افتُتح أولمبياد باريس 2024 رسمياً، اليوم الجمعة، بعرض غير مسبوق على نهر السين شارك فيه 6800 رياضي من 205 دول أمام معالم تاريخية بالعاصمة الفرنسية، رغم هطول أمطار عكّرت الأجواء وتعرّض شبكة القطارات لعملية تخريب. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجملة البروتوكولية تحت الأمطار أمام برج إيفل: "أعلن افتتاح دورة الألعاب الثالثة والثلاثين للألعاب الحديثة" بعد 100 عام على استضافة باريس الألعاب للمرة الثانية. وللمرّة الأولى في التاريخ أقيم حفل الافتتاح خارج الملعب الرئيس، وقد شاهده 320 ألف متفرّج من مدرّجات بُنيت خصيصاً على ضفاف النهر، ونحو 200 ألف من شرفات المباني المجاورة. وكما تجري التقاليد، ضمّ القارب الأوّل بعثة اليونان، التي تعتبر مهد الألعاب الحديثة واستضافت نسختها الأولى في 1896، قبل أن تتبعه قوارب الوفود الأخرى في مستهل احتفال شاركت فيه نجمة البوب الأميركية الشهيرة ليدي غاغا. ليدي غاغا وناكامورا أدت ليدي غاغا أغنية "مون تروك أون بلوم" (Mon truc en plumes) لزيزي جانمير، وهي أحد الأعمال الشهيرة في المسرح الاستعراضي الفرنسي. كما قدّمت الفرنسية- المالية آية ناكامورا، المغنية الناطقة بالفرنسية الأكثر استماعاً في العالم، عرضاً غنائياً ارتدت خلاله ملابس باللون الذهبي، بعدما أثارت أنباء هذه المشاركة، التي بدأت تتردّد منذ الربيع، استياء في أوساط اليمين المتطرّف الفرنسي. في الساعة السابعة والنصف مساء بالتوقيت المحلي بدأ الحفل بمقطع فيديو للكوميدي جمال دبوز ب"استاد دو فرانس" مرّر خلاله الشعلة لنجم كرة القدم السابق زين الدين زيدان، الذي سلّمها في مترو الأنفاق إلى ثلاثة أطفال يظهرون مجدّداً على نهر السين. بعد ذلك بدأ العرض النهري من جسر أوسترليتز إلى تروكاديرو، بحضور الرئيس ماكرون، الذي كان إلى جانبه رئيس اللجنة الأولمبية الألماني توماس باخ. وعمل مخرج العرض توما جولي منذ 18 شهراً على العرض، مركّزاً على الإرث الفرنسي، ومسوّقاً للتنوّع والمساواة بين الجنسين والتاريخ الفرنسي. وأدّى ألفا فنان (راقص وموسيقي وكوميدي وأكروباتي) على ضفاف النهر ومعالم، بينها كاتدرائية نوتردام، التي أتى حريق ضخم عام 2019 على أجزاء واسعة منها، وكان لورشة ترميمها حضور في إحدى فقرات الحفل. وظهر في الفقرة فنانون يرتدون ملابس عمّال البناء، ويرقصون وهم يتعلقون بسقالات ورشة إعادة بناء الكاتدرائية، التي من المقرر أن تعيد فتح أبوابها في الثامن من ديسمبر المقبل. وأثار العرض عدّة تساؤلات وتقلّبات، منذ نشوء فكرة ترك موقع الملعب "الآمن" لمصلحة زرع المدرّجات على ضفاف النهر. وتراجع العدد الأساسي المقترح تدريجياً ليصبح 320 ألف متفرّج، 220 ألفاً منهم على ضفاف النهر مجاناً، و100 ألف بطاقة مدفوعة بالقرب من النهر. ودخل أصحاب التذاكر المجانية قبل الساعة السابعة و45 دقيقة، حسب ما قال مصدر في الشرطة لوكالة "فرانس برس"، مؤكدا أن "أي حادث" لم يحصل في مطلع الحفل. وقال الفرنسي جان-إيف هيرفيه (75 عاماً)، الذي جاء مع حفيدته، إن "الأجواء ودية حقاً. هناك الكثير من الأجانب. نحن نستمتع بذلك". ووضعت أرميل لانسي (54 عاماً)، مديرة مدرسة وصلت باكراً، معطفاً مشمعاً في حقيبتها وكانت سعيدة بالحضور "الأجواء جميلة جداً هنا، نسمع الناس يتكلّمون بكل اللغات". وحصل ثنائي من مكسيكو على مقعدين في الصف الأوّل على جسر كاروسيل. "نحن محظوظان"، تقول سيلين مارتينيس (42 عاماً) القادمة مع شريكها. وأقيم الحفل في ظلّ إجراءات أمنية مشدّدة بعد ساعات من تعرّض شبكة القطارات السريعة لأعمال "تخريب". اضطراب القطارات قبل ساعات من مراسيم الافتتاح تعرّضت شبكة القطارات السريعة لهجوم ضخم واسع النطاق كان يهدف إلى شلّ شبكتها، وتسبّب باضطرابات شديدة، وطال 800 ألف راكب مع إلغاء 25 بالمائة من رحلات قطارات يورسوتار بين لندنوباريس. وقال مشغّل القطارات، في بيان، إن "الحالة ستكون مماثلة" يومي السبت والأحد. وكتب رئيس الحكومة غابريال أتال على منصة "إكس" أن "أجهزة مخابراتنا وأجهزة إنفاذ القانون تحرّكت للعثور على مرتكبي هذه الأعمال الإجرامية ومعاقبتهم". ورفض المسؤولون الفرنسيون التعليق على هوية الجناة، الذين يبدو أنهم يتمتعون بمعرفة متطوّرة بالشبكة. وسيستخدم منتخب الأحلام الأميركي في كرة السلة قطاراً سريعاً للانتقال من باريس حيث يشارك في حفل الافتتاح ويرفع علم البلاد نجمه ليبرون جيمس، إلى ليل حيث يلعب مع صربيا الأحد. دبلوماسية رياضية تريد فرنسا تعزيز صورتها من خلال هذه الألعاب، عبر استضافة نحو 100 رئيس دولة أو حكومة لمواصلة نشاط دبلوماسي مكثّف، بينما تشتعل الصراعات في أوكرانيا وغزّة، مروراً بالسودان وجمهورية الكونغو الديموقراطية. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغائب الأكبر، علماً أن بلاده موقوفة ولن يتم عزف نشيدها في حال تتويج بعض الرياضيين المشاركين تحت علم محايد وبشروط صارمة، خصوصاً عدم دعم الحرب ضد أوكرانيا. وقد أعربت إسرائيل، أمس الخميس، عن قلقها من "تهديدات إرهابية محتملة" تطال رياضييها وسيّاحها، في رسالة وجّهتها إلى الحكومة الفرنسية. وتوجد قوى الأمن في حالة تعبئة غير مسبوقة، مع نشر 45 ألف عنصر من الشرطة والدرك، أضيف إليهم ألفا عنصر أمن خاص وألف شرطي من بلدية باريس. كذلك ستقوم فرقة قوامها عشرة آلاف عسكري بدعم هذا الانتشار الأمني. ونُشر قناصون على أسطح باريس على طول النهر لتحييد أي مسلّح يستهدف الحشود أو وفداً من الرياضيين على متن قارب أو رئيس دولة أو حكومة زائر. وللمرة الأولى ستعمل الوحدات الخاصة والشرطة والدرك بشكل مشترك.