عبر حقوقيون بالحسيمة عن تخوفاتهم من انحراف التحقيقات التي أمر الملك بإجرائها في المشاريع العمرانية للشركة العامة للعقارات (سي.دي.جي) بالحسيمة، عن مسارها، والحيلولة دون كشف كل الاختلالات التي شابت عمليات البناء في القطب الحضري "بادس" وكل العمليات العمرانية بالمدينة وخارجها التي اضطلعت بها الشركة العامة العقارية، وغيرها من الشركات الأخرى التي أحدثت بدورها تجزئات سكنية دون احترام معايير البناء والتصاميم الخاصة بها. وأثارت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب (فرع الحسيمة) انتباه المتدخلين إلى «أن فضائح المضاربات العقارية بالمدينة تشكل أهم عوائق التنمية وتحديا كبيرا أمام الحكامة، ومرتعا خصبا لانتعاش الفساد بمختلف صنوفه، انفضحت معالمها رغم وجود جدران من السرية و»الكولسة»، وباتت تحت مراقبة الرأي العام». وتترقب الهيأتان إعلان نتائج التحقيقات التي أسفرت عنها اللجان التي تعاقبت على معاينة مختلف مشاريع الشركة العامة العقارية، وتتحفظ بشدة على استثناء مشاريع أخرى لتجزئات سكنية لا تقل اختلالا عن مشاريع الشركة الأولى، سيما مشاريع السكن الاجتماعي الوهمي الذي لا يحمل من هذا الاسم سوى العنوان المثبت على واجهة المشاريع. وطالبت الجمعية والهيأة بفتح تحقيق في تصميم تجزئة «بادس» الذي تعرض للتغيير والتحريف، بدافع الربح، وذلك عبر تضييق الشوارع وإلغاء أخرى وفرت للشركة العقارية العامة ما يفوق من أربعة ملايير سنتيم جنتها من المساحات الأرضية التي حازت عليها بطرق الغش وبكيفية ملتوية ومنافية لروح التصميم الأساسي للتجزئة التي كانت قد أنجزتها شركة العمران. وقالت الهيأتان إن المشروع خرج عن منطق المنفعة العامة الذي بني عليه وعلى أساسه انتزعت الأرض من ملاكها الأصليين بأثمان زهيدة لم تتعد 180 درهم اللمتر الواحد، وكانت الجهات الرسمية قدمت وعودا تلو أخرى بتوفير السكن الاجتماعي والحد من المضاربات العقارية ما لم يتحقق، بل ازداد الفساد وتعمقت ظواهر المحسوبية والتلاعب بالمصلحة العامة وتكرست، مرة أخرى، معادلة إغناء الغني وإعدام المحتاجين الحقيقيين إلى سكن لائق. وطالبت الجمعية والهيأة بالبت في خروقات التجزئة المجاورة لبادس التي تشكل أكبر تشويه للعمران العصري في الوقت الذي كان الرأي العام يتطلع إلى عدم تكرار الجرائم العمرانية التي ارتكبت سابقا بكل من حي المنزه والميناء ، لكن إرادة البحث عن الربح السريع والانتفاع بطرق انتهازية جعلت مصلحة جمالية المدينة آخر شيء يجري استحضاره، خصوصا أن منعشا عقاريا شيد مشروعه فوق بنية ترابية رملية على مشارف واد أبولاي، مطلا على وكر للبناء العشوائي صنعته الآلة الانتخابية للنخب الفاسدة التي تعاقبت على تدبير الشأن المحلي. وأثار الحقوقيون مشروع القنطرة (التحفة الفنية والهندسية) المقامة فوق وادي أبولاي للعبور إلى مدينة بادس»، واصفين إياه بالمسخرة التي تشكل خطرا على مرتادي الطريق الذين يضطرون إلى النزول في منحدر عميق دون أن يتمكنوا من معرفة القادم في الاتجاه المعاكس، متسائلين، في جانب آخر عن المغزى، من تقديم منتوج عمراني بسيدي عابد مخصص للفئات الثرية، بسبب الأثمنة المرتفعة التي تعمدتها شركة العمران للإقصاء الممنهج للفئات الشعبية والمتوسطة، بسبب معايير غير موضوعية تتنافى مع الحاجيات المحلية الملحة. وبعد إشارتهما إلى تلاعبات فندق محمد الخامس (ميركور حاليا)، تساءلت الهيأتان عن الطريقة التي كانت تنال بها بعض المقاولات صفقات بأموال ضخمة، دون احترام المعايير القانونية والمنافسة الشفافة، إذ أن بعضها كان مدينا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بملايير السنتيمات، ورغم ذلك استفادت شركتان من هذا النوع من تشييد مشروع فندق مقام فوق أرضية نادي البحر الأبيض المتوسط. وقالت الهيأتان الحقوقيتان إن التحقيقات يجب أن تشمل كل المشاريع العمرانية التي شابتها خروقات وساهمت في تبديد المال العام من قبل مقاولات ومسؤولين لابد من إخضاعهم للمساءلة، معبرتين عن تخوفاتهما من أن تؤول الأمور إلى تكريس سياسة الإفلات من العقاب للوبيات ظلت بمنآى عن المحاسبة، بل وتستهتر بأي رقابة، رغم ما ارتكبته من جرائم التلاعب بالمال العام وتحريف مسار مشاريع عمرانية أعدت بدافع المنفعة العامة، قبل أن يفاجأ الجميع بآلة المضاربات العقارية تتحرك من أجل الاغتناء الفاحش على حساب المستحقين، سيما موضوع السكن الاجتماعي بالحسيمة.