لايبدو أن فترة زمنية طويلة تفصل بيننا وبين بداية استخدام الأجهزة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي كأجزاء حقيقية من جسمنا البشري، ليس كأجهزة خارجية فحسب. ومع أن زراعة الأجهزة الإلكترونية في الجسم البشري لمساعدته أو تطويره أو حتى مراقبة عملياته الحيوية هي ليست بالشيء الجديد نسبيا، ولكنها اقتصرت في الماضي على إضافة مكونات مهمة حيوياً للجسم، مثل تعويض عن قصور موضعي أو خلل في إحدى وظائفه، فهناك مثلا منظمات ضربات القلب الإلكترونية بالإضافة إلى بعض المحاولات التجريبية مثل زراعة الشرائح الإلكترونية التي تراقب ضغط الدم وكمية السكر في الدم عند مرضى السكري. ولكن شركة ألمانية دفعت بتكنولوجيا زراعة الرقائق الإلكترونية إلى مسار آخر، فشركة “I am Robot” ويعني اسمها (أنا إنسان آلي) بدأت بشكل تجاري بتقديم خدمات تتعدى إطار الوظائف الحيوية، إلى المعلوماتي منها. فالشريحة التي تبيعها الشركة تعمل بشكل متكامل مع أجهزة الهواتف المحمولة والساعات الذكية المتوافقة معها، بالإضافة إلى قدرتها على مخاطبة مجموعة كبيرة من الأجهزة باستخدام معيار (NFC) أو “الاتصال ضمن مجال قريب” وهو معيار تستخدمه الهواتف المحمولة لمصادقة هوية المستخدمين ونقل بيانات من جهاز لآخر على أبعاد محدودة لا تتجاوز الخمسة سنتمترات تقريباً. يقول رئيس الشركة التنفيذي سفين بيكر في حوار أجراه مع يورونيوز “حتى تعمل الشريحة بشكل جيد يجب زراعتها عند أخصائي أو في عيادة “بيرسنغ”، ومن ثم برمجتها لتعمل عن طريق تطبيق خاص على الهاتف الذكي”. ويتم زراعة الشريحة في أنسجة اليد الرقيقة بين السبابة والابهام. نجاح غير متوقع بيكر قام بتأسيس شركته في العام 2015، وقام في الأيام الأربعة الأولى ببيع أول عشرة نماذج لرقائقه الفريدة والتي جربها عليه شخصيا قبل وضعها في الخدمة. ويتوقع بيكر أن يكون هناك بين 2000 و 3500 مستخدم حالياً في ألمانيا وحدها ممن قاموا “بتطوير أجسامهم” عن طريق زراعة شرائح إلكترونية (NFC). ويقول بيكر إن الشريحة لا يقتصر استخدامها على كونها هوية إلكترونية فحسب، بل هي قابلة للبرمجة لتصبح بديلا عن بطاقة العمل الشخصية وبطاقة استخدام المواصلات العامة، وحتى لديها القدرة على حفظ كمية بسيطة من البيانات مثل عناوين مواقع على الانترنيت. ويأمل بيكر أن تقوم شركات أخرى بتبني هذه التقنية مثل الشركات المالية والبنوك، وخاصة أن الناس بدأت مؤخرا بالاعتماد على تقنية مشابهة لإتمام المعاملات النقدية بدون ملامسة مباشرة، ولكنها مازالت تستخدم بطاقات من نوع معين مثل بطاقات الودائع المصرفية أو بطاقات الاعتماد المالي. ولا يخفي بيكر نظرته المستقبلية بأن يدفع ضغط التواصل الاجتماعي وتقنية مشاركة المعلومات بالبشر لأن يقوموا بزراعة الرقائق الإلكترونية في أجسادهم. ولكنه يشير إلى بعض مخاوفه من سلبياتها، فأنت لا تريد أن ترسل معلوماتك المهمة إلى شخص آخر بمجرد أن يمرر هاتفه أمام يدك بدون علمك. لهذا يظن بيكر أن موضوع زراعة تلك الرقائق سيبقى خياراً متاحاً للبشر وليس شيئا إجباريا.