لنقل في هذه الحلقة إن أي منظومة عملية إلا وتخضع لثلاث مسلكيات منهجية ضرورية في إطار الفعل الواعي والوازن. أولاها التخطيط للفعل، ثم تنفيذ الفعل، ثم تقويم هذا الفعل. أو ما يسمى في الإديولوجيات بالتنظير والممارسة والنقد. نقول هذا الكلام لأن لا تقويم مع العشوائية والفوضى. ولذا، ففي البداية لابد أن يخضع هذا الفعل التدريبي لوجود تخطيط واضح يحدد الأهداف بدقة وينتقي من الوسائل ما يتلاءم مع إنجاز الفعل ويدفع العجلة في اتجاه تحقيق هذه الأهداف. ثم بعد ذلك يعقب هذا الإنجاز أو الانتهاء من الفعل عملية تقويم لتحديد مدى تحقق الأهداف المعلنة مسبقا..أو هو عبارة عن مقارنة بين ما خطط وما أنجز. إن التقويم هو مجموع الإجراءات والعمليات التي نقوم بها بغية التعرف على درجة تحقق أهداف الدورة. والغرض منه الحصول على معلومات تمكن من اتخاذ القرارات الملائمة من أجل حسن وجودة الأشكال التدريبية المقبلة. وللتقويم خاصيتان هما خاصية الشمولية وخاصية الاستمرارية. أما خاصية الشمولية فمعناها أن التقويم يشمل كل حلقات وأجزاء الدورة ويتعرض لها بالفحص والتدقيق من أجل تحديد مواطن القوة والضعف، ومواطن الخطإ والصواب..ابتداء من التخطيط للفعل ومرورا بالتنفيذ والإنزال إلى الختم وترتيب الوسائل والحاجيات المستعملة. كما أن التقويم ذاته يتعرض للتقويم والفحص. أما خاصية الاستمرارية فمعناها أن التقويم يشكل ضربة لازب بكل فعل أو نشاط أو دورة، كبيرا كان أو صغيرا. وما جدوى تقويم فعل ما والتخلي عن تقويم فعل آخر، ولذلك فالاستمرارية في نهج تقويم الأفعال والأنشطة معناه وجود وعي، واتزان فكر، وحضور منطق وإرادة التحول نحو الأفضل وتجاوز السلبيات واستبدالها بكل ما هو داعم ومقوي ومفيد. إن الفعل الذي لا يعقبه تقويم تتكرر أخطاؤه وتعاد على مدار الزمن. ولذا يتوجب على كل مدرب أن يجعل التقويم سلوكا طبيعيا وعاديا، بل ويعتبره جزءا لا يتجزأ من العملية التدريبية برمتها. وما تجدر الإشارة إليه والتنبيه عليه ليأخذه المدرب بعين الاعتبار هو أهمية تحديد الحاجيات التدريبية في تقويم نتائج الدورة أو الفعل التدريبي. فعملية تحديد الحاجيات تعتبر جزءا مهما في الحقيبة التدريبية التي يعدها المدرب، وحتى لا ينحرف التقويم عن مساره الطبيعي ويحقق نتائج صحيحة تعبر عن حقيقة الصواب والخطإ والغث والسمين، فلابد من توفر دقة وصحة المعلومات المتعلقة باحتياجات المتدربين، لأنها تعد بمثابة الأرضية التي ستبنى عليها عملية اتخاذ الإجراءات وصنع القرارات، لهذا تتم عملية جمع المعلومات عن احتياجات المتدربين قبل عملية تسطير برنامج التدريب، وأي برامج تدريبية لم تبن على معلومات صادقة عن الحاجات الفعلية للمتدربين، لابد وأن يكون مصيرها الفشل في تحقيق أهدافها. وعادة ما يتم التوصل إلى معرفة احتياجات المتدربين باتباع ما يعرف بعملية تقدير الاحتياجات، وهي عملية منظمة تفضي إلى معرفة الفجوة بين ما يعرفه المتدرب فعلًا وما يجب أن يعرفه. والمصادر التي يمكن الاستعانة بها لجلب المعلومات والمعطيات لتحديد الحاجيات قد تكون عبارة عن استمارات واستقصاءات رأي تملأ من طرف المتدربين أثناء التسجيل في الدورة. كما يمكن الحصول عليها عن طريق المؤسسات التي تقوم بتوظيف المتدربين أو مؤسسة تعليمية ضابطة للحاجيات التي يحتاج إليها الطلبة أو التلاميذ. إن العلاقة المتلازمة للتقويم بالأهداف تجعلنا نؤكد بأن الهدف الرئيس من التدريب هو سد احتياجات المتدرب، والتدريب يجب أن يصمم ليقلل من هذه الاحتياجات، كما يمكن القول بأن العلاقة بين عملية التدريب والاحتياجات التدريبية علاقة سببية، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون هناك تدريب ناجح وفعال إلا إذا سبقه تحديد وتقدير لاحتياجات المتدربين. كما لا يمكن أن يكون هناك تقويم فعال ومجدي إن لم يكن لدينا العلم الدقيق بكل الحاجيات لدى المتدربين.