كيف كانت بدايتك في مهمة قيادة حزب اليسار الاشتراكي الموحد؟ الانطلاقة بالنسبة لي لم تكن صعبة، لكوني كنت عضوة في المكتب السياسي لمؤتمرات عديدة ونحن بطبيعتنا القرارات التي نتخذها كحزب، تنطلق من النقاشات التي تدور في مؤتمراتنا، والتي تعتمد على الأرضيات المتفق عليها من قبل المؤتمرين، الذين يقومون بمناقشتها وتعديلها. ولهذا فنحن كأجهزة جديدة منتخبة بعد المؤتمر مطالبين بتفعيل الأرضية التي تم الاتفاق عليها. وبالطبع أول عمل قمنا به هو ترجمة هذه الأرضية لبرنامج عمل ملموس، الذي حاولنا أن نحترم فيه الأولويات التي حددها لنا المؤتمر لكي نصل إلى الأهداف التي وصلنا إليها. ومن بين هذه الأهداف تقوية البيت الداخلي للحزب الاشتراكي الموحد، عبر إعادة الهيكلة التنظيمية للحزب على مستوى الفروع، والجهات، والأقاليم، وحتى على المستوى المركزي. فهناك أجهزة منتخبة داخل الاشتراكي الموحد، لكنها يجب أن تنظم على شكل لجان وفرق عمل تتكلف بملفات خاصة على شكل قطاعات (الشبيبي، والمحامون، والأطباء، والنساء ...). وكل هذه الأجهزة وراء المؤتمر تعرف بدورها تغيير وتجديد. وبالطبع هذه اللجان مطالبة بوضع برنامج عملها الخاص، الذي تعرضه على المجلس الوطني للمصادقة عليه. وبالإضافة إلى الجانب التنظيمي، هناك المسألة التواصلية، ونحن حاليا بصدد وضع برنامج تواصلي متقدم مع الكفاءات الموجودة داخل الحزب. كما أننا نعمل على تحديث إدارة الحزب. وأنتم تعرفون أن الأحزاب المغربية تشتغل بشكل تقليدي، لذا فهناك عمل ينجز في إطار تحديث الإدارة ونجاعتها حتى تكون هيئة مهيأة لاستقبال، سواء المناضلين القدامى أو المواطنين الذين أبدوا، في الفترة الأخيرة، رغبة في الالتحاق بالاشتراكي الموحد. ورش أخرى انطلقنا فيها، كورش التحالف الذي خرجنا في المؤتمر بخلاصة الرقي به إلى مستوى أحسن. وبالمناسبة، عقدنا اجتماعات ما بين المكاتب السياسية لأحزاب الطليعة، والمؤتمر، والاشتراكي الموحد، كما عقدنا لقاءات للجان مصغرة، التي تنظر في كيفية الفعل في الميدان. مسألة أخرى بدأنا العمل فيها تتعلق ب "الائتلاف من أجل الملكية البرلمانية هنا والآن"، الذي يضم خمسة أحزاب، بالإضافة إلى 3 مركزيات نقابية، وجمعيات حقوقية، ونسائية، وشبابية، وحركة 20 فبراير. وبالطبع هناك عمل آخر بالموازاة، ويتعلق بمتابعة العمل الحكومي اليوم، إذ أن كل القضايا لدينا قراءة بشأنها ونتوفر على مقترحات بديلة. كما أن هناك عمل على تحقيق جبهة ديمقراطية واسعة، التي أعددنا لها أجندة لقاءات مع الحركة النسائية، والأمازيغية، والحقوقية، والأحزاب التي نعتبرها تقدمية وديمقراطية، والتي نحن في حوار معها، وأسرة اليسار، والديمقراطيين. تسلمت دفة قيادة الحزب في مرحلة دقيقة يمر منها المغرب، كيف تعاملت مع هذا الحمل الثقيل؟ عندما نمارس السياسة يجب أن نكون نفهم ما يقع، وفي الوقت نفسه يجب أن نتحلى أيضا بالشجاعة. ففي هذه اللحظة العالم يتغير أمام أعيننا. فعلى المستوى العالمي كانت مركزية القطبية الأحادية التي تترأسها الولاياتالمتحدة الأميركية، واليوم هناك بروز لقطبيات أخرى، كالبرازيل والصين، وروسيا، والصين، وجنوب إفريقيا، الذين سيفرضون على العالم التغيير في مرتكزات القوة والسلطة الدولية. كما أن هناك أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة جعلت العولمة المتوحشة تصل إلى أزمة خانقة، وهذا النظام بأسره لم يستطع أن يجد أجوبة عليها. لهذا يوجد اليوم استنجاد بالدولة من أجل إنقاذ الأبناك، والرجوع إلى بعض الآليات التي كانت تحسب على اليسار، التي نريد أن نعيد بها دور الدولة قصد احتواء هذه الأزمة الخانقة. كل هذا خلق غضب اجتماعي في العالم، إلى جانب تدخل لما نسميه "الغرب" من أجل الدفاع عن مصالحه. فالإقليم العربي والمغاربي عرف تفجر ثورات وانتفاضات للشعوب، كما أنه كان هناك عامل المفاجأة بالنسبة لتونس ومصر، ولكن بعد ذلك رأينا تدخل كبير للغرب من أجل التحكم في مسار هذه الثورات، وفي إجهاضها حتى لا تصل بهذه الشعوب إلى الديمقراطية. ورأينا كيف أن تيارات إسلامية خرجت من صناديق الاقتراع، والتي بالمناسبة الغرب شجع على إجراء الانتخابات، لأنه يعرف أن هذه التيارات أكثر تنظيما في الساحة، وأنها لا تهدد نظام العولمة المتوحشة. وهذه التيارات ما زالت في هوية إقصائية وتبحث عن نفسها، بينما يتسمر الغرب في استغلال ثرواتنا. وبالنسبة لحركة 20 فبراير؟ أعطت حركة 20 فبراير أمل جديد، لأننا كنا نعيش ردة سياسية. فمنذ 55 سنة ونحن ننتظر. أخطأنا المواعيد تلو المواعيد مع الديمقراطية، لأنه لم تتوفر أبدا إرادة سياسية تنقلنا من اللا ديمقراطية إلى الديمقراطية. وعندما ظهرت 20 فبراير أوقفت ذلك المد التراجعي، الذي كان يتزعمه حزب الأصالة والمعاصرة، إذ أننا كنا نسير في تجاه النموذج التونسي. وبخصوص السؤال الذي طرحته، فعلا تحملت المسؤولية في أوضاع عالمية وإقليمية صعبة، ومغربية أصعب. وبالنسبة لنا في المغرب هناك تقارب ما بين القصر وحزب العدالة والتنمية، وهو ما جعلنا نسير في استمرارية، في حين أنه كان من حقنا أننا في سنة 2011 نحلم بالانتقال إلى وضع أحسن، وإلى التأسيس الحقيقي للديمقراطية والمواطنة، ونخرج بدستور يحسم لنا مع الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية، لكن ذلك لم يحدث. واليوم نرى أن حركة 20 فبراير جرت محاصرتها منذ بدايتها، والالتفاف على مطالبها، كما نلاحظ أن هناك بعض الخفوت بالنسبة لها، لكن التغيير المجتمعي يعرف دورات، ولا يمكن أن نحكم على الحركة بأنها أدت مهمتها وانتهت، إذ يمكن أن تكون انطلاقة جديدة ل 20 فبراير، رغم أننا نعرف أن نظامنا حاول بكل الإمكانيات أن يقمع هذه الحركة ويهمشها، ويسعى إلى تحييد النقابات حتى لا تلتحق بها، وإلى تحييد الحركات الاحتجاجية. ونحن في المغرب اخترنا التغيير السلمي دون إراقة دماء، وننتقل من وضع مؤسسات صورية وديمقراطيات الواجهة إلى ديمقراطية حقيقة، ومؤسسات تترجم إرادة الشعب إلى سلطة شعبية. يعني أن الملك يسود والحكومة تحكم حتى يمكننا أن نحاسب هذه الحكومة ونتابع عملها. ما أبرز الملاحظات التي قمتم بتسجيلها أثناء متابعتكم للعمل الحكومي؟ الحكومات المسؤولة لا يمكنها أن تقوم بإنجازات باهرة في 100 يوم، لكنها تقدم إشارات تحدد المسار الذي تريد أن تسلكه. ونحن تابعنا ككل الفاعلين الأساسيين في الحقل السياسي المغربي التصريح الحكومي بهدف الوقوف حول ما إذا كان أتى بجديد أو بأمور تجيب عن الأزمة الاجتماعي، والاقتصادية، والثقافية الخانقة التي تعيشها بلادنا، وهل هذا التصريح الحكومي في نيته أن يطور البناء الديمقراطي في بلادنا، ويعطي توجه عام بأنه ستكون هناك قطيعة مع الاختيارات السابقة، وأن المغاربة يمكن أن يتجدد ذلك الأمل في أرض الواقع في أمور ملموسة. وعند متابعتنا لهذا التصريح لاحظنا أن الحكومة وضعت على رأس أولوياتها مسألة الحكامة الجيدة، ومحاربة الفساد والاستبداد. ورغم أن الحكومة قامت ببعض الإشارات التي يمكن أن تحسب لها والمتمثلة في نشر لوائح مأذونيات النقل الطرقي، وهو الإجراء الذي اعتبرناه جيدا، إلا أن محاربة الفساد تتطلب أكثر، بمعنى أن نذهب في ما هو أبعد في محاربة اقتصاد الريع، ونظام الامتيازات، والزبونية... إلخ. وفي هذا المجال ما زلنا لم نر ما يؤشر على أننا سندخل مرحلة جديدة نتحدث فيها عن محاربة الفساد. وما زال السؤال مطروحا عن مدى إمكانية هذه الحكومة في الاستجابة لمدى تطلعات الشعب المغربي في الصحة، والسكن، والتعليم، والعيش الكريم...، لأنه هناك متغيرات عالمية وإقليمية وأزمة داخل البلاد، التي يتطلب على الحكومة الإجابة عليها. ومع الأسف، نحن ما زلنا لم نلاحظ أي مؤشرات تصب في هذا الاتجاه. فبعد أن تابعنا مشروع القانون المالي، الذي جرى تقديمه أمام مجلس النواب، رأينا كيف أن العنوان العريض هو الاستمرارية بدل القطيعة والتدبير اليومي عوض التدبير الاستراتيجي، لأن قانون المالية أنجزته الحكومة السابقة ووصلنا متأخرا. وهذا يحسب ضد الحكومة، لأن قانون المالية سيطبق في نصف السنة فقط، علما أن هذا القانون سنوي. وأريد الإشارة إلى أن 800 مليار من الدرهم المحددة في الميزانية، 65 في المائة منها تذهب في كل ما هو تسيير وتدبير، وتذهب 15 في المائة في تسديد المديونية، ولا يتبقى سوى أقل من 20 في المائة في الاستثمار. ما رأيك في صعود الإسلاميين إلى الحكومة؟ نحن نعرف أن النظام لم تكن له ثقة في الحركات الإسلامية، لأنه هذا كان يدخل في إطار سياسة محاربة الإرهاب. ورأينا كيف خلق حزب الأصالة والمعاصرة أساسا من أجل محاربة المد الإسلامي في الساحة، بعدما كانت الدولة خلقت هذه التيارات الإسلامية في وقت معين لضرب اليسار بها. لهذا نقول إن التيارات الإسلامية اليوم أعطت مهلة للنظام في بلدنا، لأنه لم تظهر إرادة قوية من أجل الانتقال. ورغم أن سنة 2011 كانت استثنائية بكل المقاييس، إلا أننا لم نستفد. لهذا أنا أقول يمكن أن يستمر الإسلاميون لولاية أو ولايتين، لكن لا أحد يضمن ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل. فالشعب المغربي عبر عن وعي كبير، لأنه حتى في الانتخابات السابقة 25 في المائة من المغاربة صوتوا فقط، وهو ما يظهر أن المواطن ما زال لم يثق بعد. أما بالنسبة للمشروع اليساري اليوم فإنه عاد، فالمشروع اليساري للدمقرطة وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروات، والمساواة، والمواطنة، والحرية، لا زال قائم الذات، ونحن نحتاج لتجربته، وللقيام بذلك يجب أن نكون أحزاب أقوياء. ويجب على كل القوى الفاعلة في المجتمع أن تضغط في تجاه الديمقراطية. فنحن في حاجة لثورة ثقافية لأننا نسير في ردة خطيرة لا على مستوى القيم، ولا الأخلاق، ولا المبادئ. وكحزب اشتراكي موحد فإن مسألة الانفتاح على القوى اليسارية في البلاد وارد، وعندما نقول الانفتاح نعني الانفتاح على القوى الديمقراطية والطبقة المتوسطة. هل هناك من مؤشرات حول تراجع الحريات الفردية؟ الحريات الفردية والجماعية هي أساس بناء المجتمع، ولكنها يجب أن تحدد بقوانين. فنحن كمواطنين يجب أن يحكمنا دستور وقوانين عادلة وفيها المساواة بدون تمييز. ونحن قلناها في ديباجة دستور 1989 الممنوح، بأننا نعترف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكنه هناك فرق بين الكتابة والتطبيق. ومجال الحريات الفردية والجماعية ليس مجالا للتفاوض مع أي كان، وباسم أي كان. وإذا أردنا أن نعيش في سلم وأمان يجب أن ندبر الحياة بيننا، وإذا أردنا تدبير الحياة بيننا يجب أولا أن تكون ثقافة الاعتراف بالاختلاف سائدة. فالإنسان المواطن، الذي ما زلنا لم نصل له بعد، يجب أن يحتكم إلى دستور ديمقراطي وقوانين تضمن له المساواة وكل الحقوق بدون أي تمييز. باتفاق مع "إيلاف"