أزمة أمينتو حيدر وعقار جطو سرعا برحيل بنموسى عبدالاله سخير. جريدة المساء. كشفت مصادر مطلعة أن التعديل الحكومي الأخير الذي أبعد أربعة وزراء عن تشكيلة حكومة عباس الفاسي قبل محطة 2012، حمل عدة رسائل، منها ما هو واضح وآخر مشفر. أولى هذه الإشارات تتعلق بوزارة الداخلية بأنها تبقى من المربعات المقدسة والمجالات الخاصة بالملك، و أنه حتى من يحسبون بكونهم مقربين من الملك، في إشارة إلى فؤاد عالي الهمة، أمامهم خطوط حمراء لا يتعين الاقتراب منها، فتعيين مولاي الطيب الشرقاوي على رأس هذه الوزارة قادما إليها من مركز صناعة القرار بالجهاز القضائي الهدف من ورائه إعادة التوازن بين القوى السياسية وإعطاء الهالة الأمنية التي كانت تعرف بها هذه الوزارة، ووضع حد للاختلالات الأمنية المسجلة في المدة الأخيرة و نتح عنها ارتفاع ملموس في نسبة الجريمة و شيوع الإحساس بانعدام الأمن بعدد من مناطق المغرب. الطيب الشرقاوي حل محل بنموسى بنفس المكان الذي كان يقيم به المقيم العام القديم لسببين سرعا من مغادرة بنموسى لمنصبه. أول سبب مرتبط بالتدبير الكارثي لما عرف بأزمة أمينتو حيدر التي كشفت عن غياب رؤية إستراتيجية وبعد نظر لما ستؤول إليه الأمور كادت ستتسبب للمملكة في عزلة عن أوربا. والسبب الثاني مرتبط بما عرف بالملف الساخن المتعلق بعقار جطو حيث لم يتحل بنموسى بالشجاعة الكافية للحسم في هذا الملف واتخاذ قرارات سريعة وشفافة، ناهيك عن تأخره في تحويل الملف للجهات المختصة للنظر فيه. نقطة ضعف الشرقاوي كونه طيلة مساره المهني كان رجل ظل يشتغل على الملفات داخل مكتبه الوفير وليس رجل ميدان، علما انه مطالب الآن بتدبير عدد من الملفات الثقيلة والحضور المستمر في الميدان بالجهات والأقاليم والعمالات. الشرقاوي يجد نفسه في هذه المهمة مساندا من قبل أطر وزارة العدل الذين سيجدون فيها الجسر الذي سيمكنهم من التنسيق مع وزارة الداخلية. كما أن الشرقاوي سيكون مسنودا من قبل ابن منطقته ياسين المنصوري مدير مديرية الدراسات والمستندات “ لادجيد”، فكلا الرجلين ينتسبان إلى الشرفاء الشرقاويين. بالنسبة للهمة ودهاقنة حزبه الذين ألفوا الدعم الذي كان يقدمه لهم بنموسى يتوجسون من الوافد الجديد على هذه الوزارة المعروف عنه بكونه رجل المساطر القانونية بعد أن صار لزاما عليهم أن يجربوا حظهم على قدم المساواة مع باقي المكونات السياسية الأخرى، كما عليهم منذ الآن أن لايتصرفو وكأنهم مشروع سياسي يعبر عن دوائر عليا. بعض رجال الاعمال أيضا غير راضين عن الوافد الجديد حيث صار عليهم أن يتعاملوا مع وكيل الملك وليس مجرد وزير للداخلية. من جهة أخرى، ذكرت المصادر ذاتها أن تعيين إدريس لشكر وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول مكلفا بالعلاقة مع البرلمان يحمل رسالة ثلاثية الأبعاد. فإعفاء الراضي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي من منصب وزارة العدل فيه تذكير بأن الأحزاب لا يجب أن تطلب من الملك إعفاء الوزراء من مهامهم الوزارية، خاصة إذا كان ذلك يتعلق بأسباب داخلية، فتكتيكيا ترك الملك الراضي في مهامه وأسند إليه مهمة إصلاح القضاء، وعندما أحس الملك بأن الراضي اندمج في هذا المشروع قرر إنزاله من مركب الحكومة، حيث مارس محمد السادس مهمته كملك يحكم بشكل كامل ويتصرف في وزرائه بالشكل الذي يريد هو وليس كما يريدون هم. المغزى الثاني من تعيين لشكر تكشف عنه المصادر ذاتها، إذ أن هذا الأخير كان من أكبر المدافعين داخل حزب الوردة عن فكرة الانسحاب من الحكومة ونزل بكل ثقله لإقناع رفاقه للضغط في هذا الاتجاه، وتعيينه الآن وزيرا سيجعل منه شخصا غير ضار، خاصة في حلته الوزارية الجديدة، وحتى غريمه في الحزب عبد الواحد الراضي لن تكون له عليه أي سلطة لسبب وجيه هو أنه ليس من اقترحه للاستوزار في هذا المنصب. وفيما يخص الهزة التي أصابت حزب التجمع الوطني للأحرار من خلال فقده حقيبتين وزارتين، الأولى تخص بوسعيد الذي كان يشغل منصب وزير السياحة، ومحمد عبو، الذي كان وزير تحديث القطاعات العامة، فإن الهدف من هذا التعديل ليس كما يمكن أن يتصور البعض، أي عجزه عن تحقيق رؤية 2010 وجلب 10 ملايين سائح وإنما بعثرة أوراق فؤاد عالي الهمة الحليف الاستراتيجي لمزوار، متزعم الحركة التصحيحية داخل حزب الحمامة، الذي يعد بوسعيد ذراعه الأيمن في هذه الحركة، فتنحية هذا الأخير تعد ضربة قاصمة لمزوار. من أكبر المفاجآت التي حملها التعديل الحكومي الأخير تعيين نقيب المحامين السابق محمد الناصري عن عمر يناهز 71 سنة. ويرى محمد السوكري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، أن إبعاد عبد الواحد الراضي عن وزارة العدل فيه إشارة واضحة أن الملك استرد إحدى وزارات السيادة التي تم تفويتها للأحزاب خلال السنوات الأخيرة، وهي رسالة ضمنية بكون الحزبيين غير مؤهلين بعد لتسيير دواليب هذه الوزارة. أما العامل الذي يقف وراء إبعاد شكيب بنموسى، خريج مدرسة القناطر، عن وزارة الداخلية وتعويضه برجل متمرس في السلطة القضائية فيعود، حسب المختص في العلوم السياسية، إلى الضعف الذي طبع مسار بنموسى طيلة الفترة التي قضاها على رأس أم الوزارات وعدم ضبطه وتحكمه في الولاة والعمال، إلى جانب الأخطاء الجسيمة التي تميزت بها العملية الانتخابية الأخيرة. وبالنسبة لإعفاء محمد عبو، يشير أستاذ العلوم السياسية، في تصريح ل”المساء”، إلى أن عامل إعفائه من مهامه مرتبط بالضعف الذي تميز به تدبير ملف الحوار الاجتماعي، ونفس الشيء يفسر به إعفاء وزير السياحة محمد بوسعيد، الذي لم يكن موفقا في ما يتعلق بتحقيق رؤيا 2010 وحلم جلب 10 ملايين سائح.