في محاولة لإنقاذ شعبيته من الانحدار غير المسبوق الذي وصلت إليه، توعد الرئيس الفرنسي ساركوزي يوم الجمعة الماضي في مدينة غرونوبل، التي شهدت أعمال شغب قبل أسبوعين اندلعت بسبب مقتل مواطن عربي حاول الفرار من الشرطة، بانتزاع الجنسية الفرنسية من كل من يهدد حياة ضابط شرطة أو أي شخص مشارك في حفظ النظام. وفي خطابه المثير، ألقى ساركوزي باللائمة على الهجرة وحملها مسؤولية الانهيار الذي يعاني منه المجتمع الفرنسي. وانتقد قوانين الهجرة اللينة التي طبقتها الحكومات الفرنسية طيلة الخمسين سنة الماضية، والتي لم تنجح، حسب ساركوزي، في إدماج المهاجرين في المجتمع. عندما يتحدث ساركوزي عن المهاجرين، فإنه يقصد بالتحديد المهاجرين المسلمين. وعندما نتحدث عن المهاجرين المسلمين بفرنسا، فإننا نتحدث عن المغاربة تحديدا. وعندما يتحدث وزراء في حكومة ساركوزي عن ضرورة تحميل عائلات الجانحين مسؤولية ما يقوم به أبناؤها، فهذا يعني أن الآباء المهاجرين الذين عاشوا في فرنسا قبل خمسين سنة واكتسبوا الجنسية الفرنسية سيجدون أنفسهم غدا، بسبب مظاهرة مشاغبة يقوم بها أبناؤهم، مهددين بإعادة جوازاتهم إلى البلدية ومواجهة قرارات الترحيل نحو بلدانهم الأصلية. لا أحد يجادل في ضرورة التعامل بكل الصرامة المطلوبة مع مثيري الشغب الذين يعتدون على رجال الأمن أو الممتلكات العمومية في فرنسا، فالقانون يجب أن يكون فوق الجميع، سواء تعلق الأمر باعتداءات من طرف مهاجرين أو باعتداءات من طرف مواطنين فرنسيين أصليين يحدث أن يحتجوا هم أيضا ويتظاهروا ويعتدوا على رجال الأمن. لكن أن يختص ساركوزي المهاجرين وحدهم بقرار سحب الجنسية منهم في حالة خرقهم للقانون، فهذا يعني أنه يريد أن يطبق قوانين عنصرية جديدة تستهدف المهاجرين دون غيرهم، وخصوصا المغاربة منهم. غير خافية على المتتبعين اليقظين للسياسة الفرنسية الجديدة في مجال الهجرة، المرامي العميقة لهذه الدعوة التي أطلقها المهاجر الهنغاري السابق نيكولا ساركوزي، والتي أتت بعد النقاش الفاشل الذي أطلقه وزيره في الهجرة حول «الهوية الوطنية» التي فشل المهاجرون المسلمون في التشبع بقيمها. فالرئيس الفرنسي يريد أن يشحن بطاريته الانتخابية بالمراهنة على الخوف الاجتماعي من الآخر، وربط مشاكل ونكسات المجتمع الفرنسي بالمهاجرين للتغطية على الفضائح الأخيرة التي طوحت بشعبيته إلى أسفل الدركات. ما يهمنا في المغرب من هذا النقاش هو أن نسجل الصمت الرسمي المطبق إزاء تهديد الرئيس الفرنسي بسحب الجنسية من المهاجرين الذين يخرقون القانون، وتحميل ذويهم مسؤولية أفعالهم. لا عامر وزير الهجرة أصدر بلاغا، ولا اليازمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج عبر عن موقف، ولا عمر عزيمان الرئيس المنتدب لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج أعطى تصريحا، مع أن هذه المؤسسات جميعها خلقت للدفاع عن مصالح المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج. كل ما هناك أن وزير الهجرة السيد عامر يحاول، خلال المدة التي بقيت له في الحكومة، تحقيق حلمه بإنهاء رحلته حول العالم. فبعد زيارته لإيرلندا التي لا توجد بها سوى حفنة من المهاجرين المغاربة، هاهو قبل يومين يزور الدنمارك لكي يتفقد أحوال المغاربة المقيمين بمدينة «هوج تاستروب». والغريب في رحلات وزير الهجرة أنه أحيانا يذهب إلى بلدان لا يوجد بها سوى عشرة مغاربة لكي يوقع اتفاقيات معها لصالح المهاجرين المغاربة، في الوقت الذي يتجاهل فيه العواصم التي يعيش فيها مئات الآلاف من المهاجرين المغاربة ويعانون مآسي يومية مع المصالح القنصلية المغربية من أجل استخلاص أبسط الوثائق الإدارية، كالبطاقة الوطنية وجواز السفر ودفتر الحالة المدنية. إنه لمن المخجل حقا أن تعاني الجالية المغربية، التي بفضل تحويلاتها من العملة الصعبة يظل الاقتصاد الوطني واقفا على رجليه، بسبب مشاكل إدارية تافهة كهذه، رغم وجود أربع مؤسسات رسمية وحكومية تعنى جميعها بمشاكل المهاجرين هي: وزارة الهجرة، مجلس الجالية المغربية بالخارج، مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، مؤسسة محمد الخامس للتضامن. عندما أعلن الرئيس الفرنسي ساركوزي عن تسوية تقاعد قدماء المحاربين المغاربة مع تقاعد زملائهم الفرنسيين، اعتبر كثيرون أن هذا القرار الفرنسي التفاتة إنسانية من ساركوزي واعتراف بالتضحيات التي بذلها المحاربون القدامى، وعلى رأسهم المغاربة، من أجل استقلال فرنسا. لكن هذا الخبر الذي أراد ساركوزي أن يزفه للجنود المتقاعدين يخفي مأساة أخرى، وهي أن هؤلاء المتقاعدين مجبرون، من أجل التوصل بتقاعدهم، على العيش في فرنسا داخل غرف بائسة في انتظار تعويضهم الشهري. والشيء نفسه بالنسبة إلى المتقاعدين المغاربة الذين يقررون العودة إلى المغرب لقضاء بقية حياتهم فيه، فهم يجدون أنفسهم محرومين من التغطية الصحية بدعوى أنهم يعيشون خارج فرنسا، رغم أنهم ظلوا طوال حياتهم يساهمون في الصناديق الاجتماعية الفرنسية. وفي الوقت الذي يعيش فيه المهاجرون المغاربة في فرنسا أسوأ فتراتهم بسبب صعود رئيس يميني متطرف كساركوزي، يقود حكومة أدين وزير الداخلية فيها بتهمة العنصرية أمام القضاء، نلاحظ كيف أن المهاجرين الفرنسيين في المغرب يحظون بمعاملة تفضيلية ضدا، في بعض الأحيان، على القانون، بحيث إن المخالفات التي يؤدي اقترافها من طرف مواطن مغربي إلى السجن، تتحول إلى مخالفات يتابع أصحابها الفرنسيون في حالة سراح. وقد حدث هذا فعلا في مراكش خلال يونيو الماضي عندما صدم أحد الفرنسيين بسيارته أخوين مغربيين وتسبب في قتلهما على الفور بسبب الإفراط في السرعة. وعوض متابعة المواطن الفرنسي في حالة اعتقال، بسبب السرعة المفرطة وعدم توفره على تأمين وتجاوز سيارته الأجنبية لمدة الإقامة المسموح بها على التراب المغربي والسير على يسار الطريق وثبوت القتل الخطأ، (وهي كلها مخالفات مسجلة في محضر الدرك)، فقد قررت النيابة العامة الاستماع إلى السائق الفرنسي وتمكينه من جواز سفره ومتابعته في حالة سراح من أجل الجرائم التي اقترفها. مهاجر مغربي يهرب من قبضة الأمن في مدينة «غرونوبل» ويموت خلال المحاولة، فتندلع أعمال شغب ويخطب ساركوزي في الشعب الفرنسي ويتوعد بسحب الجنسية الفرنسية من كل من يهدد أمن رجاله. أما في مراكش، فيمكن أن يصدم مهاجر فرنسي (سيدريك كوسيك) مواطنين مغربيين (إسماعيل ومصطفى آيت حماد) و«يبغجهما» فوق الطريق بسيارته «شيروكي» التي لا تتوفر حتى على تأمين، ويكتفي الدرك الملكي بالاستماع إليه، فيما تقرر النيابة العامة متابعته في حالة سراح مع تمكينه من جواز سفره. وكأن سعادة رئيس النيابة العامة يقول للفرنسي القاتل «إذهب فأنت حر طليق، أما الأخوان اللذان قتلتهما فلا قيمة لدمائهما في نظرنا، لأنهما ليسا سوى فلاحين ينحدران من دوار بنواحي مراكش». عندما يخيم وكيل عام للملك ورئيس للنيابة العامة كالمستاري بمراكش طيلة ثلاثين سنة دون أن يأتي من يزحزحه من مكانه، رغم أنه تجاوز سن التقاعد بسنوات، فإنه ليس من المستغرب أن تصدر عنه قرارات مماثلة. وعندما نتحدث عن تسلط بعض المهاجرين الفرنسيين واستئسادهم على المغاربة، فليس ذلك من قبيل المبالغة. لقد تحولت فعلا مراكش إلى ملكية خاصة ببعض الأجانب، يتحدون فيها القوانين المغربية بتغطية من السلطات المحلية. وعندما نرى، مثلا، كيف أن محلا ضخما لبيع النظارات يفتح أبوابه في قلب مراكش، دون أن يكون اسمه صادرا في لائحة المحلات التي وافقت عليها الأمانة العامة للحكومة، نتساءل فعلا عمن يحمي أمثال هؤلاء الأجانب الذين يتحدون القوانين المغربية وينافسون النظاراتيين المغاربة الحاصلين على تراخيص من الحكومة. نتساءل مع مسؤولينا الحكوميين والقضائيين الذين يتساهلون مع هؤلاء الأجانب الذين يحتقرون المقررات القضائية والرسمية، هل كان وزير الداخلية الفرنسي سيسكت لو أن مهاجرا مغربيا داس مواطنين فرنسيين بسيارته التي لا تتوفر على تأمين؟ هل كان وزير العدل الفرنسي سيسكت لو أن النيابة العامة قررت متابعته في حالة سراح؟ هل كانت وزارة الصحة والأمانة العامة للحكومة ستسكتان لو أن شركة مغربية فتحت محلا لبيع النظارات في قلب باريس دون الحصول على ترخيص مسبق؟ عندنا نحن يحدث ذلك. تعرفون لماذا، لأن هناك متخلفين لا زالوا يعتقدون أن تطبيق القانون على الأجانب سيتسبب في فرار المستثمرين. وهذه قمة الغباء، لأنه إذا كان هناك من شيء سيجلب المستثمرين إلى المغرب فهو الصرامة في تطبيق القانون على الجميع. أما قانون «الفرزيات» فلن يؤدي بنا سوى إلى تكريس عدم الثقة في القضاء المغربي في الداخل والخارج.