إشعال سيجارة في رمضان، يشبه إشعال حريق في المدينة، الرائحة تنتشر وتتوسع في كل مكان، الجميع يقولون في أنفسهم: هناك شخص ما يدخن! هناك شخص ما يدخن! ويستديرون بغتة كالشرطة يمينا ويسارا، فلا يجدون أحدا سوى الهواء. قد يلصقون التهمة بأول عابر، دخان سيجارة واحدة يكفي لإلصاق التهمة بمائة شخص على الأقل. في الزقاق المزدحم بالمارة، حيث بائع النعناع في الجهة المقابلة، وصفّ عربات باعة الخضار والفواكه في الزاوية الدائرية يبرحون بعصبية مفرطة كما لو أنهم يتبادلون الشتائم، والعجزة الذين ليس لديهم أي عمل سوى التقاعد جالسون على السور شبه نائمين. تَخرج سحابة الدخان من شقوق النافذة على دفعات، وتنتشر بالتدريج البطيء كالإشاعة، لتغطي كل المساحة المشغولة بحركة المارة والباعة والنساء المنحنيات لملء الكفّة بطماطم طرية. السماء زرقاء، ودخان السيجارة أزرق شفيف. لا يمكن أبدا رؤية دخان سيجارة في ضوء النهار الساطع، يمكن فقط شمه، وتتبعه بالشم، في جوقة من الفضوليين، تخدعهم الريح، لتقودهم بسخرية في اتجاه نافذة الجار ذي اللحية المشذبة، كي يقولوا: إخوانيّ ويدخن في رمضان! إن ذلك لمن علامات الساعة!! أما الشخص الغامض الذي أشعل السيجارة في عتمة الغرفة، بطقطقة ولاّعة ليزر تشبه طلقة مسدس كاتم، فيحس بنشوة غريبة، مفعمة بالإثارة، كنشوة لص أفرغ خزنة البنك في كيس طحين، وعاد به إلى غرفة في الفندق غير المصنف الذي ليس على بابه نجوم، ليفرغه فوق السرير، ويبدأ بعدّ الأوراق دون خطأ، وتصفيفها في حزمات كالعمارات، بينما تمر سيارات الشرطة تائهة في الشارع، مصوّتة كالنادبات.