يعود أشيل إلى طنجة في شمال المغرب مصرا على تحقيق حلمه بالعبور نحو إسبانيا بعدما أوقف وأبعد مرتين عن هذه المدينة، ويقول “هذا الحلم محفور في روحي، لا أستطيع التراجع ولو أبعدوني عشر مرات”. كان هذا الشاب الكاميروني (28 سنة) قاب قوسين أو أدنى من ركوب البحر، برفقة زوجته وابنهما البالغ من العمر عامين نحو إسبانيا، عندما ألقي عليهم القبض بينما كانوا يستعدون للإبحار في قارب مطاطي. أمضوا أربعة أيام في مخفر للشرطة بطنجة ثم تم نقلهم مع مهاجرين آخرين في حافلات نحو مدينة تيزنيت التي تبعد أكثر من 800 كيلومتر جنوبا. وباشرت السلطات المغربية في الأشهر الأخيرة عمليات إبعاد نحو مدن جنوبية أو ترحيل نحو البلدان الأصلية، شملت آلاف المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا لاجئين في مخيمات أو أحياء شعبية بمدينتي طنجة والناظور في شمال المغرب. وأفاد تقرير لجمعية “مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع ومواكبة الأجانب” أنه تم القبض على نحو6500 مهاجر، بينهم 121 قاصرا و17 طفلا و12 امرأة حاملا في الفترة بين يوليوز ومطلع شتنبر، وتم نقلهم بالقوة بواسطة حافلات إلى جنوب المملكة. وتهدف هذه العمليات إلى “إبعاد المهاجرين عن قبضة شبكات تهريب البشر الناشطة في شمال المملكة”، كما تؤكد السلطات المغربية، مشيرة في بيانات سابقة إلى أنها أحبطت 54 ألف محاولة للعبور نحو إسبانيا ما بين يناير وغشت. ويعود أشيل إلى طنجة للمرة الثالثة منذ وصوله إلى المغرب سنة 2015 دون أن تفتر عزيمته. “طنجة مدينتي، لن أغادرها إلا نحو إسبانيا”. ويقف حوله 15 مهاجرا كاميرونيا يتجمعون في حقل مهجور يؤدي إليه زقاق ضيق بحي بوخالف الشعبي. ويجلس بعضهم على أطراف سريرين باليين تحت شجرة زيتون، فيما يجلس آخرون على الأرض وعيونهم على مدخل الحقل تحسبا لأي تدخل لقوات الأمن. ويعلق ويلفريد ( 35 سنة) “نعيش هنا مثل الحيوانات، أمضينا ليل أمس تحت المطر”. ولا تفقده المعاناة روح الدعابة “هؤلاء إخوتي، إنهم اليوم أفارقة وغدا سيصبحون أوروبيين”. مثل مواطنه أشيل، يعود ويلفريد للمرة الثالثة إلى طنجة بعدما أبعد مرتين “نحو تيزنيت والجزائر”. لكنه كان أحسن حظا في المرة الأخيرة، إذ نقل إلى الدارالبيضاء على بعد حوالى 380 كيلومترا فقط جنوبطنجة. ويوضح أن “الذين يدفعون يلقى بهم في مدن لا تبعد كثيرا عن طنجة”. وقد أثارت عمليات الإبعاد انتقادات منظمات حقوقية مغربية، ووصفتها “مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع ومواكبة الأجانب” بأنها “غير قانونية”، لأن المشمولين بها “لا يحصلون على أي إشعار مكتوب يبرر أسباب ترحيلهم”. كما نددت هذه المنظمة غير الحكومية بما اعتبرته “ظروفا قاسية وغير إنسانية” للمهاجرين الذين يتم “احتجازهم” في مخفرين للشرطة بطنجة تمهيدا لترحيلهم. وأكد مدير الهجرة ومراقبة الحدود في وزارة الداخلية المغربية خالد الزروالي لوكالة فرانس برس في وقت سابق أن “كل عمليات عودة المهاجرين تتم في احترام تام للقانون، وبتنسيق مع المصالح الدبلوماسية لبلدانهم التي تمنحهم وثائق السفر المناسبة”. ويدرك علي (20 سنة) أنه ليس في منأى عن الترحيل إلى بلاده، بعدما أبعد نحو تيزنيت. ويقول “الضعفاء فقط هم من يبقون في تيزنيت. أعرف أنني سأصل يوما ما إلى اسبانيا”، مضيفا “هذا الأمل هو الذي يمنحني القوة لأحارب حتى أعبر إلى بلد يحترم حقوق الإنسان”. وطريق العودة نحو طنجة غير معبدة، خصوصا انطلاقا من الدارالبيضاء، إذ تمتنع شركات النقل عن بيع التذاكر “لذوي البشرة السوداء”، كما يقول المهاجرون الذين تحدثوا لوكالة فرانس برس. لكنهم لا يعدمون وسيلة للعودة. ويقول ويلفريد إنه استعان بما يسميه “طاكسي مافيا”، حيث دفع 120 درهما (حوالى 10 يورو) لمسافر أقله في سيارته الخاصة من الدارالبيضاء نحو طنجة. ويستطرد محمد “نحن مقتنعون أننا سنعبر يوما ولذلك نعود إلى طنجة كلما أبعدونا”. ويشير إلى أن ظروف الحياة في تيزنيت ليست أحسن حالا من ملجئه هنا وسط الأحراش، “نحن هنا على الأقل قريبون من إسبانيا”. ويعودون المهاجرون الى المواقع التي تعودوا على اللجوء اليها استعدادا لليوم الموعود، مثل حي بوخالف في الضاحية الجنوبيةلطنجة غير البعيد عن غابة يحتمون بها من الحملات الأمنية. غداة ليلة ماطرة، يتطلع ويلفريد ورفاقه لوسيلة يحصلون بها على المال اللازم لشراء خيمة تقيهم البلل، في انتظار تحقيق أحلام “الحياة الجديدة” التي يودون عيشها في أوروبا. ووصل أكثر من 43 ألف مهاجر الى إسبانيا منذ بداية السنة، منهم أكثر من 38 ألفا عبر طريق البحر، لقي 362 حتفهم غرقا أو اعتبروا مفقودين، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. ويقول ويلفريد “يغمرنا القلق كلما سمعنا أنباء غرق مهاجرين، لكننا لا نملك خيارا آخر. لا نستطيع العودة للوراء”.