وجه طفولي، ابتسامة رقيقة، وذكاء يفوق سنه، تلك هي مواصفات الطفل الأمين المريمار، المصاب بطيف التوحد والمنخرط ضمن جمعية يحيى للأطفال التوحديين بمدينة تطوان. بشجاعة قل نظيرها يبصم الأمين على مسار محترم، متحديا كل العراقيل والعقبات التي تصادفه في العيش. الإعاقة ليست إعاقة الجسد” هذا ما تؤكده حالة التلميذ ذي ال13 سنة والمتابع لدراسته بالثانية إعدادي وسط الثانوية الإعدادية ابن سينا العمومية بمدينة تطوان، مستعينا في ذلك بوالده محمد المريمار، الذي يلازمه طول الوقت ويساعده على تحقيق أحلامه وسلاح الصبر ثم الصبر ثم الصبر يقول الطفل الأمين لجريدة هسبريس. ولد الأمين سنة 2005 من أبوين تطوانيين بمعاناة مع طيف التوحد، ولحسن الحظ فقد تم اكتشاف إصابته بالتوحد في سن مبكرة، لتبدأ فصول ورحلة أخرى من العلاج والتأقلم قبل أن ينتهي به المقام بمركز الأطفال التوحديين، الذي تسيّره جمعية يحيى للأطفال التوحديين الناشطة في مجال الإعاقة ب”الحمامة البيضاء”. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد خطف الموت والدة الأمين بعد يوم واحد من وضعها لمولود بسبب مضاعفات نزيف دموي حاد، ليجد الأب المسكين نفسه أبا لثلاثة أبناء (رضيع وطفل توحدي وطفلة مراهقة). وعلى الرغم من كل هذا الثقل فقد نجح الأب في الموافقة والمزاوجة بين العمل وتربية الأبناء الثلاثة. يتابع الأمين، منذ سنة 2010، حصص الترويض والعلاج بالمركز المتميز بشكله الهندسي الفريد، وسط حي التقنية بالمدينة ذاتها. وإليه عزا، إلى جانب تماسك محيطه الأسري وتضحيات الأب الجسام، ما وصل إليه الآن وما راكمه من إنجازات، على الرغم من حداثة سنه ومعاناته من هذا الاضطراب، بمساعدة أطر مختصة أسهمت بشكل كبير في هذا الإنجاز. الأمين مولع بالشعر واللغة العربية والكلمة الراقية، حيث يجمع بين هذا وذاك ضمن قصائد يحاول من خلالها التخفيف من اضطراباته والاندماج وسط المجتمع، عاملا على نقل ما يخالجه من أحاسيس مشاعر وسط إبداعات شعرية بدأ في كتابتها قبل سنة ونيف من الآن، معتبرا لغة الضاد الأقرب لتمرير الرسالة إلى المتلقي. يقول الطفل المريمار إن الشعر أتاح له فرصة التعبير عن واقعه وتجسيد معاناة ظلت مخزنة في ذاكرته منذ الطفولة، من خلال مواضيع ترصد ألم وأمل الأطفال التوحيديين.. قصائد نظمها وحي المعاناة والقوافي، فكان أول ما كتبه قصيدة “صمت” وقصيدة أخرى اختار عنونتها ب”غريب” واللتين قال عنهما الطفل التوحدي إنهما ترصدان معاناة الأطفال وآبائهم في رحلة التأقلم مع المرض. رحلة مغايرة تلك التي يخطوها الأمين في مجال الشعر بعدما رأى النور قبل 14 سنة من الآن، بأحد أحياء مدينة تطوان بإعاقة، ويستفيد الطفل من برنامج مسطر يسهر عليه أطر الجمعية من مروضين ومربيات وإخصائيين نفسانيين حركيين، كما يحظى بمكانة خاصة داخل المركز فهو الفتى المدلل والشاعر الفنان والنجم الكبير عقب بروزه في برنامج تلفزيوني مع الفنان المصري أحمد حلمي على قناة MBC. بلغة عربية فصيحة، أبى الطفل الشاعر إلا أن يعبر عن امتنانه، في تصريح لهسبريس، لدور المحيط الأسري خاصة الأب، مشيرا إلى أن طريقه لم تكن معبدة ولا مفروشة بالورد بل كانت مليئة بالعراقيل والعقبات التي استطاع تخطيها بتضافر جهود الأب والطاقم الطبي التمريضي، لإيصال رسالة واحدة: “أنا مختلف مثلك، وكله أمل في التألق وتحقيق حلمه في أن يكون مهندسا معماريا وشاعرا محترفا”. وسطَ مركز الأطفال التوحديين بمدينة تطوان كان لقاء هسبريس مع محمد المريمار، والد الطفل الأمين؛ لكنْ بفضل الجهود التي بذلها الوالد على مَدى سنوات، استطاع أن تتعلم القراءةَ والكتابة، وسهرَت على إخضاعه لحصص ترويض مكثفة، إلى أن صار قادرا على المشي وعلى الجلوس على الكرسي دونَ مساعدة. النتيجة، التي وصل إليها محمد وتحسن حالة ابنه الأمين، لم تأت محض الصدفة ولم يكن طريقه مفروشا بالورود؛ بل كانت رحلة العلاج مليئة بالترحال والتنقل، قبل أن يلج مركز يحيى للأطفال التوحديين بتطوان، وهي المجهودات التي يجني ثمارها الآن. بصوت مخنوق، يقول الأب وهو يغالب دموعه؛ لكنه لم يستطع أن يخفي تخوفه من تحقيق حلم حياته في أن يرى ابنه ناجحا مشيرا إلى أن والدته كانت سندا كبيرا في الوصول إلى هذه النتيجة من خلال احتضانه ودعمه، “ضحيت وما بغيتش نتزوج وتكرفست باش نربي ولادي”، داعيا الآباء إلى ضرورة التعايش مع مرض الأبناء ومواكبتهم لمقارعة المرض، وعدم الاستسلام، مستحضرا في هذا الباب التألق الذي حققه الطفل خلال مروره ببرنامج “نجوم صغار” على قناةMBC . “الأمين الآن في تحسن مستمر، وفي تطور دائم متفوق دراسيا ومبدع يكتب الشعر ويحصل على ميزات مشرفة” يقول الأب… فهل ستعمل الوزارة الوصية على تليين الصعوبات أمام طفل ذكي وطموح؟ وحدهما الوزيران أنس الدكالي وسعيد أمزازي يمكنهما الجواب.