هدوء حذر وغير معتاد خيم صباح الأمس على سفارة السويد في العاصمة الرباط، مغاربة ينتظرون دورهم أمام باب فيلا السفارة الكائنة في واحد من أحياء الرباط الراقية، لا يشغلهم سوى الحصول على التأشيرة، ولا أحد علم أو اهتم بما تداولته وسائل الإعلام بجميع لغات العالم حول الرحيل المرتقب للوزيرة المستشارة آنا بلوك ميزويير، وحدهم موظفو السفارة ظهر عليهم الارتباك والذهول حول الخطأ الدبلوماسي الذي ارتكبته المستشارة السويدية والذي أغضب المغرب وجعله لا يطالب بأقل من ترحيل الدبلوماسية خارج الأراضي المغربية. فما الذي حدث؟ "" آنا...أخطأت عن "جهل متعمد"! في نهاية عقدها الرابع، ذات شعر قصير، وجسد رشيق مع قامة متوسطة الطول، تجيد الحديث باللغة الفرنسية وهي لغتها في التخاطب مع موظفي السفارة وأحيانا مع طالبي التأشيرة، أمضت سنوات في العمل بسفارة السويدبالرباط، في حين يعتبر رئيسها وسفير بلادها السيد ميشال أوديفال حديث العهد بالمغرب حيث تم تعيينه في شهر يوليوز الماضي والذي توافق مع رئاسة مملكة السويد للاتحاد الأوروبي، وهو بدوره لا يجيد الحديث باللغة العربية أو اللهجة الدارجة ويتخذ من اللغة الفرنسية وسيلة للتخاطب. "آنا أخطأت...." يقول مصدر مطلع بالسفارة السويدية في حديث خاص ل"هسبريس" مضيفا "والخطير في خطئها أنه نابع من جهل متعمد"، يوضح مصدر هسبريس مفضلا عدم نشر اسمه قائلا "لا يمكن القول إن آنا ارتكبت خطأ دبلوماسيا كانت على جهل به، لأنها تعرف مسبقا أنه من بين أصول العمل الدبلوماسي الحفاظ على سرية الوثائق التي تقدمها وزارة خارجية البلد المستضيف، وأن الطرف الوحيد الذي يسمح بتمرير هذه الوثائق له هي وزارة خارجية البلد الضيف، في نفس الوقت لا يمكن القول إن آنا قامت بتمرير هذه الوثيقة إلى أشخاص يعتبرون المغرب عدوهم الأول، وهو في حالة حرب مع وقف التنفيذ معهم، لذلك نقول إن آنا اقترفت خطأ عن جهل متعمد". التحقيق مع المستشارة بقي طي الكتمان، وقرار ترحيلها بناء على طلب المغرب تم الاستجابة إليه فورا بعدما استدعى وزير خارجية المغرب سفير السويد، ومع ذلك تناثرت بضع أخبار حول ما ارتكبته آنا واعتبره المغرب خطأ دبلوماسي جسيما، حيث يقول مصدر "هسبريس" "الأرجح أنها مررت الوثيقة لفرع سفارة السويدبالجزائر عن غير قصد، وبالتالي قام موظفون جزائريون بالسفارة بالحصول عليها وتمريرها لوزارة الخارجية الجزائرية ومن ثم تشارك محتواها مع جبهة البوليساريو التي تطالب بالانفصال عن المغرب وتعتبر الجزائر الداعم الأساسي لهذه الجبهة التي أنشأت ما تسميه بالجمهورية الصحراوية الديمقراطية". المغرب...توقف عن التسامح! رد فعل المغرب رغم خطورة ما قامت به المستشارة آنا حافظ على طابعه الدبلوماسي ولم يصل إلى مرحلة التوتر كما حدث مع سفارة النرويج التي اتهمت بالوقوف وراء تهريب أبناء عداء مغربي خارج المغرب، كما لم تصل إلى مرحلة القطيعة وإقفال السفارة كما حدث مع فنزويلا وإيران. "الأكيد أن المغرب توقف عن التسامح وبدأ يتحرك نحو تمسك أكبر بمصالحه"، يقول مصدر مطلع في وزارة الخارجية وشؤون التعاون المغربية في حديث خاص ل"هسبريس" مضيفا "ما قامت به المستشارة السويدية خطير جدا، فكيف يمكن الاستمرار في الوثوق بشخصية دبلوماسية يفترض أن تكون على دراية بكل تفاصيل البلاد الذي تقيم فيه وأن المغرب لا يتسامح مع كل من يمس سيادته ووحدته الترابية، فما بالك بتمرير وثائق دبلوماسية عن قصد أو إهمال إلى من يعتبروننا أعداء لهم!". التوقف عن التسامح، رد فعل بدأ المغرب يعلن عنه جهرا، يقول مصدر "هسبريس" موضحا "المغرب قام بسلسلة مكثفة من التحركات الدبلوماسية لثني الجزائر عن تصعيد التوتر مع المغرب وتجاهلها دعواته للتفاوض والتفاهم ووقف دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية وتزكية مقترح المغرب بشأن إعطاء حكم ذاتي للصحراويين الانفصاليين بدلا من الإذعان لمطالب الاستقلال وخلق دويلة مقتطعة من أراضينا وجارة عدوة، لذلك عمد في الفترة الأخيرة إلى سن تحركات مغايرة تظهر الوجه الآخر للمغرب الذي لا يتسامح في حقوقه، حيث رفع من عدد الجنود المرابطين على الحدود الصحراوية تحسبا لأي خرق لسيادة المغرب، وصعّد من حدة لهجته مع الجزائر، وألقى القبض على مجموعة من الانفصاليين بعد أن كان يكتفي بمراقبتهم، وهو ما سمح بالوصول إلى هذه الوثيقة التي تسببت في ترحيل المستشارة السويدية من أراضي المغرب". يذكر أن قضية المستشارة آنا تأتي بالتزامن مع حدثين يمسان الصحراء المغربية، الأول اختيار اللجنة الدولية للقضاة الانفصالي إبراهيم دحان وهو أحد المعتقلين حديثا بتهمة التخابر مع العدو، باعتباره ناشطا حقوقيا يدافع بطرق سلمية عن حقوق الإنسان في الصحراء الغربية المتنازع عليها في المغرب، وسيقام حفل التسليم في السادس عشر من الشهر الجاري، وسيتولى وزير الثقافة السويدي تقديم الجائزة لأحد ممثلي الانفصالي إبراهيم دحان، في حين يتعلق الحدث الثاني بتصريح لزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي واحد من أقوى الأحزاب في السويد بأنه سيعمل على الاعتراف بجبهة البوليساريو الانفصالية جمهورية صحراوية مستقلة غداة فوزه بالانتخابات التي ستنظم بالسويد قريبا.