واكب مد بشري الإثنين في طهران نعوش قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس ورفاقهما الذين قضوا في الضربة الأميركية في بغداد الجمعة. وكما حصل الأحد في الأهواز (جنوب غرب) وفي مشهد (شمال شرق)، تجمع سكان طهران بأعداد غفيرة لتكريم الجنرال سليماني، غداة إعلان طهران التراجع عن التزامات جديدة بموجب الاتفاق النووي، وسط تصاعد التوتر مع واشنطن. وفي ظل المخاوف من انفجار كبير في المنطقة، يعقد حلف شمال الأطلسي الإثنين اجتماعا لسفراء دوله الأعضاء لبحث الأزمة بين إيران والولايات المتحدة، بعد الضربة الأميركية التي أدت إلى مقتل الجنرال سليماني والمهندس وثمانية أشخاص آخرين الجمعة قرب مطار بغداد. وسارت حشود غفيرة من النساء والرجال باكرا صباح الإثنين وسط برد قارس على طول جادتي انقلاب (ثورة) وأزادي (حرية) وجوارهما، رافعين رايات حمراء بلون دماء « الشهداء » وأعلاما إيرانية، وأعلاما لبنانية وعراقية. وأدى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بصوت يغص من شدة التأثر صلاة الميت أمام نعشي سليماني والمهندي وأربعة إيرانيين آخرين. وغادر خامنئي والشخصيات الأخرى الحاضرة وبينها الرئيس حسن روحاني والقائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قآني ورئيس البرلمان علي لاريجاني وقائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، الموقع قبل أن تحمل النعوش لشق طريق لها عبر الحشود. قال رجل ثلاثيني من المشيعين لوكالة فرانس برس « كان بطلا، هزم داعش » في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، مضيفا أن « ما فعلته أميركا هو بالتأكيد جريمة ». من جهته، أكد الموظف مهدي قرباني الذي اصطحب زوجته وطفله « هذه رسالتنا لأميركا: سنضربكم وسنجعلكم تدفعون ثمن الدم الذي أريق بسببكم ». وتصاعدت بين الحين والآن هتافات « الموت لأمريكا » و »الموت لإسرائيل »، مختلطة بلحظات خشوع وصمت. وقال رجل أعمال في ال61 من العمر عرف عن نفسه باسم افخمي لوكالة فرانس برس « يجب أن نوجه ردا ساحقا ». واضاف « يجب أن نستهدف أي قاعدة عسكرية لهم في المنطقة. يجب أن نهاجم كل ما هو في متناول صواريخنا ». وأعلنت زينب ابنة الجنرال سليماني أن « شهادة والدي ستؤدي إلى انتعاش المقاومة وستجعل أميركا وإسرائيل ترتجفان ». وحضر إلى طهران أيضا رئيس المكتب السياسي في حركة حماس الفلسطينية اسماعيل هنية. وحمل رجل لافتة كتب عليها بالإنكليزية « ثأر فظيع »، فيما تدعو لافتات أخرى بالإنكليزية أيضا إلى الانتقام لمقتل الجنرال سليماني. أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني عن « ملايين » المشيعين. وعنونت صحيفة « ارمان » الإصلاحية الإثنين تعليقا على الحشود الهائلة في وداع الجنرال سليماني في مشهد الأحد « جنرال الحب محاط بمد بشري ». وكتبت صحيفة « كيهان » المحافظة المتشددة على صفحتها الأولى « صرخة واحدة عبر جموع المسلمين: ثأر! ثأر! ». وتوعدت طهران ب »رد عسكري » و »انتقام شديد » سيضرب « في المكان المناسب في الوقت المناسب ». ويخشى العالم منذ اغتيال الجنرال سليماني تصعيدا خطيرا. وفيما ترتفع اصوات من عدة عواصم داعية إلى « خفض التصعيد » و »ضبط النفس »، يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب التصريحات النارية التي تؤجج الأزمة. وتوعد ترامب إيران الأحد ب »انتقام كبير » إذا شنت هجوما على منشآت أميركية في الشرق الأوسط، مهددا العراق أيضا بعقوبات « شديدة » بعد ساعات من مطالبة البرلمان العراقي الحكومة ب »إنهاء تواجد » القو ات الأجنبي ة في البلاد في قرار اثنت عليه إيران. وسقطت قذائف مساء الأحد كما في اليوم السابق قرب السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، بدون أن تتسبب بوقوع ضحايا، بحسب ما أفاد شهود. وأطلقت عشرات القذائف على مدى أكثر من شهرين على مناطق يوجد فيها دبلوماسيون وعسكريون أميركيون في العراق، ما تسبب بمقتل متعاقد أميركي في نهاية كانون الأول/ديسمبر. وفي هذا السياق، أعلنت إيران الأحد « المرحلة الخامسة والأخيرة » من برنامجها القاضي بخفض التزاماتها الدولية بموجب الاتفاق النووي، مؤكدة التخل ي عن « كل القيود المتعل قة بعدد أجهزة الطرد المركزي ». غير أن الجمهورية الإسلامية أك دت في الوقت نفسه أن « التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية » التي تفرض رقابة صارمة على البرنامج النووي الإيراني « سيستمر كما في السابق ». وردا على ذلك، دعت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إيران إلى العدول عن الإجراءات التي تتعارض مع الاتفاق النووي.