تجسد الالتزام الفعلي للمملكة المغربية من أجل تعاون جنوب - جنوب متضامن ومقدام، والذي عبرت عنه المملكة على أعلى مستويات الدولة، مرة أخرى على أرض الواقع. هذه المرة كان الدور على مالي، من خلال التوقيع اليوم الخميس على عدد هام من اتفاقيات التعاون في القطاعات الأساسية والتي سيكون لها من دون شك الأثر المباشر على تحسين ظروف عيش السكان الماليين. ويجسد الأثر الكبير للاتفاقيات السبعة عشر التي تم التوقيع عليها بالقصر الرئاسي بكولوبا بالعاصمة المالية باماكو في حفل ترأسه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره ال،له ورئيس جمهورية مالي السيد إبراهيم بوباكار كيتا، بشكل واضح واجب التضامن الذي يلتزم به المغرب اتجاه مالي التي خرجت على التو من أزمة أضرت بشكل كبير باقتصاد البلاد وبنياته التحتية ومؤسساته. وتغطي هذه الاتفاقيات مجموعة من المجالات المتنوعة تهم حماية الاستثمارات وتربية المواشي والنقل الجوي والصناعة ودعم التجارة والصحة عبر اتفاقية توأمة بين المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط والمركز الاستشفائي "جي" بباماكو، وتوأمة المستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء مع المركز الاستشفائي الجامعي جبريل توري بباماكو، وقطاع المعادن، والبترول والغاز، والاتصالات ، والسكن ، والتكوين المهني ، والتعاون في مجال المناطق الصناعية ، والماء، والكهرباء، والأعمال.
ومن شأن هذه الاتفاقيات، أن تساعد مالي على النهوض باقتصادها من خلال الاستفادة من تجربة وخبرة المغرب في مختلف هذه المجالات. وتندرج هذه الاتفاقيات، التي ينخرط فيها القطاعان العام والخاص، في إطار المقاربة الملكية المندمجة اتجاه إفريقيا والتي تضع العنصر البشري في صلب مسلسل وأهداف التنمية، على أساس التوزيع العادل لآثار التنمية.
ومنذ اعتلاء جلالة الملك عرش أسلافه الميامين، حرص جلالته على إعطاء توجه جديد وبعد إنساني ومتضامن للتعاون بين المغرب والبلدان الإفريقية ، حيث ما فتئ جلالته يجدد التأكيد على الخيارات الاستراتيجية للمملكة من أجل تعزيز التعاون جنوب - جنوب وهو ما تعكسه العدد الهام وتنوع اتفاقيات التعاون الموقعة مع مالي والتي تروم دعم برامج التنمية البشرية بالنظر لآثارها المباشرة على الرفع من مستوى عيش الماليين. هذه الخيارات الاستراتيجية لفائدة التعاون جنوب جنوب، تجسدت على أرض الواقع بمناسبة الزيارة الملكية لمالي حيث أنه وبتعليمات ملكية سامية، سيقوم المكتب الشريف للفوسفاط مستقبلا بإنشاء مصنع بالجرف الأصفر مخصص لإنتاج البذور ، يوجه إنتاجه كليا وحصريا نحو إفريقيا حيث ستصل طاقته الإنتاجية إلى مليون طن من البذور سنويا. وبهذه المبادرة، يسعى جلالة الملك، إلى تمكين الأراضي الفلاحية بإفريقيا من تموين مستقر ومنتظم مما سيضمن تطوير القطاع الفلاحي للقارة الذي يتوفر على مؤهلات كبيرة لا تستغل بسبب غياب البذور. وتؤكد الاتفاقيات الموقعة اليوم بمالي مرة أخرى دعم المغرب الموصول لمالي من خلال مواكبتها في إعادة البناء في إطار شراكة رابح - رابح وهو ما ينضاف إلى باقي مجالات التعاون على مستوى تدبير الشأن الديني من خلال وضع التجربة المغربية رهن إشارة مالي، كنموذج للوسطية والاعتدال وحاجزا ضد التطرف.
وكان جلالة الملك قد أكد في نص الخطاب الذي ألقاه جلالته خلال حفل تنصيب الرئيس المالي بباماكو في شتنبر المنصرم أن المغرب "المتشبث بالتعاون جنوب-جنوب، لن يدخر أي جهد لمواكبة ودعم مالي ، البلد الجار الشقيق، في المجالات الاجتماعية والاقتصادية التي تعتبرونها ذات أسبقية" موضحا أن المملكة ستقدم "الدعم اللازم لبرامج بلدكم في مجال التنمية البشرية، خاصة في ما يتعلق بتكوين الأطر والبنيات التحتية الأساسية والصحية".
وشدد صاحب الجلالة أن "التعاون القائم بيننا سيحفز رجال الأعمال على تعزيز انخراطهم في تطوير المبادلات والاستثمارات بين بلدينا، بما يترتب على هذه الدينامية من توفير فرص التشغيل ومن انتقال للكفاءات ولرؤوس الأموال" مشيرا جلالته إلى ان "حلم مالي كبلد ينعم بالسلم قد أصبح اليوم حقيقة. وفي هذه الصفحة الجديدة التي تكتب من تاريخ مالي فإن المغرب سيظل الشريك الملتزم والوفي لبلدكم".