حددت محكمة العدل الأوروبية يوم 21 من الشهر الجاري موعدا للاستماع إلى استنتاجات المحامي العام للاتحاد الأوروبي بشأن الطعن الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية ضد الحكم القضائي الابتدائي الذي كانت أصدرته المحكمة ذاتها، والقاضي بإلغاء اتفاقية الصيد البحري الموقعة بين الرباطوبروكسل، التي دخل البروتوكول المرتبط بها حيز التنفيذ في ال18 يوليوز من العام 2019 قبل أن ينتهي في يوليوز الماضي دون تجديد. وتدفع المفوضية الأوروبية بعدم واقعية التعليل الذي بنت عليه محكمة لوكسمبورغ حكمها، حيث اشترطت موافقة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمغرب لإبرام أي اتفاقية مع الرباط تشمل كامل التراب الوطني، فيما تدفع بعض المنظمات المعروفة بدعمها للانفصال وعدائها التاريخي للمملكة بعكس ذلك، وهذا بينما يترقب الجميع صدور الحكم النهائي للمحكمة، الذي سيحدد منطوقه معالم ومستقبل الشراكة المغربية الأوروبية. ثابت أساسي وشراكة على المحك لحسن أقرطيط، أستاذ جامعي باحث في العلاقات الدولية، قال إن "الكرة الآن هي في ملعب الاتحاد الأوروبي علاقة بالشراكة والاتفاقيات التي تجمعه بالمغرب، الذي سبق له أن أوضح موقفه وشروطه لكل الدول التي ترغب في تجديد شراكاتها معه، انطلاقا من ثابت أساسي في السياسة الخارجية المغربية، ألا وهو وحدة المملكة وسيادتها الكاملة على أراضيها ورفض المنطق الانتقائي في التعامل مع جغرافيتها". وأضاف أقرطيط، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الاتحاد الأوروبي مُطالب بالإقرار بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية كمدخل وحيد لتجديد الاتفاقيات والشراكات مع الرباط، على اعتبار أن المملكة لم تعد تقبل أن تشمل هذه الشراكات جزءا من ترابها الوطني دون الآخر"، موضحا أن "الأوروبيين واعون بهذا المعطى وبحجم الانتظارات المغربية في هذا الصدد". وبين المتحدث ذاته أن "المؤسسات الأوروبية، وعلى رأسها المجلس والمفوضية، عليها أن تمارس الضغط الكافي لدفع محكمة العدل الأوروبية إلى التراجع عن حكمها السابق القاضي بإلغاء الاتفاقيات التي تشمل المنتجات السمكية والفلاحية الموقعة مع المغرب، بمبرر استغلال ثروات الأقاليم الجنوبية"، معتبرا أن "المغرب انطلاقا من محددات سياسته الخارجية والخطوط التي رسمها لقياس مدى نجاعات شراكاته مع باقي دول العالم سيرفض أي حكم أوروبي يضرب مصالحه وسيمتنع عن تجديد أي اتفاقيات مع بروكسل". ولفت المصرح لهسبريس إلى أن "إسبانيا، باعتبار أسطولها البحري من أكبر المستفيدين من اتفاقية الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تمارس اليوم ضغوطا كبيرة في هذا الاتجاه"، مشيرا إلى أن "العلاقات المغربية الأوروبية تجتاز اليوم فترة اختبار حقيقية، إذ باتت الشراكة مع المغرب على المحك؛ لكن الأرجح أن الأوروبيين سيغلبون المنطق البراغماتي والواقعي في تعاطيهم مع هذا الملف". توجه مغربي وتحصيل حاصل من جانبه، أورد عباس الوردي، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن "الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي إستراتيجية متعددة الأبعاد وتشمل مختلف المجالات"، مشيرا إلى أن "الأوروبيين يسعون إلى تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب على أساس التوجه المغربي، إذ إن هذا الاتفاق كان قد راعى لدى إبرامه الوضع المتقدم الذي يحظى به المغرب لدى الأوروبيين رغم محاولات بعض الأصوات النشاز المحسوبة على الجزائر والبوليساريو الطعن في شرعيته". وأضاف الوردي، في حديثه مع هسبريس، أن "تجديد هذا الاتفاق هو تحصيل حاصل"، لافتا في الوقت ذاته إلى أن "دول الاتحاد الأوروبي إنما تهدر الزمن السياسي في علاقتها مع المغرب، إذ إن هذا الملف يجب أن يُطوى ويُحسم نهائيا، نظرا لمجموعة من الاعتبارات والمتغيرات، أولها تنامي الدعم الأوروبي لمقترح الحكم الذاتي باعتباره حلا واقعيا ونموذجيا للنزاع المفتعل حول الصحراء، أضف إلى ذلك العلاقات التقليدية التي تربط المغرب بهذه الدول، والتي لا يمكن لهذه الأخيرة أن تتجاوزها أو أن تسعى إلى إيجاد شركاء بدل المملكة". في السياق نفسه أوضح المتحدث ذاته أن "المغرب رسم خارطة طريق التعاون وعقد الشراكات مع كل دول العالم، وليس فقط دول هذا التكتل الأوروبي التي لا يمكن أن تشكل استثناء في هذا الصدد، وذلك على أساس الثقة والمصالح المشتركة واحترام سيادة الدول؛ فيما تبقى بروكسل الرابح الأكبر من هذا التوجه المغربي على اعتبار أنه يضمن ديمومة واستمرارية الشراكات حتى لا يتم تكرار ما حدث لإسبانيا مع الجزائر، بعد إقدام هذه الأخيرة على تعليق اتفاقيات التعاون مع الحكومة في مدريد لأسباب معروفة". وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن "انخراط دول هذا التكتل الأوروبي في هذا التوجه سيمكنها أيضا من الاستفادة من الموقع الجيو-سياسي والاقتصادي الذي يحظى به المغرب، باعتباره حلقة وصل بين الشمال والجنوب وبوابة أوروبا في اتجاه القارة الإفريقية"، مشددا على أن "الوضوح السياسي مطلوب في المرحلة المقبلة من أجل التأسيس لجيل جديد من الشراكات الأوروبية المغربية".