حين بدأ نظام بن علي في تونس يعطس ويترنح، أصيبت باقي الأنظمة العربية بالزكام الحاد والدوار الشديد..وبعد سقوط نظام بن علي المفاجىءوالسريع، تبعه النظام المصري المترهل وقامت شعوب عربيةأخرى مقهورة من قبورها بعد بيات شتوي طويل لتعلن رفضها أنظمة قمعية لم تأخذ بعين الاعتبارطوال تاريخهاالمديد آراء أبنائها وتفكيرهم وحتى في بعض الأحيان آدميتهم..هكذا ثارت بعد تونس ومصركل ليبيا واليمن والبحرين وسوريا.. شعوب استيقضت والأمل يحدوها لتحقيق ما حققحته ثورة الفل والياسمين.. شعوب ثارت ضدأنظمة ديكتاتورية أوصلت المواطن إلى نقطة عدم التفكير في البديل، المهم أن ينزاح النظام، وليكن بعد ذلك من يكون، فلن يكون في كل الأحوال أسوأ من الديكتاتورأو فرعون..لكن مع المسار الجديد الذي بدأت تأخذه هذه الثورات العربية الأخيرة مع طول المواجهات بين الثوار والأنظمة في تلك الدول التي يحلم ثوارها بنسيم الحرية والإنعتاق، يتبين للجميع أن تلك الأنظمة وكأنها قد اكتشفت أليات هي بمثابة لقاحات جديدة مضادة للثورات .وهذا ما أكده كاتب يدعى باتريك كوكبرن في مقال له بصحيفة إندبندنت الصادرةيوم22/4/2011 والذي صرح عن وجود أليات مضادة للثورة في عدد من البلدان العربية، بعدما رأى أن زعماء البحرين وليبيا واليمن وسوريا تجاوزوا مرحلة المفاجأة التي سببتها الهبة المفاجئةللثورات الشعبيةوبدت هزيمتهم غير ممكنة. وقال كوكبرن إن أنظمة عربية عديدة كانت تبدو قبل نحو شهرين فقط آيلة للسقوط بسبب موجة انتفاضات الشعوب فيها، لكن هذه الأنظمة مع الوقت اكتسبت قوة مكنتها من التقاط أنفاسها لتشن هجوما مضادا رغم ضغوط القوى الديمقراطية وصوت الشارع الصاخب.. فالحكومة البحرينية بدعم خليجي تمكنت من دحر المعارضة وسجن زعمائها..وليبيافي إطار خطة زنكة زنكة لمجنونها بدأت تستعيد بعض المناطق التي خرجت تحت سيطرتها لولا تدخل الدول الأجنبية التي أعادت الكفة نسبيا لصالح الثوار.. وانتفاضة اليمن بفضل مراوغات ومكر صالح لازالت تراوح مكانها..وحتى سوريا لازال رئيسهاالذي يعد الشعب بالأصلاح قولا وبدون فعل فعلا يعتزم البقاء على رأس السلطة رغم أنهار الدماء والمظاهرات اليومية المطالبة بالحرية..شعوب دول أخرى تتحرك تحت الرماد كانت تريد اللحاق بقطارالثورة هي بدورها تنتظر وكأنها قد أصابها الجمود والشلل بسبب مايجري في تلك الدول المنتفضة والتي لايستطيع ثوارهاحسم المعركة،أو بسبب مايجري في بلدانها ذاتها من تقتيل واعتقالات أو ترهيب أو إبرام صفقات علنية وسرية مع زعماء الإحجاجات لشراء الذمم وتجنب موجات تسونامي الغليان الشعبي.. صندوق النقذ الدولي الذي كا ن يتغاضى عن فساد أغلب حكومات الدول العربية من جهته لم يبق مكتوف الأيدي، وهويرى في تقرير التنمية بالعالم إن البطالة المرتفعة وانعدام المساواة يمكن أن يتضافرا مع ضعف الكفاءة الحكومية أو مشاكل الفساد والمساءلة وانتهاكات حقوق الإنسان لإفراز مخاطر الصراع والعنف. وقال التقرير إن الدول التي تمر بمرحلة تحول من الصراع لا تستطيع الحكومات حل المشاكل وحدها بل ينبغي أن تعقد تحالفات مع المجتمع المدني والمجموعات الوطنية والسياسية المحلية والتجارية والاستهلاكية وغيرها لبناء الدعم، كما ينبغي على الزعماء تحقيق نجاحين أو ثلاثة نجاحات سريعة تولد الثقة لدى المواطنين. وركز التقرير على خمس خطوات عملية استخدمتها عدة دول لربط إجراءات البناء السريع للثقة بتحولات للمدى الطويل. وتشمل تلك الخطوات العمل مع مؤسسات المجتمع بمجالات حفظ الأمن والتوظيف ومد الخدمات وتوفير فرص العمل عن طريق مشاريع ضخمة للأشغال العامة، وبناء برامج لتحقيق الأمن والعدل، وإشراك المرأة في وضع وتنفيذ المشاريع ومعالجة الفساد..هذا فيما يخص اللقاحات التي يراها صندوق النقد الدولي مفيدة في نظره لحالة الدول العربيةالتي تعرف الثورات و الغليان الشعبي. إن المتتبع لأوضاع الثورات العربية وما يجري اليوم في ليبيا واليمن وسورياوالبحرين ، سيرى بأن الثورات في تلك البلدن قد اتخدت مسارا مختلفا عن ذاك الذي سلكته سابقتاها التونسية والمصرية،وهذا مالاحظه أيضا العالم السوسيولوجي الفرنسي إدغار موران حين صرح في جريدة لومند الصادرة يوم 26/05/2011وقال أن الربيع العربي الذي بدأبتونس ومصر بدأت تخيم عليه الغيوم والضباب بسبب مايجري اليوم في ليبيا واليمن وسوريا.وهنا نتساءل، مرة أخرى، كيف يمكن أن نفسر السقوط السريع والمفاجىء لنظام بن علي بتونس ومبارك بمصررغم أن تلك الدول تملك أجهزة قمعية تعتبر من أعتى الأجهزة القمعية في العالم؟، وكيف نجحت الأنظمة الأخرى التي تعرف شوارعها سخطا شعبيا عارمااليوم في خلق أليات مضادة للثورات وخلق وضع من الجمود؟، يبدو مع هذا الوضع الجديد أن الثورات العربية اتخدت منعطفا آخروهذا ما لاشك فيه، وهذا يستدعي من الثوار والحركات الإحتجاجية تغيير معها خططهم وإعادة قراءة مايجري حولهم على أرض الواقع لإعادة ترتيب أوراقهم بناء على المعطيات الجديدة التي تشهدها الوقائع الميدانية الجديدة للثورات لتفادي مآزق تطرحها استراتيجية الثورة وآليات الثورةالمضادة والتي حولت ليبيا اليوم إلى حالةحرب حقيقيةبين الثوار وقوات القذافي وبتدخل أجنبي أيضا... فواضح جدا أنه قلمايوجد حاكم عربي مستبد سيقبل أن يتنازل عن كرسيه إلا تحت سيول جارفة من الدماء.. وواضح جداأنه في حالة نجاح أليات الثورات المضادة في ليبيا واليمن وسوريافإنها ستشكل نماذج يقتدى بها لدىبعض الحكام الذين ينتابهم القلق حول مايجري حولهم في الدول العربية الثائرة..وواضح جدا أيضا أنه في حالة نجاح الثورات الشعبية في تلك البلدان رغم طول الصراع وثقل التكلفةأن أغلب المستبدين سيتنحون مع أول هبة شعبية حتى لايكون مصيرهم مثل مصير مبارك الذي سقط من أعلى هرم السلطة إلى أسفل سافلين ليصيربين عشية وضحاها يقضي أيامه المأساويةمع أمراض شيخوخته بين المستشفيات العسكرية وسجون شرم الشيخ والقاهرة وهو في ذمة التحقيقات، ولا أحد يرحم عزيز قوم أذل بما اقترفت يداه من جرائم فساد ولو كان من بطانته وجرائم قتل المتظاهرين الأبرياء أثناء الثورة. وهذا طبعا، مصير كل طاغية نجحت الثورة في الإطاحة به من علياء سمائه..وهل سيتعظ الطغاة في الأرض بمصير مبارك ويبادروا إلى التغيير ومحاربة الفساد والمفسدين قبل فوات الآوان؟.. —————– محمد حدوي