قال النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، خلال الجلسة العامة لاختتام أعمال دورة أكتوبر من السنة التشريعية 2023-2024، إن هذه الدورة، "التي تحظى دستوريا بشرف افتتاحها من طرف الملك محمد السادس، قد اتسمت، في ظل التوجيهات النيرة الواردة في الخطاب الملكي السامي، بنفس اجتماعي واضح، حيث حصر الملك الأوراش الاجتماعية ذات الأولوية، مؤكدا أهمية استحضار عمق وأصالة القيم المغربية، لاسيما في الشدائد والمحن". وجدد ميارة اعتزاز مجلس المستشارين بالتوجيهات الملكية التي دعت إلى الاستمرار في الاعتناء بأوضاع ساكنة المناطق المتضررة من زلزال الحوز وإعادة إعمارها، والتي حددت أيضا الإطار العام لمراجعة مدونة الأسرة، من منطلق كون هذه الأخيرة حجر الزاوية والخلية الأساسية للمجتمع، علاوة على زف بشرى الشروع في صرف الدعم الاجتماعي المباشر للأسر والفئات الهشة. وأكد رئيس مجلس المستشارين أن الشأن الاجتماعي يعد الجزء الأهم من الهوية المتجلية للمجلس الذي يحظى دستوريا بالأسبقية في دراسة مشاريع القوانين التي تمس في العمق القضايا الاجتماعية، مبرزا أن الخطاب الملكي ألقى على عاتق المؤسسة البرلمانية ككل مسؤولية كبرى في التحلي بالحرص واليقظة في مرافقة هذا الورش الاجتماعي الضخم بكل ما يستدعيه من تدابير تشريعية ومبادرات رقابية وتقييمية تساعد الحكومة على القيام بدورها في ترسيخ وتوطيد أسس الدولة الاجتماعية. وأضاف المتحدث أن اختتام هذه الدورة يأتي بعد ظرف زمني قصير من الرسالة الملكية الموجهة إلى الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي يوم 17 يناير الماضي، مؤكدا أن مضامين هذه الرسالة جاءت لتبرز أهم محطات وملامح التجربة البرلمانية المغربية والمساهمة الفاعلة للبرلمان في المسار الإصلاحي والتنموي الذي عرفته المملكة منذ الاستقلال إلى اليوم، وسلطت الضوء، من جانب آخر، على التحديات التي لا تزال تواجه البرلمان والتي تستلزم مضاعفة الجهود للارتقاء بالديمقراطية التمثيلية المؤسساتية. وأوضح ميارة أن مجلس المستشارين "لم يتأخر في التفاعل مع مضامين الرسالة الملكية السامية، حيث بادر إلى الشروع في اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بتحقيق الغايات الملكية الفضلى، لا سيما ما يتصل بإقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية"، مشيرا إلى أن المجلس منكب على دراسة القضايا والإشكالات المرتبطة بتحديد مواضيع هذه المدونة، ومرجعياتها المحورية، والطريقة المثلى لاعتمادها، وذلك في إطار التنسيق الواجب مع مجلس النواب. كما أبرز المصدر ذاته أن فترة سريان هذه الدورة اتسمت أيضا باستمرار الضغوط الناتجة عن ظرفية دولية ووطنية صعبة ترخي بظلالها الثقيلة على المشاريع والمخططات الاقتصادية والاجتماعية للمملكة، وعلى رأسها تفاقم ظاهرة الجفاف والإجهاد المائي المؤرق، وتقلبات أسعار المواد الأولية، والعواقب الوخيمة لحالة عدم الاستقرار الدولي. وبالرغم من ذلك، شدد ميارة على أن "المملكة المغربية تواصل بعزم وثبات تقدمها على درب المشروع التنموي الطموح الذي يرعاه الملك محمد السادس، ولا سيما لجهة تعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وتقوية مناعة وصمود الاقتصاد الوطني، وتعزيز الجاذبية الاستثمارية للبلد، خاصة في القطاعات الواعدة ذات الصلة بالطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا الجديدة والصناعة الدوائية وغيرها". وأكد ميارة أن "الدبلوماسية المغربية، المتسمة بالمهارة والرزانة والحكمة وبعد النظر، ما فتئت تؤتي أكلها في ترسيخ مكانة المغرب كشريك سياسي واقتصادي قوي وموثوق، وتجلب المزيد من الدعم والمواقف المؤيدة للوحدة الترابية للمملكة، القائمة على الاعتراف بوجاهة مقترح الحكم الذاتي كأساس وحيد لإيجاد حل دائم للنزاع المصطنع حول مغربية الأقاليم الجنوبية للمملكة". كما أوضح رئيس مجلس المستشارين أن المجلس صادق خلال الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية على 23 نصا تشريعيا، أبرزها مشروع قانون المالية لسنة 2024، ونصان يتعلقان بالمساعي الوطنية لمواجهة آثار زلزال الحوز، "يتضمنان الإطار القانوني لتنزيل التعليمات الملكية السامية المتعلقة بالتكفل بالأطفال ضحايا زلزال الحوز ومنحهم صفة مكفولي الأمة، وإحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير". وأشار أيضا إلى اعتماد نصين يتعلقان بتطوير المنظومة الصحية بالمملكة، ونصين يهمان تنزيل ورش الدعم الاجتماعي المباشر، يتعلق أحدهما بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، والآخر بإحداث الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، إلى جانب أربعة نصوص أخرى تهم مجال الحماية الاجتماعية، ونصين يهمان قطاع التعليم، وسبعة نصوص تتعلق بالمصادقة على اتفاقيات دولية في مجالات مختلفة تهم التعاون الإفريقي والإسلامي، والتعاون الثنائي مع عدد من الدول الصديقة والشقيقة. وأبرز ميارة أن النصوص المصادق عليها خلال هذه الدورة عرفت إسهاما واسعا من قبل أعضاء المجلس، لافتا إلى أن مكونات المجلس المختلفة تقدمت بما مجموعه 454 تعديلا على النصوص المصوت عليها، تمت مناقشتها والموافقة في النهاية على 91 تعديلا (73 منها على مشروع قانون المالية)، بينما تم سحب 303 تعديلات في إطار توافقي، وتم رفض 60 تعديلا آخر بالتصويت. وأكد رئيس مجلس المستشارين أن "الدينامية التشريعية لهذه الدورة كانت مؤطرة إلى حد كبير بالتوجيهات الملكية السامية، لا سيما المعبر عنها في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح هذه الدورة، سواء على مستوى الإطار القانوني للتدابير المتخذة لمواجهة آثار زلزال الحوز، أو على مستوى تطوير وتجويد الإطار القانوني لنظام الحماية الاجتماعية، أو على مستوى تنزيل ورش الدعم الاجتماعي المباشر، في إطار التطلع إلى استكمال باقي الأوراش الإصلاحية ذات الأهمية الكبرى". وعلى مستوى الجلسات العامة، ذكر ميارة أن المجلس عقد خلال هذه الدورة 33 جلسة عامة، تميزت بالأساس بالجلسات العامة المخصصة لتقديم مشروع قانون المالية لسنة 2024، وأربع جلسات مشتركة مع مجلس النواب، منها الجلسة العمومية المخصصة لتقديم رئيس الحكومة لتصريح حول "الدعم الاجتماعي المباشر"، والجلسة المخصصة لتقديم عرض الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان حول أعمال المحاكم المالية برسم 2022-2023. وعلى صعيد مراقبة عمل الحكومة، أبرز رئيس مجلس المستشارين أنه تم خلال الجلسات 16 التي عقدها المجلس مساءلة 22 قطاعا حكوميا حول مواضيع آنية استعجالية منبثقة من صلب اهتمامات الرأي العام الوطني، وتعالج جوانب مهمة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن والمقاولة المغربية، مشيرا إلى أن الدورة الحالية تميزت بتخصيص مجلس المستشارين، بالتنسيق مع القطاع الحكومي المكلف بالماء، جلسة كاملة للأسئلة الشفهية لمناقشة الوضعية المائية الصعبة بالمملكة والتدابير الحكومية المستعجلة لمعالجتها. وأبرز أن عدد الأسئلة الشفهية المتوصل بها خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين ودورة أكتوبر 2023 بلغ ما مجموعه 1310 أسئلة، أجابت الحكومة على 369 منها خلال 16 جلسة عامة، من ضمنها 118 سؤالا آنيا و251 سؤالا عاديا. وبالنسبة للتوزيع المجالي القطاعي، ركزت أسئلة المستشارين على القطاع الاقتصادي بنسبة 34 في المائة، وقطاع الشؤون الداخلية والبنيات الأساسية بنسبة 24 في المائة، والقطاع الاجتماعي بنسبة 22 في المائة من مجموع الأسئلة المطروحة، ثم المجال الحقوقي والإداري والديني بنسبة 17 في المائة، وأخيرا قطاع الشؤون الخارجية بنسبة 3 بالمائة. وأشار ميارة إلى أن عدد الأسئلة الكتابية المتوصل بها خلال الفترة نفسها بلغ 899 سؤالا، أجابت الحكومة على 389 منها، لافتا إلى أن عددا مهما من الأسئلة المطروحة خلال هذه الدورة لم يحن بعد أجل الجواب عنها وفقا للأجل القانوني (365 سؤالا). وبالنسبة للدور الرقابي للجان الدائمة للمجلس، أوضح المتحدث أن دراسة مشروع قانون المالية أخذت الحيز الأوفر من المساحة الزمنية من مجموع اجتماعات اللجان الدائمة، ناهزت 200 ساعة بعدد اجتماعات بلغ 68 اجتماعا، مضيفا أن لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية خصصت ثلاثة اجتماعات لتدارس القضايا الأساسية المرتبطة بالاحتجاجات التي عرفها قطاع التعليم، وتدارست في اجتماعين متفرقين "حيثيات وتداعيات النظام الأساسي الجديد لموظفي التعليم"، وفي اجتماع آخر موضوع "مستجدات الدخول المدرسي الجديد". وبخصوص تقييم السياسات العمومية، أبرز ميارة أن مجلس المستشارين شكل مجموعتي عمل موضوعاتيتين، تكلفت إحداهما بالتحضير للجلسة السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية المزمع عقدها قبل اختتام السنة التشريعية الجارية. كما أكد أن هذه الدورة تميزت بمساهمة كافة مكونات المجلس في مواصلة تقوية التعاون البرلماني الثنائي ومتعدد الأطراف على مستوى مختلف المناطق الجيو-سياسية بهدف الدفاع، ضمن منظومة الدبلوماسية الوطنية، عن القضايا الاستراتيجية والحيوية للمملكة المغربية، وعلى رأسها القضية الوطنية.