في أوج الإرهاب " الداعشي"، وفي أوج الإسلاموفوبيا وتزايد الصور النمطية بشأن اللحي الطويلة، والعباءات النسائية السوداء، والجبة الأفغانية وبروفايل الرجل " الديني الشكل" كان لاثنين منهم أثر جميل في حياتي، يعيدان تذكيري بأن في الحياة ما يستحق الاختلاف والتسامح وتقبل الاخر والتعايش معه بسلام…
قبل أيام وأنا أقف جامدة أنتظر تاكسي لأكثر من 45 دقيقة في كل مرة أقول لأحدهم الوجهة " مستشفى ابن سينا" يتجهمني، لا يجيب يتركني واقفة ويستكمل طريقه، تعبت وأنا أنتظر التاكسي وتعبت وأنا أعيد تلفظ الوجهة في كل لحظة إلا أن توقف "تاكسي" يقل " سيدتين" قلت له الوجهة فقال لي " تفضلي"
كان " بولحية حقيقي شكلا"، فبمجرد أن صعدت سألني كم وأنا أنتظر التاكسي قلت له " قرابة الساعة" ماذا يحدث أمام مستشف ابن سينا" فأجاب ‘ عرفتك ا ختي، بقيتي حاصلة غي قلتيلي ابن سينا أنا غادي ندوز حداها نحطك وكملي على رجليك واحد 200 متر حيث مايبغي حد يهزك من تما الطريق كتكون عامرة مع 8 ديال الصباح" أوقف التاكسي في المكان المعلوم وأنا أسلمه الثمن الظاهر على الكونتور، رفض استلامه قائلا " سمعي ا ختي صباح هذا، أنا هادي هي طريقي وملي شفتك حاصلة راه بغيت نهزك فابور، دايرها فراسي من الأول منشدش من عندك الفلوس حيث هادي طريقي وحيث حطيتك بعيدة شوية ماشي في الباب" أصريت على أن يمسك ب"عرق جبينه" خويا عفاك أنا معطلة بلا متزيد تعطلني شكرا بزاف ولكن هاك فلوسك هي فلوسك، تركت له النقود جانبا وخرجت مسرعة، مبتسمة وأنا أتذكر كل اللحظات التي كنت أخرج غاضبة بعد أن حاول أحد " موالين اللحي باش يزيد علي في الكونتور" وقد أنصت طوال الطريق للقران على القناة السادسة وفي النهاية ينصب عليك ولو في درهم أو درهمين أو سمحي لي معنديش الصرف أو يطول عليك الطريق…
تذكرت بعدها حادثة طريفة حصلت لي قبل أشهر وأنا عائدة من العمل مع تاكسي اخر ملتحي دينيا هو الاخر… ركبت سيارة تاكسي، سائقها رجل بلحية طويلة وجلباب رمادي اللون ووسيم جدا، طيلة الطريق في انتظار أن يوصل باقي الزبناء،لأنني الأخيرة في مشواره، وأنا أتساءل " ترى ماذا يقول عن لباس المتبرج، وأحمر شفاهي، وكعبي العالي، وتبرجي السافر"، خصوصا أنه " قبل بإيصالي بعد أن رفضت من طرف سائقي طاكسي " بولحايا" مرات عديدة سابقا…
أوقفني عند باب العمارة وسألني "الأخت هل لي أن أسألك وماديريهاش مني قلة الصواب" اعتقدت أني سأسمع تلك المحاضرات الطويلة حول الأخلاق والعفة وستر النفس كما يفعل بعضهم عندما يلتقون ببنات غير محتجبات في الشارع، فإذا به يسألني " هل أنت متزوجة؟ أجبته مندهشة " لا" فقال متلعثما " هل تقبلين بي زوجا" اندهشت أكثر وأكثر وأحببت ابتسامته وتلعثمه في الكلام قلت " اسفة، لا أفكر في الزواج حاليا" فاعتذر مني بكل لطف وتمنى لي التوفيق، وأنا أهم بالخروج من التاكسي شاردة تراجعت وسألته بالمقابل سأسألك بدوري وما ديرهاش مني قلة الصواب؟"" من مظهرك الملتزم والايات القرآنية المنتشرة في التاكسي، ولحيتك وهندامك وطريقة كلامك، يبدو أنك ملتزم وجد متدين، كيف تفكر بالزواج بمتبرجة سافرة لا تتقاسم وإياك نفس الشكل السلفي؟"
أجابني مقاطعا بطريقة سلسة جميلة وهادئة " قد تدخلين بتبرجك الجنة وأدخل بلحيتي النار، الله الوحيد العالم بقلوب البشر ولا حق لي في أن أحكم على أي كان من مظهره، الدين يسر، ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك، لا إكراه في الدين ولكل امرئ ما نوى، من يدري قد يكون قلبك أطيب من قلوب مئات المحتجبات".
أحببته أكثر وأكثر واكتفيت بجواب واحد " كنت أكره موالين اللحي، أتجنبهم، ولكن بفضل لقائك اليوم وطريقة كلامك سأعيد التفكير" فقط لو كان كل ملتحي، بجلباب أفغاني مثلك" ابتسم وودعني بكل أدب وعيون خالية من الهوس والتحرش، وأنا بكل صدق أقول أنه فعلا رائع… جعلني أغير نظرتي التشاؤمية من "موالين اللحي" إلى حدود الساعة وكلما رأيت عدوان أحدهم تفكرت لطف الاخر فابتسمت.