سبحان مبدل الأحول. إلى غاية يوم الجمعة الماضي كان جامع المعتصم القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية والنائب الأول لعمدة مدينة سلا يقبع في زنزانته بسجن نفس المدينة التي كان يديرها، إلى جانب أصحاب السوابق والمنحرفين والمتهمين بالإرهاب والإجرام، فإذا به يصبح حرا طليقا، بل أكثر من ذلك.. يعين يوم الاثنين عضوا في أول مجلس اقتصادي واجتماعي يعرفه المغرب ويأخذ صورة تذكارية إلى جانب الملك محمد السادس في الصف الأول من بين عشرات الشخصيات. في ظرف 48 ساعة تحول هذا القيادي في الحزب الإسلامي المعارض، والذي يشهد له العدو قبل الصديق بالنزاهة والاستقامة وحسن الخلق، من متهم بالفساد و"الارتشاء واستغلال النفوذ والاختلاس وتبديد أموال عمومية والغدر والتزوير في وثائق رسمية وإدارية وإحداث تجمعات سكنية بدون الضوابط العقارية والمشاركة" حسب صك الاتهام الذي عممته وكالة الأبناء الرسمية "ماب" إلى شخص يحظى بثقة عاهل البلاد. أن يتم تنصيب المعتصم في الصف الأول خامسا إلى يسار الملك محمد السادس ورابعا إلى يسار الأمير مولاي رشيد لم يكن اعتباطا ولا سهوا ولا خطئا ارتكبه علماء وفقهاء البرتوكول بالقصر الملكي، وإنما كان قرارا ملكيا له دلالاته وأبعاده التي لا يدركها إلا من خبر لغة السيميائية التي يتقنها علماء البلاط. إنها بالفعل لإشارة جد قوية لأولئك الذين يعبثون بالسلطة القضائية ويسلطون سيف الظلم والجور والباطل على رقاب المواطنين الشرفاء، سيف الظلم الذي لا يبقي ولا يذر ليطال حتى المناضلين الذين أفنوا حياتهم في خدمة الوطن. يقذفون الناس بالباطل ليدحضوا به الحق فيتهمونهم في أعراضهم ونزاهتهم وشرفهم لتصفية حسابات سياسوية بخسة. من المستحيل أن يثق عاهل البلاد في شخص مرتشي وفاسد ويستأمنه على منصب مسؤولية عمومية في مجلس من الأهمية بما كان، من المستحيل أن تقوم أجهزة الاستخبارات والاستعلامات العامة والخاصة في تقاريرها السرية والعلنية بتزكية شخص إن لم تكن متيقنة من "نظافته" ومن نصاعة بياض سجله الدنيوي. بعد ثلاثة وعشرون سنة من العمل الوظيفي، و12 سنة كبرلماني، كل ممتلكات جامع المعتصم هي: شقة متواضعة في عمارة، نصف ثمنها يؤديه في شكل أقساط شهرية (قرض)، إضافة إلى سيارة خاصة متواضعة (من نوع KIA) لا زال يسدد أقساط ثمنها لحد الآن. إنه بالفعل لقرار ملكي لا يستحق منا إلا كل التنويه والإشادة. قرار شجاع ومنصف يا حبذا لو يليه قرار حاسم يستأصل الظلم من جذوره ويستجيب لمطلب ملح لأبناء الشعب المغربي التواقين إلى بلد يسوده العدل، بلد يتمتع بعدالة نزيهة ومستقلة عن باقي السلط، عدالة لا يشكك أحد في قرارتها وأحكامها. عدالة فوق الجميع مهما علوا وكبروا.