لا يوجد سوى عدد محدود من الجوائز التي تتمتع بمكانة أكبر من جوائز نوبل. تُكرم مثل هذه الجوائز في الغالب باحثين في فئات علمية مختلفة بعد أن اكتسبوا مكانة في تخصصاتهم على مدار عقود. لكن على مستوى المجتمع اهتزت هذه المكانة التي يحظى بها العلم في السنوات الأخيرة: إذ أصبحت الأصوات الشعبوية في السياسة والمجتمع المدني تشكك علنا بشكل متزايد في النتائج العلمية، مثل تلك المتعلقة بأزمة المناخ وجائحة كورونا، وذلك دون أن تقدم حججا مضادة محددة. يهدف البعض من ذلك عن عمد إلى نشر معلومات مضللة بين السكان. في مثل هذه الأوقات قد تصبح جوائز نوبل أكثر أهمية. ومن المقرر الإعلان عن الفائزين بها هذا العام ابتداء من يوم الاثنين المقبل (2 أكتوبر) في ستوكهولم وأوسلو، بدءا من الفئات العلمية الخاصة بالطب والفيزياء والكيمياء. وإذا ذهبت الجوائز هذه المرة إلى نتائج حول موضوعات راهنة نسبيا تمس المواطنين مثل تطوير لقاحات كورونا، فقد يعزز ذلك أيضا الثقة في الحقائق العلمية. ودائما ما تظل أسماء الفائزين بجوائز نوبل سرا حتى لحظة الإعلان الرسمي عنهم. يقول عالم الاتصالات ماتياس كورينج من جامعة مانهايم الألمانية: "لقد أصبحت الشعبوية المناهضة للعلم بالفعل أداة تعبئة سياسية"، موضحا أن النخب السياسية – أو كما يُطلق عليهم في اللغة الشعبية "أولئك الذين في الأعلى" – تحاول استغلال قضايا علمية من أجل توليد صدى سياسي. يقول كورينج: "ما يمكنك ملاحظته هو الاستقطاب بين السكان، وهو ما يسعى إليه السياسيون الشعبويون، ويوسعونه قدر الإمكان، ويستغلونه باستمرار"، مشيرا إلى أن هذا الاستقطاب في الولاياتالمتحدة وصل إلى مدى أكثر حدة مما هو عليه في ألمانيا. كانت أيضا الثقة في النتائج العلمية ومكافحة المعلومات المضللة موضوعا يشغل فلك جوائز نوبل منذ سنوات. فقد حذرت مؤسسة نوبل خلال قمة جوائز نوبل حول موضوع "الحقيقة والثقة والأمل" التي عقدت في واشنطن في نهاية أيار/مايو الماضي قائلة: "المعلومات الكاذبة تضر بثقتنا في العلوم وتمثل خطرا بأن تصبح واحدة من أكبر التهديدات لمجتمعنا اليوم". وفي ذلك الوقت دعت المؤسسة فائزين بجوائز نوبل وخبراء لاستكشاف كيفية مكافحة هذه الاتجاهات. وقال المدير التنفيذي لمؤسسة نوبل، فيدار هيلجيسن: "نرى في جميع أنحاء العالم أن هناك جهودا ممنهجة للغاية لتقويض العلوم والحقيقة وتمزيق أجزاء كبيرة من النسيج الاجتماعي للمجتمع... نحن إذن أمام مشكلة. العالم لديه مشكلة". ودعمت عالمة الجيوفيزياء ورئيسة الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، مارسيا ماكنوت، تحذيرات هيلجيسن قائلة: "عندما ننظر إلى تأثيرات المعلومات الكاذبة والمضللة، نجد أنها لا تقتصر على العلم. نراها في السياسة، وفي الصحة، ونراها في المجتمع بأكمله". وأضافت في تصريحات أخرى: "العلم لا يكتمل أبدا، ولا يكون مثاليا أبدا، لكنه أفضل ما لدينا". عندما يُجرى الإعلان عن الفائزين بجوائز نوبل هذا العام لتكريمهم على اكتشافاتهم الاستثنائية، سيصبح كبار العلماء مرة أخرى في مرمى اهتمام الجمهور العالمي. وبحسب وصية مخترع الديناميت ومؤسس الجائزة ألفريد نوبل (1833-1896)، فإن الهدف من الجائزة هو تكريم أولئك الذين قدموا للإنسانية أكبر فائدة من خلال اكتشافاتهم. تبلغ قيمة جوائز هذا العام أحد عشر مليون كرونة سويدية (حوالي 930 ألف يورو) لكل فئة، أي بزيادة قدرها مليون كرونة عن العام الماضي. يشكك عالم الاتصالات كورينج فيما إذا كانت الجوائز الشهيرة يمكن أن تكون مصدرا للثقة في العلوم، مشيرا إلى أن جوائز نوبل يمكن أن تضطلع بالتأكيد بدور في تسليط الضوء على أهمية العلم – فهي تكرم في نهاية المطاف إنجازات تاريخية – لكنه يرى أن منح جوائز نوبل صار يمثل طقسا "منعزلا عن الواقع إلى حد ما" بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بالعلم في كل الأحوال، وقال: "سوف ينظر الأشخاص المتشككون إلى هذا باعتباره تربيتة تأكيدية على ظهر المعسكر المضاد"، موضحا بعبارة أخرى أن من لا يؤمن بالعلم، فلن يكون مهتما بجوائز نوبل. ويرى كورينج أن عدم ذهاب جائزة نوبل في الطب السنوات الماضية إلى مطوري لقاحات كورونا، الذين أنقذوا في النهاية أرواحا لا حصر لها حول العالم، يمثل فرصة ضائعة. وكان مطورو لقاحات تقنية الرنا المرسال (mRNA) من بين أبرز المرشحين للفوز بالجائزة منذ أزمة كورونا عام 2020، لكنهم حتى الآن يخرجون خالي الوفاض من الجائزة. يقول كورينج إنه حتى لو تم تكريمهم هذه المرة، "لن يتم اكتساب ثقة منكري كورونا ومعارضي اللقاحات المتشددين".