عند زيارة متنزه "كروغر" الوطني، وهو أكبر محمية طبيعية في جنوب إفريقيا، تقع بين مقاطعتي مبومالانغا وليمبوبو، ليس هناك بصيص أمل في رؤية وحيد القرن بأعداد كبيرة. وقد كان هذا الحيوان الضخم من الأنواع المنتشرة في هذه المنطقة من العالم، لكنه الآن يواجه خطر الانقراض بسبب الصيد الجائر الذي يتم على نطاق واسع منذ عدة سنوات على مرأى ومسمع من سلطات جنوب إفريقيا. ففي كل عام، يقصد الآلاف من السياح جنوب إفريقيا للاستمتاع بالطبيعة البرية، حيث يتجولون في الممرات المتعرجة لمتنزه "كروغر" بحثا عن الحيوانات "الخمسة الكبار" (Big five) الشهيرة، وهي الأسود والنمور والفيلة والجواميس ووحيد القرن. ويسعى هؤلاء الهواة للمغامرات، باستعمال المناظير والكاميرات المتطورة والهواتف الذكية، إلى مشاهدة هذه الثدييات عن قرب، وهي تعيش في هذه المحمية الطبيعية التي تم إنشاؤها في عام 1926 على مساحة تقارب 20.000 كيلومتر مربع. ولتعزيز الحظوظ لرؤية "الخمسة الكبار"، وخاصة وحيد القرن الذي تتناقص أعداده باستمرار في جنوب إفريقيا، يجب الذهاب إلى المتنزه في الصباح الباكر، وهي الفترة التي تقوم فيها هذه الحيوانات بالبحث عن الطعام والماء. يقول عدد من السياح إنهم وصلوا في الساعة الخامسة صباحا إلى بوابة (ميلالين)، المدخل الجنوبي لمتنزه "كروغر"، الذي يقع على بعد 67 كيلومترا من أقرب مدينة، وهي نيلسبروت (ساعة بالسيارة)، على مستوى مقاطعة مبومالانغا. وعلى بعد أمتار، يرى السياح الغزلان وهي تتسابق على أطراف الطريق، بعدما أفزعتها عربة (السفاري) الكبيرة التي تقل السياح. تقول المرشدة السياحية، ليزيل، "يبدو هذا اليوم واعدا، سنرى العديد من الحيوانات". وبسبب هذا التفاؤل، توقع السياح أن يشاهدوا هذه الحيوانات التي تتخذ من جنوب إفريقيا موطنا لها، غير أنه مع تقدم رحلتهم عبر المسار الذي وضعته وكالة السفر، خف ت حماس البداية وشعر السياح بخيبة الأمل. وعلى طول الطريق الذي سلكوه، والذي امتد لعدة كيلومترات، كل ما استطاعوا رؤيته هو زرافتان وثلاثة فيلة وعدد قليل من الجواميس وأسد ونمر. أما وحيد القرن، فأكدوا أنهم بحثوا عنه طويلا باستعمال المنظار، لكنهم لم يروا له أثرا. وعندما اقتربت الرحلة من نهايتها، اتصلت المرشدة السياحية، التي كانت تعمل أيضا كسائقة، عبر جهاز الاتصال اللاسلكي الخاص بها للتحقق مما إذا كان زملاؤها أكثر حظا في العثور على وحيد القرن في مكان آخر، لكن دون جدوى. وفي محاولة لتفسير غياب هذا الحيوان، الذي يمكن رؤيته على بعد كيلومترات نظرا لحجمه الضخم، قالت المرشدة السياحية "إن أعداد وحيد القرن انخفضت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب الصيد الجائر". ويعتبر هذا المعطى حقيقة م رة تعترف بها سلطات البلاد، فبحسب الأرقام الرسمية، ق تل ما مجموعه 594 من وحيد القرن من أجل قرونها في عام 2019، مقارنة ب 394 في عام 2020، وهو عام اتسم بالقيود ذات الصلة بتفشي فيروس كورونا. لكن الذروة تم تسجيلها في عام 2014 حيث قتل 1215 من وحيد القرن. وكانت وزيرة الغابات والصيد والبيئة، باربرابرا كريسي، قد دقت ناقوس الخطر بسبب استمرار الصيد الجائر لحيوان وحيد القرن في البلاد بوتيرة مقلقة، مشيرة إلى قتل ما لا يقل عن 24 من وحيد القرن خلال الأسبوعين الأولين من شهر دجنبر الماضي. ورغم ذلك، يبدو أن سلطات جنوب إفريقيا عاجزة عن تقديم حلول ملموسة لهذه الآفة، التي تتفاقم إلى جانب تفشي البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. وفي محاولة أخيرة لحماية هذه الحيوانات، أطلقت بعض المنظمات البيئية غير الحكومية برنامجا لتجديد أعداد هذا النوع في البلدان الإفريقية الأخرى. وهكذا، تم نقل ثلاثين من وحيد القرن الأبيض مؤخرا من جنوب إفريقيا إلى رواندا. وأكدت المنظمة غير الحكومية الدولية (أفريكان باركس) "African Parks"، التي قادت هذا المشروع، أن هدفها هو ضمان بيئة آمنة لهذا الحيوان المهدد بالانقراض، من أجل العيش والتكاثر. وبذلك، يشكل الصيد الجائر لحيوان وحيد القرن تحديا كبيرا لحكومة جنوب إفريقيا. ففي متنزه "كروغر" أو باقي المحميات الطبيعية العمومية والخاصة، يتعرض هذا الحيوان لتهديدات حقيقية.