين الأخيرتين رفعت من سقف أطماع الجزائر التوسعية، ولا أحد يعرف هل الأمين العام الأممي، الذي يقول إنه نشأ في مناخ حرب و"شاهد الأممالمتحدة وهي تساعد بلده على التعافي وإعادة الأعمار" ، بوعي أو بدون وعي منه، قد يدفع تدريجيا بتقييمه الخاطئ لملف الصحراء نحو حرب جزائرية مغربية من شأنها تهديد الأمن والسلم الإقليمي في منطقة معرضة للانفجار وتتجه فيها العديد من الدول إلى مزيد من عدم الاستقرار والفشل. أخطاء الأمين العام الاممي في تقييم النزاع قد تكون تكلفتها باهضة وإذا كان من المفترض أم الأمين العام الأممي أول شخص يؤمن بمبادئ الأمن والسلم الدوليين ويسعى إليها عن طريق "المساعي الحميدة "، فان السيد "بان كي مون" فتح باستنتاجاته الانفعالية المضمنة في تقريره، المقدم إلى مجلس الأمن في العاشر من ابريل الماضي، ملف الصحراء على المجهول، إذ لم يسبق في تاريخ الأممالمتحدة ان انقلب أمين عام أممي ومبعوثه الخاص بهذه السرعة في تدبير نزاع معروض على الأممالمتحدة، فالتقرير الاممي بين ابريل 2013 و ابريل 2014 لم يعد متحمسا فيه للمفاوضات حول حل سياسي اسمه الحكم الذاتي وباتت القضية في نزاع الصحراء مركزة على حماية حقوق الإنسان. الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص انجرا الى الأسطورة التي نسجتها الجزائر وقيادة البوليساريو، أكثر من ذلك، لم ينتبه الأمين ومبعوثه الخاص وهما يبحثان عمت اسمياه آلية لمراقبة حقوق الإنسان إلى أن هذه الآليات او البعثات تراقب حقوق الإنسان فوق تراب دول غير مستقرة ، وان المغرب ليس هو دارفور اوالكونغو اوافريقيا الوسطى اوافغانستان اوجنوب السودان وليبريا، المغرب دولة مستقرة متوسطة القوة، تساهم منذ سنوات بقواتها ضمن القوات الأممية في عمليات حفظ السلام في مجموعة من بقاع العالم غير المستقرة، ولا يعقل ان يكون المغرب دولة مساهمة في قوات حفظ السلام وموضوع مراقبة من طرف نفس النوع من القوات فوق جزء من ترابه. الأمين العام الأممي السيد "بان كي مون، بدا متشائما في تقريره، حاملا لنفسية انفعالية، لا احد يعرف هل هي نفسيته ام نفسية مبعوثه السيد "كريستوفر روس" الذي لازال يمارس ردود أفعال على طريقة استقباله في الرباط او عدم استقباله أحيانا، لأسباب تشير إلى علاقته بتأجيج الاحتجاج كلما حل بالمناطق الجنوبية، خاصة بمدينة العيون . فالمعلومات التي خرجت من محيط "اميناتو حيدر " تشير إلى أن المبعوث الأممي الخاص كثيرا ما كان يردد على مسامع جمهور "اميناتو حيدر" العبارة القائلة: "تظاهروا فانتم تحت حماية الأممالمتحدة "، وهو سلوك تحريضي في عمل مبعوث الأممالمتحدة لا علاقة له بقواعد الممارسة الدبلوماسية الأممية. هذه التظاهرات، التي يشير لها تقرير الأمين العام الاممي بطريقة تجعله غير قادر على تحديد شكلها او عدد أفرادها او أماكنها، ويحاول استعمالها كحجة لإعادة إدراج مطلب حماية حقوق الإنسان، بينما يكيف بشكل غريب عملية قتل متظاهرين من طرف الجيش الجزائري على أبواب المخيمات بأنه تنظيم لحركة التجارة وعملية لمكافحة التهريب، وهو ما يعني ان الأمين العام الاممي يغطي بأسلوب فاضح على ما يسمى في القانون الدولي بالجرائم ضد الإنسانية، يجعله يتحمل اليوم مسؤولية جرائم الإبادة التي قد ترتكب في المخيمات نتيجة ارتفاع الأصوات المطالبة بفك الحصارع المخيمات. الأمين العام الاممي ومبعوثه الخاص، يغامران بمسايرة ودعم الجزائر والبوليساريو في مطلب توسيع صلاحيات المينورسو ، وهو ينسى الأصل القانوني لقوات حفظ السلام الناتجة عن توصية "اشيسون" وعن اجتهاد قانوني بعد الفراغ الذي نتج عن عدم توقيع الدول مع مجلس الأمن للاتفاقات المشار اليها في المادة 43 من ميثاق الأممالمتحدة، هذا الاجتهاد ،الذي حدد مهام هذه القوات بشروط قانونية دقيقة لتكون بمثابة قوات رمزية بين الأطراف المتصارعة بعد إبرام اتفاقيات وقف إطلاق النار. ولا احد يعرف، هل الأمين العام الاممي، وهو يعزل الجزائر ويعتبرها غير معنية بالنزاع، على دراية بوثائق الاممالمتحدة المشرف على إدارتها ، والتي تشير إلى أن البوليساريو قاد قتالا ضد المغرب بدعم من الجزائر، فكيف يقوم الأمين العام اليوم بعزل الجزائر من النزاع في تقريره وهي الدولة التي تحتضن مخيمات البوليساريو فوق أراضيها وتحمل قيادات البوليساريو جنسيتها وتستعمل جوازات سفر صادرة عن سلطاتها ؟ اكثر من ذلك، أنها الدولة التي صرفت 300 مليار دولار على قيادة البوليساريو في العشر سنوات الأخيرة، ورصدت ميزانية 700 مليون دولار للدعاية للبوليساريو خلال سنة 2014، ولا احد يمكنه الاعتقاد أن هذه المعلومات غائبة عن الأمين العام الأممي الذي وصلت اللوبيات إلى مقر المنظمة التي يرأسها. دولة سادسة غير ممكنة وأساطير البوليساريو والجزائر لا تخلق الدول يبدو ان الأمين العام الاممي لازال ينظر الى نزاع الصحراء بمقاربة الستينات ولا يأخذ بالتحولات التي وقعت، فالجزائر قابعة بتفكيرها في ستينيات القرن الماضي، بحكم سن الجيل الحاكم، وتريد من الأممالمتحدة أن تبقى في نفس التاريخ، والغريب، هو أن يعمد الأمين العام الاممي ومبعوثه الخاص إلى ترديد خطاب وزير الخارجية الجزائري "رمضان لعمامرة " ومسايرة خطاب جبهة البوليساريو في ترديد أساطير تسميها الجزائر بالقانونية، فالجزائر توهم الأمين العام الاممي ومبعوثه الخاص وتعطيه دروسا قديمة لاعلاقة لها بالقانون الدولي وتخلط أمامه بين شيئين مختلفين: تصفية الاستعمار والأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وتوظف توصيات غير ملزمة في القانون الدولي، منها التوصية 1514. الأمين العام الاممي محكوم في عمله بميثاق الأممالمتحدة كمجموعة قواعد قانونية أمرة وليس بالشعارات اوما تستنتجه الدول نفعيا من القانون الدولي وتحاول تطبيقه حسب أهوائها على حالات موجودة أمامها ، فالصحراء تضعها الأممالمتحدة ضمن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وهو الإقليم الذي طبق فيه المغرب بعد استرجاعه جميع المبادئ القانونية للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي بما فيها مقترح الحكم الذاتي كشكل من أشكال تقرير المصير لأقاليم تفترض الأممالمتحدة انها غير متمتعة بالحكم الذاتي، ويكفي هنا إخراج الرقم المالي الذي صرفه شمال المغرب على جنوبه لتنمية الأقاليم الصحراوية بعد استرجاعها انطلاقا من سنة 1975 إلى اليوم ومقارنتها بأقاليم أخرى ، ويكفي للامين العام الاممي ومبعوثه الخاص أن يقارن بين ولاية العيون وولاية ورقلة النفطية في الجزائر أو العاصمة الموريتانية نواكشوط ، وسيلاحظ أن العيون تقدمت بمسافة ثلاثين سنة على ورقلة في الجزائر. ويلاحظ ،ان الجزائر المدعومة بالاتحاد الافريقي، المنظمة التي لم ينتبه الأمين العام الاممي، وهو يشير في تقريره الى اجتماع لمبعوثه الاممي برئاستها ،الى ان المغرب ليس عضوا في هذه المنظمة وانه انسحب منها احتجاج على إشراك البوليساريو، ولم يلاحظ الأمين العام الاممي ان الجزائر تعمد الى توظيف مبدا صنعته هذه المنظمة لما كانت تسمى بالوحدة الإفريقية في مؤتمرها الاول للقمة بالقاهرة في سنة 1964 سمته بمبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار، بالمعنى الذي يفيد ان ما تملكه بعد حصولك على الاستقلال ستبقى تملكه، وهو ما تتمسك به الجزائر في مواجهة المغرب. المغرب في نظر المسافة الزمنية الممتدة بين جزائر "الهواري بومدين" وجزائر "بوتفليقة" ليس من حقه استرجاع أراضيه التي قطعها الاستعمار، والجزائر تستعمل هذا "المبدأ" – البدعة، المبدأ التدليسي والبرغماتي الذي لاعلاقة له بالقانون الدولي ،لكي تحرم المغرب من أراضيه في الأقاليم الجنوبية، وتتصدى لكل إمكانية مستقبلية للمطالبة بجزئه الترابي في الصحراء الشرقية، فالأمين العام الاممي، بإمكانه ان يفتح أبواب إدارته في الأممالمتحدة لاستقبال مغاربة الحدود الشرقية الذين يملكون حججا اثباتية في شكل رسوم عقارية لأراضي موثقة بشكل قانوني لدى موثقين محلفين فرنسيين في مرحلة الحماية، تثبت ملكيتهم لأراضي محتلة اليوم من طرف الجزائر، وهم ينتظرون من السلطات المغربية ان تفتح لهم باب التقاضي امام المحاكم الدولية حول حقوقهم الترابية ويحملون فرنسا مسؤولية اقتطاع أراضيهم وضمها لدولة الجزائر، لهذا السبب تتمسك الجزائر بالحدود الموروثة عن الاستعمار . وبذلك، فان ما لا ينتبه إليه الأمين العام الأممي ومبعوثه الخاص والسلطات الجزائرية هو أن المغرب لازال يملك أوراقا قانونية وإستراتيجية لم توظف الى حد الآن، ولا يمكن لمبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار ان يصمد أمامها، وهي أوراق الصحراء الشرقية وسبتة ومليلية، التي قد تعيد تغيير كل خارطة المنطقة المغاربية وحدود ما تعتبره اسبانيا جنوبا لأوروبا وما تعتبره الجزائر أراضيها شرق المغرب. ويبدو أن الأمين العام الأممي ومبعوثه اللذين يساهمان في فتح ملف الصحراء في اتجاه المجهول، بتحويله من المفاوضات حول الحكم الذاتي إلى محاولة توسيع اختصاصات المينورسو، لا ينتبهان الى نظرية الإقليم في العلاقات الدولية بدلالاتها الجغرافية والنفسية والجيو-سياسية ، فالأمين العام الاممي ومبعوثه الخاص لا يدركان أن شرعية الدولة المغربية مرتبطة بالصحراء ، وهي الشرعية التي تحاول الجزائر زعزعتها منذ الستينيات، فالجزائر تسعى الى عزل المغرب في أقصى شمال المحيط الأطلسي بنفس الطريقة التي عزلت بها اسبانياالبرتغالإقليميا،وجعلتها دولة ضعيفة في أوروبا لاوجود لها إلا من خلال فرق "سبورتينغ لشبونة" و"نادي بنيفيكا" و"بورتو" لكرة القدم. لكن السؤال الذي يطرح على الأمين العام الأممي اليوم، وهو يتحرك لإطفاء النزاع المشتعل في الدولة الوليدة جنوب السودان، ويشاهد مايجري في اوكرانيا والجمهوريات وريثة الاتحاد السوفياتي، ويتابع مايجري في دولة مالي وشمال دولة نيجيريا التي باتت تطلب المساعدات الدولية لمحاربة جماعة صغيرة تسمى بوكو حرام، هل يمكنه امام هذه الصور ان يساير الملحق الجزائري "محمد عبد العزيز" وزوجته الضابط في الجيش الجزائري في نزوعاتهما وهما يطلبان تأسيس دولة لا توجد الا في نشرة الأخبار التي ثبتها القناة التلفزية الجزائرية كل ليلة ؟ هل يمكن للامين العام الاممي أن يقبل أامم متحدة تضم آلاف الدويلات ويشرعن أي حركة مهما كان شكلها ويسايرها في مطلب دولة ؟ وهل فعلا يمكن قيام دول لا يتجاوز عدد سكانها 120 ألف شخص داخل مساحة شاسعة ؟ فالتجارب تبين أن الأممالمتحدة ارتكبت أخطاء في السماح بقيام دويلات صغيرة من المتوقع ان تصبح في السنوات المقبلة تهديدا للأمن والسلم الدوليين وأولها دولة جنوب السودان ،فمبدأ تقرير المصير اذا لم يستعمل بطريقة صحيحة في اتجاه الاندماج، فانه قد يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر. لكن المغرب، وان كانت حقوقه قوية، فانه يعاني من فراغ كبير في إنتاج الحجج القانونية والمرافعة عليها، والجيل القديم من القانونيين يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا المجال، وذلك لما ترك الباب مفتوحا أمام الجزائر التي ظلت تروج لمبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار وشعار تصفية الاستعمار، فلم يستطع توظيف التاريخ بطريقة مستقبلية ولم يستطع أن يوظف رأي محكمة العدل الدولية الذي يقول بان الصحراء لم تكن أرضا "خلاء" ويقر بوجود علاقة بين القبائل الصحراوية والسلطان المغربي. كما أن السلطات المغربية لم تستطع لحد الآن أن تدافع على أن إقليم الصحراء تمت تنميته بخلق اندماج مول فيه الشمال الجنوب المغربي طيلة السنوات الماضية، السلطات المغربية لا تعلن على رقم الاستثمارات المالية التي صرفتها في بناء الأقاليم الصحراوية بعد استرجاعها، لأن قضية الثروات الطبيعية التي يشير اليها "باي كيمون " لن تصمد اذا اخرج المغرب حجم الاستثمارات وحجم مساهمة المغاربة عبر القرض الصحراوي منذ سنة 1976، ولا أظن أن هناك إقليم في العالم وقعت تنميته بالطريقة التي احدث فيها المغرب تغييرا في المناطق الصحراوية. السلطات المغربية لم تستطع لحد ألان أن تظهر للمجتمع الدولي أن البوليساريو يمثل مصلحة إستراتيجية للجزائر، مصلحة إستراتيجية داخلية تتمسك بها الجزائر لانها فشلت في كل شيء، فالجزائر لم تستطع بناء الدولة الأمة رغم اتساع الإقليم، وبدأت تغرق في الطائفية وترتفع داخلها مطالب الانفصال في منطقة القبايل والجنوب، وترتفع داخلها أصوات جيل جديد يعتقد ان الجيل القديم "سرق الاستقلال". المغرب لم يستطع أن يوضح للمجتمع الدولي ولفئات واسعة من الجزائريين أن سلطتهم العسكرية دخلت في الصراع مع تاريخها للستينات والسبعينات وأنها تتمسك بالبوليساريو وتوهمه بعدو مزعوم مفترض اسمه المغرب، ولم تستطع أن تروج لواقع استراتيجي موجود اليوم في المنطقة المغاربية مفاده أن سلطة "بوتفليقة" و الجيش تعيش حصارا يحيط بها من جميع الجهات، لأن مشاريع الحكم الذاتي حل يتم بناؤه وإعداده انطلاقا من الجنوب المغربي إلى شمال مالي وصولا إلى ليبيا ومرورا بجنوب الجزائر، داخل مجال حيوي يأخذ فيه المغرب المبادرة تدريجيا. الجزائر لم تنجح لحد اليوم في تغيير موقف فرنسا ومقايضة الولايات المتحدة بموقف من قضية الصحراء، ولازالت أمريكا تنظر بعين الريبة والشك إلى جنرالات الجزائر وجرائم العشرية السوداء وصناعتهم لجماعات إرهابية هائمة في جنوب وشرق الجزائر وشمال مالي. لا يمكن لقيادة البوليساريو التفاوض حول الحكم الذاتي لأنها تسعى الى إلحاق إقليم الصحراء بالجزائر كما أن السلطات المغربية وان ارتكبت خطا في التفاوض مع البوليساريو لدرجة أن هذا الأخير فرض نفسه كممثل مزعوم للصحراويين الذين يحتجون، حسب تقرير الأمين العام الاممي، على عدم إشراكهم في المفاوضات ، فإنها لم تنتبه إلى الأسباب التي تجعل قيادة البوليساريو تعرقل المفاوضات وترفض الحكم الذاتي، فالمعلومات المتداولة اليوم بين جزء كبير من الصحراويين الذين خرجوا من المخيمات وينتظرون في موريتانيا لحظة دخولهم الى المغرب، أو الصحراويين الذين خرجوا من المخيمات وعادوا إليها مكرهين، يتداولون معلومات خطيرة، تشير إلى أن قيادة البوليساريو الممثلة في "محمد عبد العزيز" وزوجته وبعض القيادات ابرموا اتفاقا مع جنرالات الجزائر على إلحاق إقليم الصحراء بالجزائر، وهو الأمر الذي لا ينتبه له العديد من الصحراويين بما فيهم "اميناتو حيدر " وجمهورها. لهذا، فان صرف الجزائر لمبلغ 300 مليون دولار في العشر سنوات الماضية واستعدادها لممارسة مزيد من "دبلوماسية الرشوة" في الملتقيات الدولية لا يعبر عن حب في سواد عيون الصحراويين وإنما هو تعبير عن اتفاق مع قيادة البوليساريو لإلحاق الإقليم بباقي محافظات الجزائر ،فقيادة البوليساريو مهيئة نفسيا لهذا الالتحاق، وتشارك في مسلسل الانتخابات، وتدفع جزءا من سكان المخيمات لذلك مثل ما وقع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ،حيث ساهمت في اختيار الرئيس "بوتفليقة "الى جانب جزائريي الشمال والغرب والشرق والجنوب، ولا اعتقد ان الأمين العام الاممي يمكنه تقديم حجة على وجود سكان ينعتون باللاجئين تساهم قيادتهم في اختيار رئيس الدولة التي يقيمون فوق ترابها. لهذه الأسباب، كان يجب على الأمين العام الاممي ومبعوثه الخاص الانتباه إلى أن الجزائر لا توزع الصدقات على البوليساريو، لان العلاقات الدولية مبنية على المصلحة وليس الخير والإحسان، فالمشروع الذي وضعه "الهواري بومدين" ومعمر القذافي في بداية السبعينات طوره "بوتفليقة" وجنرالاته وانتقلوا من مطلب تقسيم الصحراء الذي عرضوه على المبعوث الأمريكي السابق "جيمس بيكير" إلى ابرام اتفاق مع قيادة البوليساريو على إلحاق الإقليم بالجزائر، و ينبغي أيضا على الأمين العام الانتباه إلى ان الجزائر عملت خلال المدة الزمنية الفاصلة بين طرحها لقضية التقسيم في فترة المبعوث "جيمس بيكر" وبين سنة 2013 على مضاعفة مشترياتها من السلاح ب 277 مرة ، ومارست استفزازات وصلت إلى درجة العدوان بإطلاق الرصاص على مركز مراقبة فوق الأراضي المغربية. لذلك، فبقدرما يظهر سيناريو داخلي في الأفق القريب يتمثل في وجوب انتقال المغرب إلى تنفيذ مقترح الحكم الذاتي بطريقة منفردة، بناء على ما جاء في تقرير الامين العام الاممي الذي يشير الى ان هناك افتقاد للثقة يحس به سكان الأقاليم الجنوبية (المؤيدون والمعارضون ) بخصوص تنفيذ اقتراح الحكم الذاتي ، فان سيناريو ثاني خارجي محتمل، وهو ان يعمد جنرالات الجزائر الى الحلول محل البوليساريو المنهك وقيادة حرب ضد المغرب، وهو سيناريو محتمل لان النظام الجزائري الحالي اذا لم يعرف الانهيار في بداية سنة 2015، فان اخر ورقة تبقى أمامه لحكم الجزائريين هي إشعال حرب ضد المغرب بسبب الصحراء ،فالحرب سيناريو يجب ان يكون حاضرا في التفكير الاستراتيجي خلال السنة المقبلة. *رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات [email protected]