يحتفل الشعب المغربي، يوم الأربعاء بذكرى عيد الاستقلال المجيد، إحدى المحطات المضيئة في تاريخ المغرب الحديث، وما جسدته من انتصار للشعب والعرش في معركة نضال طويلة، إحقاقا للحرية والكرامة واسترجاعا للحق المسلوب، واستشرافا لمستقبل واعد. ففي الثامن عشر من نونبر من سنة 1955، زف الملك الراحل محمد الخامس لدى عودته من المنفى رفقة الأسرة الملكية، بشرى انتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، مجسدا بذلك الانتقال من معركة الجهاد الأصغر إلى معركة الجهاد الأكبر وانتصار ثورة الملك والشعب.
وشكل هذا الخطاب الأول للاستقلال خارطة طريق حقيقية وضعها جلالته أمام شعب عمته الفرحة، تؤشر على انخراط الأمة في مسلسل بناء مغرب حديث وحر. فرغم المخططات والمناورات التي نفذتها القوى الاستعمارية الفرنسية والإسبانية، في محاولة لتقطيع أوصال المغرب، وطمس هويته وغناه الثقافي، وزرع التنابذ والتفرقة بين مكوناته، استطاع جيل النضال والاستقلال، عرشا وشعبا، الوقوف معا في وجه هذه المخططات.
وشكلت عودة الشرعية نصرا مبينا وحدثا تاريخيا حاسما، توج بالمجد مراحل الكفاح المرير الذي تلاحقت أطواره وتعددت صوره وأشكاله في مواجهة الوجود الاستعماري المفروض منذ سنة 1912، حيث خلد المغاربة أروع صور الوطنية الصادقة، وبذلوا أغلى التضحيات في سبيل عزة الوطن وكرامته والدفاع عن مقدساته.
فكثيرة هي المعارك والانتفاضات الشعبية التي خاضها أبناء الشعب المغربي بكافة ربوع المملكة في مواجهة مستميتة للوجود الاستعماري، ومن هذه البطولات معارك الهري وأنوال وبوغافر وأنوال وغيرها من المعارك التي لقن فيها المجاهدون للقوات الاستعمارية دروسا في الصمود والمقاومة والتضحية.
ومن روائع الكفاح الوطني، ما قامت به الحركة الوطنية مع مطلع الثلاثينيات بالانتقال إلى النضال السياسي والعمل الوطني الهادف، بالأساس، إلى نشر الوعي الوطني وشحذ العزائم والهمم في صفوف الشباب وداخل أوساط المجتمع المغربي بكل فئاته وطبقاته.
كما عملت الحركة الوطنية على التعريف بالقضية المغربية في المحافل الدولية مما كان له وقع الصدمة على الوجود الاستعماري الذي كان يواجه النضال السياسي الوطني بإجراءات تعسفية ومخططات مناوئة للفكر التحرري الذي تبنته الحركة الوطنية بتشاور مع جلالة المغفور له محمد الخامس.
ولم يفلح الاستعمار الفرنسي في وقف هذا المد النضالي، الذي ترسخ آنذاك في أعماق كل المغاربة، على الرغم من نفيه لجلالة المغفور له محمد الخامس رفقة أسرته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، والذي تجلى من خلال الانتفاضة العارمة التي شهدتها، في أعقاب ذلك، كل المدن والقرى المغربية.
واليوم، يستحضر الشعب المغربي بكل مكوناته وبكل مظاهر الاعتزاز والافتخار، هذه الذكرى التي تؤرخ لإرادة العرش والشعب في نضالهما المتواصل من أجل التحرر من نير الاستعمار وإرساء الأسس الأولى لمغرب مستقل وحديث وموحد ومتضامن. كما تعتبر ذكرى عيد الاستقلال من أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة لما لها من مكانة عظيمة في الذاكرة الوطنية وما تمثله من رمزية ودلالات عميقة تجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية.
وبتخليد هذه الذكرى المجيدة أيضا ، يستحضر المغاربة السياق التاريخي لهذا الحدث العظيم الذي لم يكن تحقيقه أمرا سهلا بل ملحمة كبرى حافلة بفصول مشرقة وعبر ودروس عميقة وبطولات عظيمة وتضحيات جسيمة ومواقف تاريخية خالدة صنعتها ثورة الملك والشعب التي تفجرت طاقاتها إيمانا والتزاما ووفاء بالعهد وتشبثا بالوطنية الخالصة في أسمى مظاهرها.
فقد انتصرت الإرادة القوية للأمة، بتناغم مع العرش للدفاع عن القيم الوطنية المقدسة، على مخططات المستعمر الذي لم يدرك أنه بإقدامه على نفي رمز الأمة، جلالة الملك الراحل محمد الخامس وأسرته، لم يقم سوى بتأجيج وطنية المغاربة والتعجيل بنهاية عهد الحجر والحماية.
وبعد الاستقلال انخرط الشعب المغربي، قويا باستقلاله آنذاك ، في مجهود البناء الوطني لتشييد مغرب حر تمكن من فرض مكانته بين الأمم، تحت قيادة أب الأمة وخلفه الراحل جلالة الملك الحسن الثاني الذي عزز التوجهات القائمة على الديمقراطية، والتعددية السياسية والليبرالية الاقتصادية. وبعد إرساء ورش التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يواصل جلالة الملك محمد السادس اليوم، سيرا على نهج جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني قدس الله روحيهما ، هذه الدينامية المتجددة عبر إرساء أسس اقتصاد عصري وتنافسي وتحديث المملكة وتكريس قيم الديمقراطية والمواطنة.
وهكذا تعززت في عهد جلالة الملك محمد السادس روابط التعايش والالتحام بين العرش والشعب من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية والنهوض بالتنمية السوسيو-اقتصادية، في إطار مغرب المؤسسات والديمقراطية. واليوم يعيش الشعب المغربي عهدا جديدا بقيادة جلالة الملك محمد السادس الذي يسير بشعبه نحو مدارج التقدم والحداثة وتحصين المكاسب الديمقراطية، مواصلا مسيرة الجهاد الأكبر وتثبيت وصيانة الوحدة الترابية للمغرب وإذكاء إشعاعه الحضاري كبلد للسلام والتضامن والتسامح والاعتدال والقيم الإنسانية المثلى.
مناسبة عيد الاستقلال ذكرى مجيدة يحق لكل المغاربة الاعتزاز برمزيتها التاريخية