في بداية انطلاق الحراك الشعبي بالريف صرحت لاحدى الجرائد الالكترونية /بديل انفو، ان على الدولة الركون الى الحوار مع نشطاء الحراك لحل المشاكل التي تعاني منها المنطقة و ساكنتها . وأن تعمل على جعل الملف القضائي للشهيد محسن فكري قدوة في إظهار إرادة الدولة المضي في كشف الحقيقة كاملة ومحاسبة المسؤولين عنها وكذا معالجة أسبابها . ونبهت حينها الى ما قد ينتج عن أي مقاربة أمنية عنيفة للتعامل مع الحراك ونشطاءه من تداعيات سلبية قد تخلق توترا ترابيا جديدا على شاكلة الوضع التي تشهده الصحراء المغربية , حتى وان اتخذ شكل ما يطلق عليه علماء النفس" بوهم الحقيقية ". او كذبة يكفي تكرارها لتتحول الى حقيقة كما كان يقول جوزيف غويلز مسؤول الدعاية السياسية للحكومة النازية. وهي المقاربة التي قد تدفع البعض إلى استغلال الوضع المحتقن الى اتخاذ مواقف متطرفة خاصة وان بعض مؤشرات ذلك كانت قد بدأت بالظهور من خلال بعض الشعارات، واستعمال بعض الرموز التاريخية الكامنة في الذاكرة الجماعية للمنطقة التي عملت الدولة تاريخيا على تهميشها وطمسها. علما كذالك اني نبهت في حينها نشطاء الحراك الى هذه الانفلاتات التي لا تخدم في شيء مطالب الساكنة، بقدر ما تستغل من طرف أجندات تعمل لخدمة اطراف اجنبية أو داخلية تحاول استغلال الموروث التاريخي للمنطقة، وكذا حالة الاحتقان التي تخترق العلاقة المتوترة تاريخيا بين الريف والدولة المركزية . بل واذكائها من أجل تمرير اما مشاريع سياسية خارجية لتصفية حساباتها مع الدولة المغربية ، أو داخلية لخلق الظروف المناسبة لتبرير استعمال القمع المفرط لإخماد شعلة الحراك . بالتالي عمدت بوعي او بدون وعي الى خلق كل أسباب تبرير استعمال المقاربة الأمنية بما فيها حشد الدعم الحكومي من خلال دفع أحزاب الأغلبية الحكومية الى إصدار بيانهم المشؤوم الذي يتهمون فيه الحراك ونشطاءه بالانفصال والتآمر . اضافة الى غض الطرف عن مجموعة من العناصر التي كانت دائمة القدوم من الديار الأوروبية عبر المعابر الرسمية ومعها الكثير من أدوات التعبئة لإذكاء حماسة بعض المتطرفين المتواجدين في الحراك ،دون ان يدرك القائمون على هذه الاجندة الداخلية، القصيرة النظر، انهم يلتقون استراتيجيا مع اجندات خارجية غايتها خلق بؤر توتر داخلية . وهو ما اشتغلت عليه و وظفته لاحقا المخابرات الجزائرية التي عمدت الى استقطاب بعض العناصر المتطرفة خارج الوطن ،و تمويلها بكل ما تحتاجه من امكانيات لوجستية ومالية من اجل تأسيس ما سمي "بحركة اسقلال الريف " التي تكثف مفهوم "وهم الحقيقة" عند علماء النفس.علما ان هذه الحركة لا تتمتع على اي امتداد واقعي في الريف ، او تعاطف من اهله .وهي المنطقة التي كانت دوما مدافعة عن وحدة اراضي البلاد، ومقاومة كل الاطماع الاستعمارية ابتداء من الحركات الجهادية في شمال المغرب في القرن السابع عشر، الى حدود المقاومة الريفية بقيادة الامير محمد بن عبد الكريم.بالتالي فأن الريف لم يكن عبر التاريخ انفصاليا حتى عندما كانت شروط ذلك متوفرة علاقة بالضعف الذي كان ينخر جسم السلطات المركزية في مراحل تاريخية كثير .وذلك لسبب بسيط ان الريف، كارض و ساكنة مفعمة بمقاومة الاجنبي الدخيل، هو الاصل .والاصل لا ينفصل على الفرع الذي يتم اختزاله في العواصم السياسية للدولة والتي يمكن تغييرها حسب رغبة الحكام. لكن ما انبه اليه هو ان وهم الحقيقية حسب الاصطلاح النفسي يمكن ان يتحول الى حقيقة عن البعض في المهجر. خاصة مع ما شهدته المنطقة في السنين الأخيرة من هجرات جماعية للشباب في اتجاه أوروبا الذين يعيشون ظروفا قاسية تسهل عملية استقطابهم ،خاصة مع ما تضخه المخابرات الجزائرية من أموال لخدمة أجندتها القاضية الى خلق بؤرة توتر ترابية جديدة في منطقة الريف، ولو على حساب مصلحة مواطنيه ومواطناته الذين اصبحوا يعيشون بين مطرقة الجزائر و سندان بعض المسؤولين الأمنيين المغاربة الذين يحملون حقدا دفينا للريف. و يعتبرون المقاربة الامنية السبيل الأنسب لتهدئة الاوضاع بالمنطقة و تبريد الرؤوس السخنة كما يقولون . علما ان المنطقة تحتاج لمسؤولين عقلاء قادرين على لملمة الجراح التي تتخم علاقة الريف وأهله بالدولة المركزية. مع الاستجابة لمطالبهم المتمثلة في إطلاق ما تبقى من معتقلي حراك الريف ،و حقهم في التنمية المستدامة والكرامة، وعدم التضييق على الحريات و تشجيع المبادرات المدنية الجادة لأبناء المنطقة، وحفظ ذاكرتهم الجماعية بما تحتويه من رموز تشكل في نفس الآن ذاكرة مشتركة لجميع المغاربة. بهذا فقط اذن ، يمكن دحض كل مشاريع التجزئة التي يخطط لها البعض سواء كانوا دولا أو أفرادا . خلاصة القول نحن في الحاجة الى عقلاء لتدبير قضايا الريف وكل الوطن. د.تدمري عبد الوهاب طنجة في 30 نونبر 2024