تندرج إثارة هذه الأطروحة الترافعية لإشكالية الجنسية المغربية لأطر وسفن الصيد البحري في سياق الإسهام القانوني الحر في النقاش الجاري حول مشروع مرسوم جديد يتعلق بتعيين عدد البحارة من الجنسية المغربية الواجب استخدامهم على متن السفن المجهزة التي تحمل العلم المغربي . ويصنف هذا المرسوم الإستثنائي المثير في مذكرته التقديمية ومرجعيته القانونية ضمن لائحة مشاريع النصوص المعروضة على التعليق العمومي والمدرجة ضمن الملفات الشائكة المطروحة حاليا فوق أو تحت طاولة رئيس الحكومة بعد مروره بسلاسة الأعمال التحضرية السابقة ومنها الرأي الاستشاري للغرف المهنية التي تمثل المصالح الاقتصادية والاجتماعية لفئة المشغلين في غياب معطيات مثبتة بحيثيات المشروع لاعتماد مقاربة تشاركية تراعي الرأي الاستشاري كذلك للنقابات العمالية والتنظيمات التي تمثل المصالح الإجتماعية والتوظيفية لأطر وبحارة سفن الصيد البحري ومتدربي ومتخرجي معاهد التعليم المهني لقطاع الصيد البحري . وبالنظر لصعوبة تحييد مقتضى الضرورة المنافية لقاعدة الجنسية المغربية لأطر وسفن الصيد البحري وربطه تقنيا وفقط بمقتضى التعليل بمفهوم الملائمة القانونية بين قرار أبريل 1934 يتعلق بتعيين عدد البحارة من الجنسية المغربية بسفن الصيد البحري التي تحمل العلم المغربي كما تم تغييره وتتميمه ومرسوم فبراير 1961 يتعلق بتحديد شروط ممارسة مهام أطر سفن الصيد البحري في غياب الملائمة الأصلية للنص القانوني المرجعي المتعلق بمدونة التجارة البحرية التي تحمل في فحواها في بعض أحكاامها سياقا استعماريا متقادم . إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننفي إثارة موقف التحفظ المنهجي بخصوص مشروع تمرير ضرورة أعالي البحار ، لاسيما إذا ربطناه في سياق الضغط والإستجابة لمدخلات متعلقة بمطالب لحماية مصالح اقتصادية ومهنية لربابنة وشركات قطاع الصيد في أعالي البحار في حدود الإستجابة التنظيمية والقطاعية الممكنة ودون حاجة إلى الغوص في التداعيات النضالية المقاومة لتمرير ريع الإستخدام لأطر أجنبية على متن سقن الصيد البحري بأعالي البحار في مقابل عطالة اليد العاملة البحرية الوطنية ودون حاجة إلى مسائلة المنظومة التعليمية والمهنية بقطاع الصيد البحري وقدرتها على تخريج القيادات البحرية المؤهلة والمحمية في شغلها وحقها الدستوري. ويخضع الإطار التشريعي القانوني للجنسية المغربية لأطر وسفن الصيد البحري لمرجعية نصية قديمة تتعلق بمدونة التجارة البحرية لسنة،1919 كما تم تغييرها وتتميمها وتتحدد مقتضيات وشروط منح الجنسية المغربية لسفن الصيد البحري بموجب فحوى الفصل الثالث من هذه الوثيقة القانونية السارية في الشروط الأربعة التالية: 1- تسجيل سفينة الصيد البحري بأحد الموانئ المغربية، 2- تفريغ حاصل منتجاتها البحرية بأحد موانئ الصيد المغربية، 3- ملكيتها من طرف ثلاثة أرباع مغاربة ذاتيين أو من طرف رئيس مجلس إدارة أو مدير شركة أو غالبية أعضاء محلس إدارتها أو مجلس رقابتها عندما يتعلق الأمر بسفن شركات الصيد ، 4- أن يكون البحارة العاملين على متنها مغاربة بنسب تعين بقرار وزيري. كما يمكن في إطار الإستثناء التشريعي لسفن الصيد الأجنبية التي يستقر أربابها بالمغرب لمدة تزيد على سنة واحدة أو التي تكون تابعة لشركة أجنبية يوجد مقرها بالمغرب أن تمارس نشاط الصيد وهي تحمل العالم المغربي. كما يندرج ضمن الإستثناء التشريعي منح الجنسية المغربية لسفن الصيد في أعالي البحار الأجنبية التي تتوفر على بعض الشروط منها أن يكون ميناء قيدها بميناء طنجة و أن تفرغ حمولتها بهذا الميناء مرتين في السنة على الأقل . ومن جهة تشريعية أخرى فإن وثيقة الجنسية بموجب مدونة التجارة البحرية تثبت حق سفن الصيد البحري التي تحمل العلم المغربي وتضمن لها المزايا والحماية التي تتمتع بها الملاحة المغربية تبعا للفصل 11، مع ملاحظة إثارة أهمية تسجيل التقنين التشريعي المتعلق بشكلية كتابة وتحرير هذه الوثيقة السيادية باسم جلالة الملك وتوقيعها من لدن السلطة المختصة تبعا للفصل 11 المكرر وقد حصن المشرع قيمة ملكية سفينة الصيد البحري ووثائق جنسيتها من خلال مقتضى التصريح الإجباري بجنسية صاحبها لدى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي تحرر محضر بدلك يتم إيداع نسخة منه ضمن أصول وثائقها بموجب الأحكام المنظمة لوثيقة جنسية سفن الصيد البحري التي نصت كذلك على حالة إرجاع الحق في رفع العلم المغربي على سفينة كانت مغربية سابقا وبيعت في دولة أخرى من خلال تتبع نفس الإجراءات الشكلية للحصول على وثيقة الجنسية المغربية . ومما يجسد الدلالة السيادية لجنسية سفينة الصيد اقترانها بحمل العلم المغربي واشتراطها كعنصر منتج وضروري لتسليم دفتر أسماء البحارة العاملين على متنها والقيام بالأنشطة الإعتيادية لمارسة الصيد البحري. كما تضمنت مدونة التجارة البحرية في بابها الخامس بعض الأحكام المتعلقة بإجبارية وشروط رفع العلم المغربي على متن سفن الصيد وخصائص هذا العلم الأحمر بخاتم سليمان الأخضر الطبيعي الذي لا يمكن إن يزاحمه أي علم شخصي أو تجاري على متن سفن الصيد البحري إلا بموجب استثناء مرخص طبقا للمدونة التي تمنع بشكل صريح أي مزاحمة له بأي علم شخصي أو تجاري على متن سفن الصيد البحري إلا بموجب استثناء مرخص طبقا للمدونة. وقد تضمنت المدونة المقتضى التشريعي المتعلق بوضع سند تحديد الشروط التي يتعين توفرها في أطر سفن الصيد البحري لممارسة مهام الربابنة والضباط القيادة بموجب مرسوم باقترح من الوزير المختص بموجب الفصل 54 كما أن شروط تسليم الشهادات لممارسة هذه المهام تحدد بقرار وزيري مع إثارتنا في هذا الصدد إلى أن التقيد التنظيمي بوضع الشروط المطلوبة لتشغيل أطر سفن الصيد البحري في إطار المقتضى التشريعي المذكور لا بد أن تراعي بعين الإعتبار وضع معايير وشروط مهنية تأخذ بعين الإعتبار المعايير والشروط الجاري بها العمل عالميا بموجب التوصية رقم 199 بشأن العمل في قطاع صيد الأسماك المصادق عليها في مؤتمر العمل الدولي سنة 2007 مما يعزز السند المرجعي لمغربة أطر الصيد البحري. ولئن كانت هذه المرجعية التشريعية المتعلقة بخصوصية هذه الفئة العاملة على متن سفن الصيد البحري بطبيعة الوضعية المهنية والظروف والشروط الفنية المتعلقة بنشاطها وأثرها الحاسم في تحديد مردودية السفينة وحجم وقيمة المنتجات البحرية المصطادة ومصير ربحية واستثمار مالكي ومجهزيها فإننا نثير إقرارها بأحكام تخص الرمزية السيادية لجنسيتها المغربية ، لاسيما إذا علمنا أن هذه الفئة هي صاحبة الإختصاص في كل ما يتعلق بمهام السلطة والإدارة في البحر ، من خلال مزاولة مهام تجسد فعليا ورمزيا مهام ضبطية وإدارية وأمنية في نطاق التدبير الحر بموجب أحكام مدونة التجارة البحرية ومقتضيات التشريع العرفي الجاري به العمل في المجال البحري إذ بموجب الفصول القانونية التي تهم ربابنة سفن الصيد وغيرها تحتفظ هذه الفئة بدفتر يومي مرقم وموقع عليه من طرف السطة المختصة لتسجيل كل ما يتعلق بنشاط الصيد وأحول عالم البحري فهي تمارس مهام محاسباتية مالية من خلال تسجيل الماخيل والمصاريف وكميات وأنواع منتجات الصيد وحوادث وأحوال الطقس ومخالفات البحارة والعقوبات التأديبية وحالات تتعلق بالحياة المدنية كما تعتبر مسؤولة عن استصحاب وثائق السفينة المثبتة لجنسيتها ونشاطها في إطار السيادة القانونية البحرية برمزية العلم الوطني. لنصل إلى إعادة مسائلة جدوى الملائمة التي قد تبدو شكلية عادية في سياق مشروع المرسوم الجديد المتعلق بتعيين عدد البحارة العاملين على متن سفن الصيد البحري المغربية من خلال تأكيد استنتاج إثارة إشكالية جوهرية تتعلق بالبناء القانوني لهذا المشروع انطلاقا من إثارة بعض الملاحظات الأولية كما يلي: 1- علما أن تعيين نسبة البحارة المغاربة العاملين بسفن الصيد يقترن بمقتضى تشريعي يتعلق بشروط منح الجنسية المغربية وحمل العلم الوطني بموجبها بدلالاته الرمزية والسيادية يتعين التقيد بفحواه من خلال إحالة تعيين هذه النسبة على قرار وزاري لقطاع الصيد البحري خارج نطاق الفهم غير الشرعي لتعميم أي نسبة تتعلق بفئة أطر سفن الصيد البحري، لاسيما إذا علمنا أن شروط مهام هذه الفئة مقيد بنص تنظيمي وتبعا لعلاقة مسؤوليتها السيادية في البحر مع رمزية الجنسية المغربية . 2- وعلما أن الملائمة القانونية تقتضي توازي الشكليات القانونية لإصدار المقتضيات فإننا نثير عدم الملائمة التي يمكن الدفع بها في مشروع المرسوم بالنظر لبنائه على قرار لا ينبغي في أصله أن يتضمن مقتضيات تتعلق بنسبة أطر سفن الصيد الذين إنما يخضعون لمرسوم يتعلق بشروط ممارسة مهامهم. 3- مع ملاحظة شكلية جوهرية تتعلق بخلفية تنظيم الإستثناء الوارد في مشروع المرسوم بما هو نص تنظيمي أقوى في ترتبيته وحصانته القانونية والقضائية، من خلال التنصيص بموجبه على إمكانية تشغيل أطر أجانب في حالة الضرورة بمقتضى لا يقيد شروط هذه الضرورة وإنما يشرعن لحالة قد تشوب حولها شبهات تتعلق بالتدليس في ممارسة المهام المتعلقة بالمهام المحاسبتية وكشف المعطيات والأرقام المتعلقة بحجم وقيمة منتجات الصيد البحري في أعالي البحار 4- ومع ملاحظة أن معالجة إشكالية وجود خصص في أطر سفن الصيد البحري في أعالي البحار لاتنسجم مع واقع حال البطالة المتزايدة لهذه الفئة كما أن معالجة هذه الوضعية يمكن ان تتم في إطار تفعيل مقتضيات تشريعية وتنظيمية تتعلق بإمكانية ممارسة مهام أطر سفن الصيد بناء على شهادات أقل وخبرة ميدانية علما ان مقتضيات العمل البحري تتضمن مع يفيد تفعيل التدريب البحري على متن سفن الصيد البحري في إطار استصحاب التجربة . 5- إن الملائمة الحقيقية للمنظومة القانونية لقطاع الصيد البحري تقتضي الملائمة العاجلة لمدونة التجارة البحرية وقانون الصيد البحري بما هي نصوص مرجعية تثير في لغتها ومقتضياتها حمولة السياق الإستعماري لكثير من مقتضيات وتجاوز منطق التقنين التشريعي والتنظيمي القائم على تتميم وتتميم وتتميم التتميم لفصول لا يراد لها ان لا تتمم لتبقى خارج معادلة الأمن القانوني للنصوص في ظل مقتضيات دستورية جديدة كافية في تفعيلها للقطع مع كل أشكال الريع البحري والبري وتحفيز الإستثمار المنتج للثروة والتشغيل. * باحث في القانون وقطاع الصيد البحري [email protected]