دخلت فرنسا في نفق خطير ومظلم بعد أن أعلن رئيس رواندا بول كاغامي أنها شاركت بشكل كامل في الإبادة الجماعية التي تعرضت لها قبائل التوتسي، وهي الإبادة التي مارستها قبائل الهوتو التي كانت حاكمة آنذاك. وبدل أن تساهم فرنسا في حماية المواطنين الروانديين من خطر الإبادة فقد شاركت فيها مشاركة كاملة وتامة، وبالتالي فإن الدولة الفرنسية اليوم أمام تهمة خطيرة مرفوضة دوليا وتتناقض مع القيم التي تدعي أنها تدافع عنها.
ولم تعد كيغالي قادرة على كتم هذا الأمر ولكن أخرجته للعلن وأعلنت أن السفير الفرنسي لدى رواندة شخص غير مرغوب في مشاركته في تخليد الذكرى العشرين لهذه المجازر الجماعية، التي ذهب ضحيتها حوالي 800 ألف شخص من مواطني التوتسي، أي أنه لا يمكن "أن تقتل القتيل وتذهب في جنازته"، واعتبرت أنه من غير الأخلاقي مشاركة فرنسا في تخليد هذه الذكرى التي ستبقى وصمة عار على جبين الإنسانية التي وقفت تتفرج على الذبح والتقتيل، بل ستبقى وصمة عار على جبين فرنسا بلد الحرية والإخاء والمساواة، التي لم تتفرج على مقتل الروانديين التوتسي بل شاركت حلفاءها الهوتو في عملية الإبادة الجماعية.
وتقام مراسم الذكرى العشرين للإبادة تحت شعار "ذكرى ووحدة ونهضة". ويفيد البرنامج الرسمي أن المراسم تشكل "لحظات لاستذكار الأموات وإبداء التضامن مع الأحياء وللوحدة كي لا يتكرر ذلك ابدأ لا في رواندا ولا في مكان آخر". وفي البداية أوقد الرئيس الرواندي بول كاغامي شعلة جابت مختلف مناطق رواندا، شعلة الحداد في نصب غيسوزي التذكاري في كيغالي. وستبقى هذه الشعلة موقدة مائة يوم. كما ستخرج مسيرة وتنظم سهرة بالشموع.
الموضوع ليس سهلا بالنسبة للبشرية، فهو يتعلق بإبادة جماعية، ولهذا حرص بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، على الحضور لأن هذه الفعلة غير مقبولة إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا، وهي إدانة أيضا لفرنسا العضو الدائم العضوية في مجلس الأمن، والتي ترفع عقيرتها يوميا لانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في العالم حتى لو تعلق الأمر ب"بزناز" تم توقيفه والحكم عليه.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن المنظمة الدولية ما زالت "تشعر بالعار" لأنها لم تنجح في منع وقوع هذه المجازر. وبعدما أشاد "بالشجاعة المميزة" لجنود الأممالمتحدة قال في بداية المراسم "كان يمكننا أن نفعل أكثر من ذلك بكثير. كان علينا أن نفعل أكثر من ذلك بكثير. لقد سحب جنود حفظ السلام من رواندا عندما كنا بأمس الحاجة إليهم". فرنسا إذن متورطة حتى النخاع في هذه الجريمة. فمن أوحى لقوات حفظ السلام بالخروج في هذا الوقت الحرج؟
وأعلن مصدر دبلوماسي أن السلطات الرواندية سحبت اعتماد السفير الفرنسي في كيغالي للمشاركة في مراسم إحياء ذكرى حملة الإبادة التي شهدتها البلاد في 1994 ومنعته بذلك من تمثيل باريس. ولم يتمكن السفير الفرنسي ميشيل فليش من تمثيل وزيرة العدل كريستين توبيرا في مراسم إحياء الذكرى اول امس الاثنين.