بعد ما يزيد عن الشهر من القصف والقتل والتدمير والعدوان الخسيس.. أطلَّ رئيس أركان العدوان الصهيوني مِن عَلى شاشة التلفاز معلناً وهو خجول إيقاف سكب الرصاص الحي على غزة!!. فما الذي جرى حتى تم تعليق العمليات الإرهابية المجنونة فجأة؟؟ وما الذي استدعى ايقاف حرق مزيد من الأطفال والنساء؟ الجواب على هذين السؤالين في غاية البساطة: لقد آمن آل غزة منذ ستة عقود مضت أن الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ليس قَدَرَاً.. وأن العدوان الفسفوري على غزة ليس قدراً بالتبعية، مما أكسبَ الفلسطينيين قناعة ومناعة في مستوىً عالٍ من النضج والوعي، جعل أبطال غزة يدافعون عن الأرض بضراوة، ويَذِبُّونَ عن العرض ببسالة، وينافحون عن مقدسات الأمة بشراسة، بسلاح بدائي نعم، لكن بإرادةٍ وعزيمةٍ وصبرٍ وثباتٍ حتى كان نصراً عزيزاً مؤزراً. صمود أهل الفرقان أمام العدوان الصهيوفوسفوري على غزة العام الماضي، قَلَبَ مبادئ الجيوستراتيجيا، وأعاد تركيب أسسها من جديد، فلا طائرات الأباتشي، ولا دبابات الميركافا، ولا أحدث الأسلحة - الأمريكية الصنع - ولا الخطط العسكرية، استطاعت كلها مجتمعة كسر شوكة الصمود والنضال. لقد اتضح منذ بداية العدوان أن الرهان العسكري الصهيوني كان خاسراً، وهو ما تعزز بياناً ووضوحاً مع مرور أيام العداون الرتيبة، فالهدف الذي راهن عليه الكيان الصهيوني ومن يدور في فلكه، القاضي بقتل أكبر عدد من الرضع والأطفال والنساء والشيوخ، لم يحسم المعركة الغير المتكافئة، بل أبان للعالم وعبر الصور التي تنقل على الهواء مباشرة أنهم قتلة الأطفال عن جدارة واستحقاق، وهو لقب لن ينازعهم أحد في شرعيته، فهنيئاً للكيان الصهيوني بهذا الإنجاز العسكري الدموي الكبير، وهنيئاً لشهدائنا بمقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ، تزفهم الملائكة فرحين بما آتاهم الله من فضله، ولعلهم الآن بين من سبقوهم في مدرسة الشهادة (المهندس يحيى عيّاش، الرسام ناجي العلي، الرضيعة ايمان حجو، الطفل البطل فارس عودة، عائلة هدى غالية، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، الشيخ المعقد أحمد ياسين...) الصهاينة الجبناء توفقوا في قتل الأطفال، لكن لا ولن يقدروا على استئصال فطرة المقاومة والذوذ عن مقدسات الأمة، واحترام التوابث من قلب وفكر ووجدان أي فلسطيني أصيل، حر، أبي، مقاوم، ممانع.. عدوان/ نصر غزة حمل بين طياته عِبر ودروس عديدة، لعلنا نوجزها في ثلاث: * الدرس الأول: أن نصر غزة، كان نصراً لإرادة الحق على إرادة الباطل، فلا قوة تقف أمام قوة الايمان بعدالة القضية، ونبل رسالة المقاومة، وأن نصر غزة فاتحة خير أمام نصر أكبر وأكمل. * الدرس الثاني: أن المراهنة على قتل الأطفال، هو رهان خاسر وغير مجدٍ مع شعب تمرس على المقاومة، وتشرب النضال، ووهب نفسه وماله وعرضه للمقاومة حتى النصر، فعوائل غزة والضفة وكل شبر حر من أرض فلسطين، على استعداد كامل لانجاب الأبطال الشجعان، أبناء وحفدة القسام، وأبوعلي مصطفى، وأحمد ياسين وباقي أعلام المقاومة. فالرهان على قلب المعادلة الديمغرافية قد تبث تهافته، فالشعب الذي قدم قوافل الشهداء منذ بدء الاحتلال إلى اليوم، هو قادر على تقديم المزيد فداءًَ للوطن وللأرض. * الدرس الثالث: نصر غزة بيان لمن مازال في حاجة إلى حجة أو دليل على أن شعب فلسطين هو شعب الجبارين، وبالتالي فإن الصهاينة بعدوانهم على غزة، قد ضلوا الطريق، مثلما ضلوا الطريق يوم جاؤوا من كل دول العالم واستوطنوا أرض فلسطين. طيلة أيام العدوان لم تكن ترد فقط صور قتل وقصف وتدمير وحرق وإبادة شعب بأكمله عياناً بياناً.. بل كانت تَرِدُ كذلك مشاهد الصمود والبطولة.. ونحن نستحضر ذكرى النصر في ذكرى العدوان، لن تنسينا فرحة النصر، الذكرى الطيبة لروح الشهداء الطاهرة الزكية، كما لن تنسينا بهجة النصر، الأسرى الأحرار في سجون العار والاستكبار، كما لن تنسينا ظلم وعنف وقساوة الحصار الممتد والمتواصل، وقد صار مزدوجاً بفضيحة الجدار الفولاذي ضداًَ في الفطرة والحرية والإنسانية، كما لن ينسينا أن الأقصى المبارك يتهدده خطر التهويد والحفر، فقد يمسي مضيئاً منيراً، وقد يصبح ركاماً. *طالب باحث في العلوم السياسية، كلية الحقوق. وجدة