تودع الصحافة الجزائرية، بما فيها وسائل الإعلام العمومية، سنة 2008 وقد حققت حصيلة إنتاج قياسية في معاداة المغرب، متجاوزة بذلك في إنجازها ما حققته خلال السنوات الماضية، حيث نصبت نفسها، بخصوص ملف الصحراء، خصما رئيسيا للمغرب، إلى جانب السلطات الجزائرية والانفصاليين. "" فالصحافة الجزائرية على اختلاف عناوينها التي توصف بالمستقلة، تتحدث عن ملف الصحراء بصوت واحد وتتبنى نفس الخطاب، مكتفية أحيانا بنشر مقالات مطابقة لبعضها البعض. ويبقى المرجع الوحيد لهذه الصحافة ومصدر أخبارها السلطات العمومية أو الانفصاليون أو "وكالة أنباء" نبتت في الصحراء وليس لها سوى زبون وحيد يتمثل في زميلة لها أقدم منها توجد شمال البلاد. وعلى مدى العقدين تقريبا، أي منذ انتفاضات أكتوبر 1988 بالجزائر العاصمة، لم تغير وسائل الإعلام الجزائرية رأيها بخصوص ملف الصحراء قيد أنملة، ذلك أن تورط الجزائر العسكري في النزاع المسلح، برجالها وعتادها، وكذا كلفة الاستثمار العسكري والدبلوماسي; وخاصة مع عدم وجود أي مصلحة لدافع الضرائب الجزائري الذي يعد المالك الحقيقي للنفط والغاز، في هذا النزاع، مواضيع يحظر الخوض فيها. فعلى غرار السلطات وقيادات المركزيات النقابية وبعض الأحزاب، تخوض الجرائد المنبثقة هي الأخرى من رحم الحزب الوحيد القديم، معركة واحدة تتمثل في تقرير مصير "الشعب" الصحراوي الذي لا يتجاوز تعداده عدد سكان مدينة تندوف لوحدها. ولا تتخلى السلطات الجزائرية عن موقفها بهذا الشأن، فهي تريد أن تجعل من هؤلاء جمهورية كانت هي أول من سارع إلى الاعتراف بها. وكل هذا، كما صرح مسؤول جزائري، لا لشيء سوى ل` "أننا نريد الخير للمغرب...". فالنقاش بخصوص هذا الملف محظور في الجزائر، وكل جزائري تجرأ وجازف بالتعبير عن رأي مخالف لرأي السلطات يعتبر خائنا. إن الجزائر تحارب المغرب منذ 30 عاما متسببة في قطيعة شاملة بين شعبين، ذريعتها الوحيدة في ذلك مبدأ تقرير المصير. إنه دليل آخر على أن الجزائر لم تتغير، وعلى أنها ظلت حبيسة خطابها القديم والمهترئ، الذي أثبت إفلاسه على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمجرد أن تراجع سعر برميل النفط إلى أقل من 14 دولار في متم عقد الثمانينيات. وإذا كانت كافة الخيارات قد تمت مراجعتها، فإن الجزائر ظلت في المقابل، بخصوص ملف الصحراء، حبيسة زمن ولى، متشبثة بخطاب قديم ومتصلب، فضلا عن كون استثمارها الهائل على الصعيد الدولي يقف حجرة عثرة أمام حدوث أي تطور في هذا الملف. أما وسائل الإعلام فتظل بدورها حبيسة هذا المنطق الذي ليس هو منطقها. وبالرغم من أن المغرب، ومقارنة مع الجزائر يوجد في موقع طرف في النزاع، فإن وسائل الإعلام الجزائرية لم تنقل قط وجهة نظره في الوقت الذي يتجرأ فيه هذا البلد الذي يزعم أنه "طرف معني" على القول بأنه ليست له لا ناقة ولا جمل في هذه القضية. وفي ظل هذه الظروف، يبقى فتح نقاش في الجزائر حول قضية الصحراء بحضور المغرب ضربا من ضروب الخيال، وسيظل تواجده على صفحات الصحافة المكتوبة "المستقلة" حلما أقرب إلى المستحيل ومن قبيل الوهم، وهو ما يؤكد، وبالملموس، أن استقلالية وسائل الإعلام الجزائرية في حاجة إلى إعادة بناء شاملة.