في خطاب مشحون بالعداء للمغرب، استغل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الخطاب الذي وجهه أمس إلى الجزائريين أمام البرلمان لتجديد استهداف بلاده للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية ودعمها لجبهة "البوليساريو" الانفصالية، مؤكدا أن الجزائر لن تغير موقفها بشأن هذه القضية التي اعتبرها "قضية حق شعب في تقرير مصيره". وانتقص تبون من مبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها الرباط لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء واصفا إياها ب"الفكرة الفرنسية" وب"خرافة جحا"، على حد تعبيره؛ وهو ما يؤكد مرة أخرى، وفق مهتمين، على مركزية هذا الملف في السياسة الخارجية الجزائرية وتصدرها أجندة النظام الحاكم في هذا البلد. وفي كلمات تعكس عمق الأزمة في العلاقات بين الجزائر وباريس التي زادت حدة بعد وقوف هذه الأخيرة إلى جانب الرباط في قضية وحدتها الترابية، وجه تبون انتقادات لاذعة إلى فرنسا، إذ استحضر في ما يبدو أنه محاولة لتعزيز الخطاب القومي الداخلي قضايا مرتبطة بالذاكرة الاستعمارية؛ مثل المطالبة باستعادة جماجم المقاومين الجزائريين، والاعتذار عن الجرائم الاستعمارية في الجزائر، وقضية النفايات النووية. في هذا الإطار، قال جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، إن "استحضار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لقضية الصحراء المغربية في خطابه الموجه إلى الأمة أمام البرلمان يدل على مركزية هذه القضية في السياسة الخارجية الجزائرية والعداء التاريخي للوحدة الوطنية المغربية، حيث لا يتوانى هذا النظام عن إقحام قضية الصحراء في كل المناسبات". وأضاف الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي: "في الوقت الذي يُفترض فيه أن يتطرق الرئيس الجزائري إلى قضايا ومواضيع لها علاقة مباشرة بانتظارات الجزائريين الذين عبّروا عن عدم رضاهم عن الأوضاع المتدهورة التي وصلت إليها البلاد على المستويين الاجتماعي والاقتصادي وغياب الحريات عبر منصات التواصل الاجتماعي، يحاول الرئيس الجزائري تعبئة الرأي العام مرة أخرى ضد المغرب بتبخيس فكرة الحكم الذاتي، متناسيا أن هذه الفكرة هي نفسها التي أشادت بها الكثير من دول العالم، بما في ذلك مجلس الأمن، واعتبروها فكرة واقعية وذات مصداقية؛ بل إن الكثيرين اعتبروها الحل الوحيد لمشكل الصحراء". وأكد القسمي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الربط بين فكرة الحكم الذاتي وبين الاستعمار الفرنسي يهدف إلى إثارة المشاعر الوطنية والقومية لدى الجزائريين، وإظهار أن الجزائر تقف ضد الإرث الاستعماري، وتبرير موقف الجزائر الداعم لجبهة "البوليساريو" في سردية أضحت مفضوحة ومبتذلة، تنهل من ماضٍ لم تعد فروضه قائمة، وتظهر أن النظام الجزائري لم يستطع التأقلم مع التحولات الدولية الجديدة والمتسارعة". من جهة أخرى، شدد الباحث ذاته على أن "هجوم تبون على فرنسا يمكن قراءته من واقع العلاقات الجزائرية الفرنسية المتوترة، خاصة بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء والالتزام الفرنسي بالدفاع عن مغربية الصحراء في المحافل الدولية واعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد للقضية". وفي هذا الصدد، لفت المتحدث إلى أن "الرئيس الجزائري استحضر بعض القضايا الخلافية مع فرنسا؛ من قبيل إحياء الذاكرة الاستعمارية، ومطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها، وقضية الجماجم، بالإضافة إلى النفايات النووية في صحراء الجزائر". تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال محمد عطيف، باحث في الشؤون الدولية، إن "خطاب الرئيس الجزائري لا يرقى أولا إلى مستوى الخطاب السياسي لرؤساء الدول والحكومات، ويسيء عن وعي أو بدونه إلى الدولة الجزائرية وإلى مؤسسة الرئاسة في هذا البلد. وأضاف عطيف، في تصريح لهسبريس، أن "كل خطابات رموز النظام الجزائري لا تنفك تثير قضية الصحراء المغربية التي أصبحت القضية المركزية التي ينبني عليها الخطاب السياسي في الجزائر، متفوقة بذلك على قضايا أكثر إلحاحا بالنسبة للشعب الجزائري". وأوضح المتحدث ذاته أن "إثارة تبون لقضية الصحراء في خطاب يُفترض أن يقدم إجابات عن الأسئلة التنموية في الجزائر ينطوي على محاولة لإظهار الجزائر وكأنها مستهدفة بسبب مواقفها الثابتة إزاء هذه القضية؛ وبالتالي محاولة تبرير الفشل في احتواء الأزمة الداخلية وموجة الاحتقان التي يشهدها الشارع الجزائري، الذي يرفض سيطرة العسكر على مقدرات الشعب وصرفها في صراعات لا تخدم انتظاراته". وتابع الباحث في الشؤون الدولية أن "خطاب الرئيس الجزائري يؤكد مرة أخرى أن الجزائر فاعل رئيسي في تعقيد النزاع حول الصحراء وتعمل على إطالة أمده؛ بل وعرقلة جهود التسوية السياسية، متجاهلة الدعوات المتكررة لحل النزاع في إطار سلمي يراعي تاريخ الصحراء ومستقبل المنطقة"، معتبرا أن "استهداف السيادة المغربية على الصحراء أصبح نهجا ثابتا في السياسة الخارجية الجزائرية التي تقوم على تغذية التوترات وتصعيد المواقف ليس فقط مع المغرب، بل مع مختلف دول الجوار". وخلص الباحث ذاته إلى أن "التمادي الجزائري في استهداف المغرب دبلوماسيا وإعلاميا لا يعكس فقط تعنت النظام في الجزائر وتحديه للإرادة الدولية التي تدفع في اتجاه تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء؛ بل يُظهر أيضا رغبة جزائرية واضحة في تقويض استقرار المملكة المغربية وإجهاض طموحاتها التنموية بأي ثمن كان، ولو كان ذلك على حساب مصالح الشعب الجزائري نفسه".