أدى الحراك المجتمعي الذي عاشته بلادنا السنة الماضية في إطار حركة 20 فبراير إلى تبني دستور جديد اعتبر من طرف بعض الملاحظين حدثا سياسيا مهما وتدشينا لمرحلة جديدة. هذا وإذا كانت التقييمات بخصوص الدستور الجديد قد اختلفت حسب توجهات أصحابها الفكرية والسياسية وحسب طبيعة المصالح التي يدافع عنها كل من موقعه، فيمكن القول أن الحيز الذي خصص لحقوق المرأة قد شكل خطوة نوعية جعلت أغلب مكونات الحركة النسائية تتفاعل معها بشكل إيجابي. مبررها في ذلك هو التقدم الحاصل بالمقارنة مع دستور 1996 والفصول التي نصت بوضوح على ضرورة تمتيع النساء على قدم المساواة مع الرجال بكافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنصيص من جهة أخرى على إقامة مجلس أعلى للمناصفة سيتم توضيح مهامه واختصاصاته في قانون تنظيمي ستتم مناقشته وتبنيه في القادم من الأيام.
والجدير بالملاحظة أن نقاشا كبيرا اخترق مكونات الحركة النسائية سواء فيما تعلق أولا بالموقف من حركة 20 فبراير، على الأقل في بداية انطلاقها، أو فيما هم النقاش حول بنية النظام السياسي المغربي وربط ذلك بحقوق المرأة. فبالنسبة للموقف من الحركة، برز رأي عبر عن نوع من التخوف زاده حدة التحاق تيار العدل والإحسان بل وهيمنته، وهو التيار الذي سبق له وأن عبر في السابق عن مواقف معارضة لإصلاح مدونة الأحوال الشخصية، مما يمكن اعتباره تخوف مشروع، ورأي آخر اعتبر أن الشعارات التي تم رفعها من طرف الشباب (حرية-كرامة-عدالة اجتماعية) ليست حكرا على تيار دون آخر، وأن محاربة الفساد المستشري في بلادنا الذي يعرقل أية إمكانية للتقدم في مسلسل التنمية، بما له من انعكاسات سلبية على الفئات العريضة التي تعاني من الفقر وضمنها النساء، يمكن أن يتقاسمها عدد من الفاعلين السياسيين من مختلف المشارب والأطياف السياسة والأيديولوجية، بحيث لا يمكن اعتبار ذلك مبررا لعدم الانخراط في الحراك الذي كان له الفضل في نهاية المطاف في تحقيق ما تم اعتباره مكتسبات. أما بالنسبة للموقف من بنية النظام، وحتى وإن لم تتم مناقشة كل أبعاد الموضوع بوضوح وبشكل صريح، فقد تم التلميح إلى المكتسبات التي تم تحقيقها في ظل النظام القائم والتعبير عن تخوف إمكانية التراجع عن ذلك في حال وصول التيار الإسلامي (العدالة والتنمية)، وبالتالي الإيحاء بالتشبث بالوضع الحالي مما يسمح بتجنب ما لا يمكن أن تحمد عقباه.
يمكن اعتبار هذه الاختلافات وعدم الاتفاق على تقييم المرحلة والحراك عناصر لفهم صعوبة تبني الموقف المشترك. إذ وعلى الرغم من تأسيس شبكة "الربيع النسائي للديمقراطية والمساواة" التي ضمت جل مكونات الحركة التي سبق لها وأن لعبت أدوارا طلائعية فيما تم تحقيقه من مكتسبات في الماضي والتي استطاعت أن تنجح في عدد من المبادرات التنسيقية حول عدد من القضايا، وجدت نفسها، في لحظة مفصلية من تاريخ بلادنا، غير قادرة على تقديم مذكرة مشتركة واحدة للجنة إصلاح الدستور. فقد تم تقديم مذكرة حد أدنى باسم الشبكة وتقدمت جمعيات أخرى بشكل فردي بمذكرتها الخاصة التي ضمنتها ما لم يتم الاتفاق عليه.
نعود للتذكير بأنه ومهما يكون تقييمنا اليوم للوثيقة الدستورية، وحتى وإن ظل الهاجس هو مقارنة دستور اليوم بدستور الأمس لاستخلاص إيجابية الأول، فما يمكن أن نتوقف عنده هو سؤال التفعيل وتحدي التأويل.
فإذا كان الدستور الحالي قد جاء بالكثير من الإيجابيات بخصوص حقوق المرأة التي لا ينبغي إنكارها، فالمشكل المطروح اليوم هو تفعيل وإعمال ما جاء به من مقتضيات. وهو سؤال له ما يبرره، من جهة لأن التنصيص القانوني وعلى الرغم من أهميته ليس كافيا حين تغيب الإرادة السياسية. لقد رأينا كيف أن التنصيص على المساواة في الترشيح والانتخاب التي جاءت في الفصل الثامن من دستور 1962 لم تتم ترجمتها وظلت النساء غائبات عن المؤسسة التشريعية إلى حدود 1992 لتلج امرأتين يتيمتين البرلمان ولم تصل النسبة إلى ما يناهز 11%إلا بعد أن تم التوافق على اللائحة الوطنية. نفس الشيء بالنسبة للجماعات حيث بقيت النساء مغيبات بها لمرحلة طويلة.
من جهة أخرى، لاحظنا كيف تم التعامل مع موضوع المناصفة (في الحقوق السياسية) لحظة المناقشة والتصويت على القوانين التنظيمية للغرفتين والاكتفاء بحد أدنى لم يرضي نهائيا مكونات الحركة النسائية، انضاف إليه تعيين وزيرة واحدة في حكومة تعتبر اليوم رجالية ولربما حتى ذكورية، شكل صدمة لجل المتتبعين للشأن السياسي. إن تنزيل الدستور بتأويل يحترم روحه ويعطيه نفسا حقوقيا، على الأقل في المستوى المتعلق بوضع النساء المغربيات لا شك سيخضع لحظة مناقشة القوانين التنظيمية، لميزان القوة السياسي الذي سيؤثر عليه حسب قوة هذا الاتجاه أو ذاك. وهنا لابد من الإقرار والاعتراف بضعف التيار الذي ساند تقليديا قضية المرأة ودافع عن الاعتراف بحقوقها. ضعف يمس كل مكونات هذا الجسم بما في ذلك الحركة النسائية التي كان لها الفضل الكبير سابقا في حفز والتأثير والضغط والترافع والتأطير والتواصل والنضال من أجل أن تصبح قضية الحقوق الإنسانية للنساء في جوهر الأجندة الوطنية.
إن الحركة النسائية مطالبة اليوم بالقيام بمراجعات كبيرة سواء فيما يتعلق بمرجعيتها، أو أسلوبها التنظيمي أو تحالفاتها أو إستراتيجيات عملها وما يرتبط بذلك من إشكالية الخلف (relève) التي تطرح بدورها مشكل الديمقراطية الداخلية. مراجعات تشكل في عمقها رهانات وتحديات لا يمكن الاستهانة بها والتي لا محالة ستساعد على التقدم فعليا في ربح رهان التفعيل القائم على التأويل الإيجابي لدستور علقت عليه آمالا كبيرة. فلنجعل مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة (8 مارس) فرصة للتقدم في التصدي لإشكاليات وقضايا لم تعد تحتمل التأجيل اليوم.