يذهب إلياس العمري في مقاله التاريخي حول المصالحة إلى الآخر. والآخر هنا هو أنا، وهو الجماعة، وهو نحن ككيان واحد، وهو هذا الذي أظن أني لا أعرف، قبل أن أكتشف أنه أنا. الآخر أنا متنكرا. وأنا إلياس العمري، وأنا هو آخر، كما كتب رامبو. وأنا الآنا هو آخر الآخر. والآخر لم يعد جحيما بعد اختراع السيلفي والهواتف النقالة، بل صار الجحيم هو غرور التقاط الصور. لكن ما الهوية عند إلياس العمري؟ الهوية هي سفرجلة الروح، وهي ريح تحمل معها التاريخ إلى المستقبل. وهي أيضا تبخر الماء، وهي الماء وقد تجمد، وهي رذاذه، وهي المطر في الأناشيد والأغاني. والمصالحة هي شقيقتها، وهي الماء وهو يخمد لهب النار. ليس غموضا ما كتبه إلياس العمري، بل لأن المصالحة تستدعي هنا الملتبس إلى ملعبها، والعالم الآن ملغز. أما الوضوح فهو فكرة أصولية، وهو نقاء الجسد، وهو التوقف عن المشي. وهو النظر بعين الحاضر إلى الماضي، وبعين الماضي إلى الآتي. لذلك استعصى على البعض فهم النص، وكلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة كما قال النفري. ولا تنفع البحلقة في النص الإلياسي، ولا تنفع العيون الجاحظة، لأن تأويله يتجدد مع كل قراءة. النص الإلياسي حمال أوجه، ولا يمكنك أن تسبح فيه مرتين. إنه نص هيراقليطي، وتظنه نفس النهر، لكنه ليس هو، بعد أن جرت فيه مياه كثيرة. وإلياس هنا ليس إلياس العمري، إنه غيره، وأناه الآخر حاضنا أناه، وهما معا متشابكان مع الخصوم. وتشعر وأنت تقرأ الجملة الإلياسية بأن العالم في خطر، وأن الكاتب يستشرف المستقبل، ويبحث عن حل. كأنه يسعى إلى إنقاذ الكون. لكن لا أنداد عند إلياس العمري، الكل يذوب، والكل يتبخر، والكل يختلط، والكل هو شيء واحد. التناقض ليس إلا ضعفا في النظر. وبمجرد أن تضع نظارات تكتشف أن الحياة واحدة، والعالم واحد، والبشر واحد. والواحد متعدد، لكنه هو هو. والتعدد واحد. كأن الكاتب يحس بالخطر القادم، فيشظي اللغة، ويوترها، ويأخذها إلى عمقها الأول. إلى زمن الخطيئة الأولى، إلى إغراء الأفعى، و إلى التفاحة، وإلى الشجرة. لكنه لا يتهم المرأة. ولا يقول من أكل الفاكهة المحرمة. بل يطرد الرجال ويمنحها لائحة كاملة. ولا يدعونا إلى أن نصعد من جديد، بل إلى العيش المشترك، الآن وهنا، وليس في مكان آخر، وليس في السماء. ولا يقول لنا انتظروا الذهاب إلى الجنة. وقد ظنوا أنه يتوجه بالكلام إلى حزب العدالة والتنمية، أما أتباع إلياس العمري فمازالوا يقرؤون المقال، ويعيدون قراءته. وهناك منهم من حفظه، لكنه لم يفهم بعد ما مضمون النص. وهناك من اعتمد على الحساب لتحليل مقال إلياس العمري، وبجدية كتب أنه ذكر كلمة المصالحة كم مرة، والهوية كم مرة. وحتى العدالة والتنمية يحللونه ويفكون أسراره وشيفرتهويردون عليه. وحتى لو ذهبنا في التأويل إلى أبعد مدى، فالمصالحة ليست إلا تعب المحارب، وهي عودة جلجامش دون عشبة الخلود، وهي دعوة إلى المحبة. هي كمثرى الوطن وخوخة التعايش وبرتقالة الوجود هذا الوطن الكوني، الذي نظنه كبيرا، لكنه بحجم بطيخة، والبطيخة لنا جميعا، وعلينا أن نقتسمها فيما بيننا بالعدل، ونأكلها،ونزرع بذورها، ولا نرميها، كي تستمر الحياة. حياتنا، وحياة أولادنا. وكما ذكرت، فالمصالحة شقيقة الهوية، وهذه الأخيرة هي سفرجلة الروح. هي عناق الشعوب هي حبنا لبعضنا البعض هي ضحكة ادريس لشكر هي حبة عرق تنزل من تحت شارب حميد شباط وتعلق في بذلة بنكيران وتذهب معه إلى البيت وتدخل إلى الغسالة وتخرج مع المياه والصابون وتعود إلى ماء العالم هي قهقهة بنكيران هي هذا الشعب المغربي العظيم هي هذا المقال الذي كتبه إلياس العمري والذي لا يجب أن تشغل بالك بفهمه ولا يجب أن تشغل بالك بعدم فهمه تمل فيه وتمتع وهذا يكفي إنه نص مفتوح كما هي الحياة كما هي الهوية والأجمل أنها دعوة إلى الحب فتحابوا أيها المغاربة وتعانقوا وقبلوا بعضكم البعض وانتظروا جديد إلياس العمري انتظروا مقاله القادم.