فضيحة رشوة وفساد أسقطت تركيا في أزمة، وجعلت سلطة رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، تقف على المحك. أصبح أردوغان اليوم في مواجهة تحديات خطيرة، من جهة العلمانيون المعارضون لأجندته الإسلامية، ومن جهة ثانية حليفه سابقا ومنافسه حاليا، رجل الدين "فتح الله غولن"، الذي يقود حركة إسلامية قوية من موقعه في ولاية "بنسيلڤينيا"، إضافة إلى النمو الاقتصادي الذي أصبح بطيئا بسبب الأزمة، ونكسات السياسة الخارجية التي زادت من حدة الانتقادات. ومن غير المرجح أن تتوقف المشاحنات السياسية قبل الانتخابات الرئاسية الحاسمة في العام المقبل، والتي من المتوقع أن يترشح لها أردوغان. ولابد أنه سيمر بوقت عصيب في محاولات إصلاح صورة حزب "العدالة والتنمية" التي اهتزت. قد لا يساعده الاقتصاد على ذلك، ولكن سياسته الخارجية قد تعطيه دفعة قوية إن استطاع أن يظهر مرة أخرى قدرة تركيا على لعب دور محوري في الشرق الأوسط. سياسات أردوغان الخارجية لأكثر من عقد، قوت تركيا علاقتها مع الجيران العرب. وتنقل الدبلوماسيون ورجال الأعمال الأتراك بين كل بلدان المنطقة، وتم فتح الحدود وطرق التجارة، وتشجيع رجال الأعمال على السمسرة، وعقد الصفقات السياسية. وقد أشاد الكل بتركيا وديمقراطيتها كبلد مسلم مستقر وكنموذج للمنطقة بأكملها. في العام الماضي، عرفت سياسة أردوغان اضطرابات، مما أدى إلى تراجع نفوذ تركيا بالمنطقة، بسبب الخلافات حول الجماعات المقاومة بسوريا، وموقفها مما حدث في مصر، بدعمها للإخوان، وبالتالي خلق خلافا حادا خاصة مع السعودية التي ساعدت الجيش والعلمانيين المصريين للتخلص من الإخوان المسلمين. كما ظلت علاقة تركيا متوترة مع إسرائيل منذ وقوع اشتباك عام 2010 حول قافلة مساعدات لغزة. فرصة أردوغان الآن، في خضم النقاش القائم بين أمريكاوإيران حول الملف النووي، ودعوة أمريكاإيران إلى استعمال بحوثها النووية في صناعات علمية بدل الأسلحة، قد يتغير حظ أردوغان، إن وافقت على العمل كجسر توافق بين الغرب وإيران وإسرائيل، وبوابة للعالم لإخراج طهران من العزلة. وتحتاج تركيا أيضا لإيران، إذ أن لإيران نفوذا على الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، ولديها نفوذا على النخبة العلوية في سوريا. وهكذا، فإن تحالف تركيا مع إيران سيمكنها أولا من صفقات نفط حاسمة بينها وبين العراق، كما سيساعدها على ضمان نهاية الحرب الأهلية في سوريا، وبالتالي إلى استقرار على الحدود. وتعد العلاقات الاقتصادية بين تركياوإيران قوية، بتجارة تقدر بحوالي 20 مليار دولار، كما أن تركيا تعتمد على إيران فيما يخص النفط والغاز. ولأن المنطقة تعد أرضا خصبة للانقسامات الطائفية، فإن دول الخليج ستصبح أكثر تخوفا من مواجهة أطماع إيرانية في المنطقة. ثم مع تراجع النفوذ الأمريكي، واتحاد دول الخليج مع إسرائيل في مواجهة إيران، لا يمكن لتركيا إلا أن تلعب دورا مركزيا هاما في المنطقة، للهدنة والتواصل، إن استطاعت تقوية علاقتها مع إيران...هكذا يرى الغرب خيار أردوغان الوحيد للبقاء في السلطة.