قبل خمسة وثلاثين سنة,سألت صديقا كان قد أنهى مهمته كسفير في بلد اوروبي,لماذا لا يستدعي سفراء صاحب الجلالة المبدعين المغاربة للتعريف بهم و بأعمالهم في العواصم التي يمثلون فيها بلدهم المغرب,كما يفعل معظم سفراء الدول الأوروبية بالمغرب للتعريف بثقافة بلدانهم و مبدعيها. أجابني صديقي أنه سيكون اول سفير مغربي يوجه لي دعوة للتعريف بأفلامي في العاصمة التي سيعين فيها قريبا. قلت لصديقي : اذا فعلت ما تقول فهذا يعني ان السفراء المغاربة اصبح لهم احساس بالفن و اهتمام بالثقافة المغربية و تقدير و احترام للمثقفين والفنانين و المبدعين المغاربة. و بعد ثلاثة سنين عن تعيين صديقي, مرة أخري,كسفير بعاصمة أوروبية ,لم يوجه لي دعوة واحدة كما وعد,لأنه كان يعرف أن أغلبية السفراء المغاربة كانوا مجرد “بيادق” تتحكم فيهم وتحركهم أيادي خدام الأعتاب .و لكثرة تملقهم لخدام الأعتاب الشريفة و تشبثهم بمناصبهم وصلت بهم الوقاحة الى احتقار المغاربة القاطنين بالخارج لدرجة أن مواطنا مغربيا بسيطا,يعمل و يقطن بضواحي باريس,اضطر أن يقتل بالسلاح الأبيض القنصل العام بباريس لكثرة عجرفته و احتقاره له و رفضه بالقيام بواجبه.حدث هذا في نهاية السبعينات. في عهد الحسن الثاني كان السفراء و القناصل بباريس فقط في خدمة كل من هو فرنسي أو أوروبي .ولا زلت أتذكر كيف رفض لي الدخول الي السفارة المغربية(زنقة لوطاس.باريس) لحضور الاحتفال بعيد العرش رغم أنني كنت أتوفر على الدعوة. حدث هذا سنة 1969 قبل سنتين٬ عين صديق كسفير للمملكة المغربية لذي الجمهورية اللبنانية. حينئذ تذكرت ما قلته قبل خمسة وثلاثين سنة للسفير الذي لم يوف بوعده. اتصلت بصديقي السفير الجديد للبنان لأهنئه راجيا منه المجيء الى مسرح محمد الخامس لمشاهدة مسرحية “أوفيليا لم تمت”, التي كنا نتمنى عرضها بلبنان. حضر الصديق و صفق بحرارة للعمل المسرحي متمنيا استقبالنا ببيروت اذا جئنا لنقدم أوفيليا لم تمت. لم نذهب الي لبنان لنقدم أوفيليا لم تمت, لكن بفضل السيدة ريتا معلوف,التي عشقت آداء صوفيا هادي في مسرحية “الانهيار”,وجهت السيدة نضال الأشقر,مؤسسة مسرح المدينة,دعوة الى صوفيا هادي لتقدم عرضيين لمسرحية الانهيار.سافرت صوفيا هادي الي بيروت و قدمت غرضين ناجحين صفق لهما الجمهور اللبناني. واقفا,تقديرا واحتراما لهذه الممثلة العملاقة التي لا يعرفها إلا جمهور مغربي قليل و ذواق للمسرح الراقي والجميل. حضر العرض الثاني لمسرحية الانهيار (الجمعة 27 أبريل الساعة الثامنة و النصف) صديقي سفير المملكة المغربية في بيروت . صفق بكل حرارة و هنأ صوفيا هادي بكل صدق , كاتبا على صفحته الفيسبوكية : “الممثلة المغربية صوفيا هادي تبهر جمهور بيروت في عرضين لمسرحية الآنهيار للأديب الفرنسي ألبير كامو على خشبة مسرح المدينة بدعوة من الأستاذة نضال الأشقر.” . شكرت صوفيا هادي ريتا و نضال و الجمهور اللبناني , متمنية أن تعود الى مسرح المدينة بمسرحية باللغة العربية. رحب صديقي السفير بعودة صوفيا هادي الى مسرح المدينة لتقدم مسرحية الامبراطور باللغة العربية و بمساعدة السفارة المغربية ببيروت. أنا متيقن أن صديقي السفير بلبنان سيوفي بوعده لأن عقلية و سلوك سفراء العهد القديم دفنت الى الأبد. ملاحظة : كان على السفير الفرنسي (الذي حضر العرض الثاني و كان جالسا غير بعيد من صديقي السفير) ان يهنأ صوفيا هادي على أدائها باللغة الفرنسية لمسرحية الانهيار,لكن الأبوية ذات الطابع الإستعماري تجعل الفرنسيين يرفضون و يكرهون كل ما يبدو لهم أحسن مما يفعلون.