ترددت كثيرا قبل أن أوجه إليك هذه الرسالة بشكل مفتوح.. فقد جمعتنا صداقة حميمية لأزيد من 15 سنة، صداقة كان منطلقها الأساس قوة الضمير والنزاهة الفكرية والإخلاص… هذا المنطلق سابق على الالتزام السياسي المشترك لأن المهم ليس أن تكون معي في نفس الحزب بل أن نتقاسم القيم الإنسانية وصفاء الضمير والإخلاص لهذه القيم إلى النهاية… لقد تألمت، يا صديقي السابق، مما أقدمت عليه بشكل لا يطاق كما تألم كل الذين أحبوك وقدروك دون انتظار أي مقابل منك.. تألمت لأنك تخليت، هكذا بباسطة. عن كل هؤلاء واخترت جماعة أخرى وأصدقاء آخرون أنت تعرفهم حق المعرفة وتعرف ما يريدون لأنفسهم وما يريدون منك بالذات.. هل سيحبك هؤلاء كما أحببناك بصدق؟ هل سيقدرونك كما قدرناك؟ لقد تجرعت بمرارة خبر التحاقك بجماعة لن تستطيع أن تكون منهم أبدا… فلا أتصور ان ذلك الضمير الحي لذلك الرجل الريفي الشامخ الذي كنته سينمحي هكذا في رمشة عين.. لا أتصور أن جسد بودرا سيصبح بدون روح وتسكنه روح أخرى مناقضة تماما.. أخشى عليك يا صديقي من مرض انفصام الشخصية! شخصية أمام أصدقائك الجدد وشخصية أخرى كامنة قد تستيقظ عندما تأوي إلى فراشك وتتذكركل شئ…. لقد تسببت لنا في ألم فضيع أنت الطبيب المقتدر الذي كان يتألم لتألم نملة فكيف تسمح لنفسك أن تؤلم كل من أحبوك ووثقوا بك وبؤوك مكانة قلما يحلم بلها قادة من الأجيال الجديدة.. راهنا عليك لتكون أحد قادة الريف الكبار.. منذ البداية لمست فيك هذه الإمكانية.. وأن تكون قائدا كبيرا لابد من شئ جوهري هو الضمير الحي والإخلاص لمبدأ.. لم يخلد التاريخ أبدا اسم قائد تخلى عن مبادئه وعن قناعاته بسبب مصالح صغيرة وقد تكون تافهة… ماذا تريد؟ رئاسة… لقد كنت رئيسا وبعد؟ هل رئاسة مجلس بلدي مهمة إلى هذا الحد؟ ماذا في هذه الرئاسة من أمور لا نعرفها؟ ما أعرفه أن رئاسة مجلس بلدي هو تعب يومي وجهد فكري وجسدي دائم… ولا مصالح شخصية، مبدئيا، وراءها.. الرئيس النزيه لاتهمه كثيرا أن يكون رئيسا أو لا يكون.. فماذا في هذه الرئاسة التي تسقط رجالا من عيارك؟ ماذا تريد؟ وزارة؟ وبعد ماذا في هذه الوزارة؟ أموال؟ أنت طبيب مقتدر وأنت أحد أفضل الاختصاصيين في مجالك، وبإمكانك الحصول على أموال هامة في القطاع الخاص.. هل تذكر عندما رفضت العمل خارج القطاع العمومي لانك تريد المساهمة في علاج أبناء الشعب؟ هذا هو بودرا الذي عرفته… ماذا في الوزارة إذا سمح بها الوسطاء الذين يشتغلون لحسابهم و ليس لحسابك بالتأكيد، هل المكانة المعنوية؟ كنت في أعلى مكانة: قيادي حصل على المرتبة الثالثة في انتخابات المكتب السياسي لحزبك، رئيس يحترمه الخصوم قبل الأصدقاء، حب وتقدير لا مثيل له. ماذا تريد؟.. خدمة الريف بواسطة ثلة من الأصدقاء يتواجدون بالرباط؟ أليس هذا الرهان خطيرا كما قال رابح زعنون؟ ماذا لو تحولت الأمور وأصبح هؤلاء الأصدقاء من المغضوب عليهم، فلاثقة في المخزن كما تعلم. ماذا سيحدث لك ولهذا الريف المسكين إذن؟ “الرجل الكبير” اليوم هل هو أكبر من أفقير ومن إدريس البصري؟ تعرف مصيرهما ومصير أتباعهما، في السياسة تحدث أشياء غير متوقعة. والشئ الوحيد الذي يبقي السياسي حيا مهما تغيرت الظروف هو الثبات على المبدأ… لم أكن أعلم أنك قصير النظر لهذا الحد! عندما تلقينا الخبر، كانت كلمة و احدة يتبادلها كل من أحبوك في كل ربوع الوطن وهي “عزاؤنا واحد في بودرا” تصور.. لا أبالغ وأقسم بشرفي بصحة هذا الكلام.. كأنك رحلت من هذه الدنيا.. وأظن أن الموت الجسدي أرحم لمن مات ثابتا على مبدئه وقناعاته.. لقد رحلت فعلا إلى الضفة الأخرى.. لتجمع الانتهازيين والوصوليين وكل من لا ضمير له.. تألمنا لأنك، ويا للفضاعة، ستكون منهم! بودرا مع تلك الجماعة؟ مازلت غير قادر على التصديق وإلى حين استيقاظ ضميرك والعودة إلى نفسك أو عودة روح بودرا إلى جسد بودرا.. تقبل عتابي النابع من معزة صادقة لبودرا الذي كنته