تتزين مدننا المغربية في ليالي فصل الشتاء بمساكن كرتونية, تؤوي المتشردين والمتسولين. وأناسا آخرين تقطعت بهم السبل فأرغمتهم أوضاعهم الصعبة على الخضوع لمشيئة القدر. هؤلاء الذين لايصنفهم المجتمع. يجدون أنفسهم عراة, حتى وإن احتموا بجدران مهترئة, أوالتحفوا ببقايا ملابس قذرة. لأن لاشي سيعفيهم من مواجهة إعصار جليدي يقتحم صميم الجسد فينتزع من صاحبه نبض الحياة. حين تجتاحنا نحن القاطنون داخل الفيلات أو العمارات موجة برد كهاته, نتدفأ بملابس قطنية أو نستخدم أجهزة عالية التكنولوجيا تجعلنا نعيش الصيف وبقية الفصول وقتما شئنا, مع ذلك لانلبث حتى نبدي ضجرنا وسخطنا بسبب هذا الطقس القاسي الذي لايرحم.ننام بسلام في حي راق ويجاور مسكننا بيت وهمي لطفل امتلكه الفقر, وجعله عبدا أكبر أمنياته لاتتجاوز سقف الأمان. حقيقة ينطبق علينا المثل الشعبي القائل (مكايحس بالمزود غير اللي مضروب بيه). فكثيرا ما نسمع عن أشخاص وجدوا أمواتا, كمتلاشيات على قارعة الطريق. ويلي ذلك بعضا من العطف والشفقة. تم تختفي ردود الفعل لتعود الحياة لدورتها المألوفة. وتتوالى الفصول فتتكرر الحكاية. نعيش الحياة, في حين تحيى حياة أخرى مرغمة داخل أجساد منهكة, ومتآكلة. لامسكن لها ولامأوى. وما يزيد الطين بلة أننا كثيرا ما نزيد وضعهم سوء ورداءة, حين نطعنهم بنظرات قاسية ملؤها الاشمئزاز والتقزز. وكأنهم جرذان لا اعتبارلهم ولا قيمة , فقط أشباه بشر لاغير. وهي للأسف أحكام جاهلة غارقة في الأنا , وطاعنة لقيم الانسانية. فبدل أن نقدم لهم حلولا تنجيهم من ضياع حتمي, نساعدهم بدلا من ذلك على التشبع بالحقد والكراهية. ونمد لهم تصريحا موقعا بجواز سرقة ما يستحقونه, كتعويض معنوي جراء التعسف والتهميش الذي يدفعون ثمنه غاليا. هذا الوضع الذي تعيشه هذه الفئة من المجتمع يبقى أمرا اعتياديا. مادامت هناك جمعيات تدافع بشراسة عن حقوق المستضعفين, فتتلقى دعما من طرف والدولة ومؤسسات غير حكومية. وتظل انجازاتها سجينة الورق, دون أن يلي ذلك محاسبة أومراقبة . وتنضاف لهذا الواقع المزي أيضا مؤسسات اجتماعية, تأسست خصصيا لاٍيواء من هم بحاجة ماسة للمأوى. غير أن الشارع يبقى أنضف بكثير من تلك الأمكنة التي يعطي فيها أصحابها للنظافة أدنى مستويات الاهتمام. واقع مخجل يجعلنا نطرح أكثر من علامات استفهام, حول مصير مواطنين يتموقعون خارج حسابات المجتمع. يستغل أوضاعهم آخرون, يسترزقون من مال حرام. هو في الأصل موجه لفئة أصبحت تنعت بمصطلح قدحي ألا وهو حثالة المجتمع.