اعتبر الكاتب والناقد المغربي خالد البقالي القاسمي، الذي عنون قراءته النقدية لرواية " الأبواب السبعة، القمر المحجوب" ليوسف خليل السباعي ب " الأحلام المنهارة والطموحات المجهضة"، أن عنوان الأبواب السبعة لم يكن كافيا بالنسبة للمؤلف لكي يعبر عن الذي كان يرومه من روايته، فأضاف إليه من أجل تدعيمه وتثبيته عنوانا ثانيا مرتبطا بالقمر الذي وصفه بالمحجوب، ويبدو أن الأمر يرتبط بالرواية المتناثرة والمنبثة بين جنبات وزوايا أبواب المدينة السبعة، عن طريق توظيف القمر في صورته المحجوبة للدلالة على سقوط الأقنعة، وانهيار الأحلام، وتصدع الطموحات المشروعة، لأن القمر في الرواية يصير محجوبا متواريا لكي يحجب الأسرار العصية على التطويع. وأضاف خالد البقالي القاسمي خلال هذه القراءة النقدية، التي نظمتها المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة طنجةتطوان مساء يوم الجمعة 25 مارس 2015 بالمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، وقدم لها الكاتب والمخرج المسرحي يوسف الريحاني، أن الرواية توحي بأنها استكشافية بامتياز، لأن موضوعها لم يتم الاشتغال عليه بكثرة من طرف الروائيين المبدعين، ولذلك كان الكاتب يحاول أن يثبت أولى بصماته الخاصة حول هذا الموضوع، حيث " توزعت الرواية حول الأبواب، في كل باب حكاية، فيصبح بذلك تاريخ الأبواب منتجا للحكايات التي تتناسل حسب توالي الأحداث: 1- باب المقابر (عودة بنيامين إلى القدس الصغيرة). 2- باب السفلي ( الخادمة شامة). 3- باب الصعيدة (المفاجأة). 4- باب العقلة (غذاء الروح). 5- باب الرموز (وجه سهيلة). 6- باب النوادر (المؤامرة). 7- باب التوت ( بنيامين في كاراكاس)". من جانب آخر، اعتبر الناقد أن الكتابة بهذه الأبواب تعتبر احتفاء كبيرا بمدينة تطوان، ولذلك كانت الرواية وثيقة للوصف والتعريف بالمكان، أي مدينة تطوان وأبوابها وأحيائها، حيث يقول " لقد شكل المكان صدارة السيادة في الرواية حيث تمكن من اختراق حياة الشخصيات، ويعود الأمر حسب أحداث الرواية إلى العلاقة الحميمية جدا التي تربط السارد بالمكان، فهو يحتفي به كثيرا، حيث رغم معرفته بالأماكن فإنه يذكرها وكأنه يتعرف عليها لأول مرة، ويصفها بدقة ومتعة، مشبها بعضها بأجواء روايات قرأها، ويدل هذا على انصهار السارد في المكان نفسيا ووجوديا وماديا حتى يبدو للقارئ وكأنه أصبح سيد المكان، والغريب أن في الرواية إثباتا لوجود المكان واندثاره في نفس الآن، حيث تطوان منفتحة على جميع الجهات بأبوابها السبعة المرحبة بالجميع بجودها وكرمها، وفي نفس الوقت هي ضاجة بأهلها، ضيقة بكثرتهم وتعددهم غير النافع، وذلك عندما تصبح تطوان سوقا كبيرة مفتوحة، فيصيب المكان جرح غائر، ويتحول المكان في تطوان إلى صيغة إبداعية تتمدد وتنفتح في تشكيل الأحداث."… واشار إلى أن " حيوية الرواية تتدفق خصوصا عندما نتعامل مع الشخصيات، شخصيات الرواية في علاقتها بالمكان هي التي توضح لنا التقاطعات والرهانات التي بنى عليها المبدع عمله الروائي، والحال أن الشخصيات في هذه الرواية متعددة بتعدد أسمائها وصفاتها وانخراطها في لحظة الحياة التخييلية داخل الرواية، وكثرة الأسماء علامة على الحياة النشيطة المتحركة، وتبقى الشخصيات المحورية هي التي كان لها الأثر البالغ في توجيه وصنع الأحداث وبناء الحكاية، السارد يحيى الشريف له ولع شديد بالمكان لكن زمانه منفلت في الرواية بسبب كثرة حركته وقلقه الوجودي، إنه سارد مشارك، فهو على علاقة مع يهود تطوان حيث تربى في حيهم، بل إنه ابن حيهم، يقيم مسافة بينه وبين شخصيات الرواية، يبدو أنه لا يجرؤ على تدجينها وخصوصا بنيامين اليهودي الذي تجاوزه، لقد ظل السارد سلبيا بعيدا عن حقيقة صنع أحداث الرواية، وبقي فقط راويا وناقلا لها دون أن تكون له القدرة على توجيه وصنع مصائر الشخصيات أو تغييرها. ويبقى مركز الدائرة في شخصيات الرواية هي عائلة بنعيم اليهودية التي كانت تقطن حي الملاح بالقدس الصغيرة أو مدينة تطوان، بنيامين بنعيم شخصية ترتبط بالمكان أي بمدينة تطوان فقط من أجل أغراضها، فهي شخصية يهودية ليس لها ولاء للمكان كيفما كان، فرغم هجرته إلى مدينة " كاراكاس " فإنه لا يرتبط بها إلا بقدر ما تساهم في تكديس أمواله، ومضاعفة أرباحه التجارية، عاد إلى مدينة تطوان ليس للذكرى وإنما فقط للحصول على مفتاح منزل أخيه يوشع بنعيم من أجل تحويل منزله إلى مخزن للسلع المهربة وعلى رأسها المخدرات بمساعدة ابن الملاح إبراهيم الفلونطي، هذا الأخير يعتبر رمزا للصعود الاجتماعي المريب في مدينة تطوان حيث انتقل من الفقر والتشرد والتسكع إلى الغنى والاستقرار وتكديس الثروات، وقد كان شريكا لبنيامين بنعيم في مؤامراته الدنيئة من أجل زيادة تكديس الأموال. تعود الرواية بهذا المعنى إلى إثارة موضوع الشتات اليهودي، حيث نجد يهود تطوان يشملهم الشتات والهجرة إلى الوطن الموعود، الهجرة المفتوحة إلى إسرائيل وباقي دول العالم، والهجرة المؤقتة المتمثلة في العودة إلى تطوان الأصل والمنطلق، لذلك فإن النص رصد لحركية اليهود بالموازاة مع بعض الحركية الاجتماعية في مدينة تطوان، لأن الحكاية داخل الرواية هي لليهود مع تناسل حكايات أخرى مرتبطة بحياة السارد تتقاطع مع الحكاية الأصلية، ولذلك كان استحضار تاريخ اليهود في القدس الصغيرة كتاريخ عابر مفعم بالتصدع واللاستقرار"…. الناقد يوسف الفهري قال إن رواية'' الأبواب السبعة ، القمر المحجوب " عنوان يتحول إلى بنية سردية مكتملة بذاتها ، عمل الكاتب على إتقان عملية حبك المحكي في ومضة مسرودة بعناية سردا مبسترا مقطرا يتشاكل فيه الدال بالمدلول ، الواقعي بالمتخيل ، وتتوازن الجملة الأولى الخبرية _ الأبواب السبعة بالجملة الثانية ( القمر المحجوب) وتتوارى كل جملة وراء رموز دلالية . في الأولى إحالة إلى مداخل وعتبات تم عدها برقم مقدس في الثقافة العربية الإسلامية ، وفي المقابل ( القمر المحجوب ) ليشكل فضاء مقابلا للأرض . وهذا التقابل و التوازي يشكلان من خلال واجهة الغلاف لدى المتلقي عنصر تشويق واستفزاز ، كما تشكل اللحظة صدمة تشغل الوظيفة الميتالغوية ، كمحاولة لفهم المعجم والتركيب والدلالة والرمز والبلاغة ، في محاورة اللغة والمرسِل ومقصديته. بعد توقف عملية تشفير السنن. وأضاف أنه من خلال هذه القراءة الخطية، نلاحظ أن يوسف خليل السباعي تناول الأبواب السبعة في متخيلها السردي حكاية تطوان وحكاية بنيامين وحكاية الراوي / يحيى. وتمظهرت العلاقة بالمكان متواشجة بالشخصيات، فتصبح الأرض القضية في علاقتها بالإنسان لتخلق مفهوم الوطن المحتضن للإنسان في تعدديته، ويتمظهر محوران ينبنيان على منظومة قيمية للعلاقة بالمكان : تطوان / القدس الصغيرة : محورالحب والعشق للمكان : يحيى حسن الصباغ . يوشع سارة شامة عائشة خديجة أحمد الشعباوي . محور الاستغلال والثراء بالمكان : بنيامين الفلونطي الرحموني الضابط عماد وحاييم سيريرو . خالصا إلى القول إن رواية ''الأبواب السبعة '' وهي تحكي محكياتها ، في الفضاءات الواقعية المادية ، وفي ارتباطها بزمن تاريخي مادي ، تجعل من سؤال الأتوبيوغرافيا سؤالا مشروعا…، وإن كانت الرواية تحجب الأوتوبيوغرافيا عندما يهمن المتخيل السردي ، فيتوارى المؤلف الضمني ليصبح أفكارا تختفي الذات في المتخيل وتتلاشى في الفضاء السردي والشخصيات الورقية … وهي بذلك لا تمارس أوتوبيوغرافيا حرفية وأمينة بل أوتوبيوغرافيا تعتمد المتخيل كآلية لنقل التمثلات وانتقاء الصور.