لم يتمكن أحد، خلال بداية القرن الماضي، ولا حتى قبله، من اختراق عالم الحريم. ظلت الملكية في المغرب، هدفا كبيرا لكبار المستكشفين الذين جاؤوا في مهمات دبلوماسية وحتى «مخابراتية» إلى المغرب. ولم يفلحوا، رغم نجاحهم في اختراق المربع الملكي وقتها للقصور، في اختراق عالم الحريم، ولم ينجحوا أيضا في ربط علاقات مع عالم الحريم الذي لم تنجح في اختراقه حتى أقوى زوجات المبعوثين الدبلوماسيين إلى المغرب، بمختلف جنسياتهم. لنبدأ بما وقع في عهد المولى عبد العزيز. فهذا الشاب، راجت عنه إشاعات كثيرة في ما يتعلق بعالم الحريم. مصدر هذه الإشاعات هو بعض كتابات الأجانب الذين جاؤوا إلى المغرب خصيصا للظفر باتفاقيات تجارية أو للبحث عن حظوة دبلوماسية لبلادهم بالمغرب. جاءت في كتاب المحلات السلطانية، شهادة لأحد الصحفيين البريطانيين المحظوظين الذين لازموا السلطان المعين حديثا، كظله، وقال إنه كان يرى نساء القصر يتعلمن ركوب الدراجة الهوائية في إحدى الساحات، كما أنه تمكن من دخول عالم الحريم لأول مرة في حياته عندما تم استدعاؤه لتركيب عدة شاشة العرض السينمائي التي اقتناها القصر من الخارج، وقال في إحدى الصفحات إنه لما كان منهمكا ببث الصور المتحركة فوق قطعة الثوب، كان يسمع ضحكات النساء المكتومة، ويرى أثر الأيدي النسائية وهي تلامس الثوب لتحسس تلك الصور المتحركة. هذه الكتابات، قوبلت باستهجان شديد من طرف المؤرخين الرسميين، الذين فندوا أن يتمكن أحد ما من دخول عالم الحريم بالقصور الملكية، مؤكدين أن الستار المضروب حول نساء القصر لم يكن يوما موضوع استكشاف من طرف أي أجنبي دخل المغرب. هذا الطرح يدعمه مقال لأحد صحفيي التايمز البريطانية، والذي وصف فيه المغرب كما قرأ عنه قبل أن يزوره، إذ أنه كان من المتأخرين الذين حلوا بالمغرب سنة واحدة فقط، قبل أن تفوز فرنسا بصفقة الحماية وتنسحب بريطانيا إلى الخلف. يقول إنه قرأ باهتمام كبير شهادات أحد زملائه بخصوص دخوله دهاليز قصر فاس، وتمكنه من رؤية الحريم، وقال إن الأيام القليلة التي قضاها هناك إلى جانب المولى عبد الحفيظ أشهرا فقط بعد رحيل المولى عبد العزيز عن السلطة، كانت كافية بالنسبة له ليتأكد أن ما كتبه مواطنه لم يكن إلا محض خيال عابر، إن الجميع أكدوا له أنه من المستحيل الدخول إلى عالم الحريم، وأنهن لا يخالطن بقية المترددين على القصر بأي شكل من الأشكال، وأن هناك ضوابط وبروتوكولات صارمة للغاية، تتبع لضرب ستار كبير من الغموض حول نساء القصور. يقول أيضا إنه دخل مرة في زيارة عاجلة على المولى عبد الحفيظ، على إثر توصله برسالة دبلوماسية، واستدعاه للتشاور بشأنها، وطلب رأيه في اتخاذ مبادرة تجاه الألمانيين الذين كانوا وقتها يطلبون مواعيد للقاء المولى عبد الحفيظ دون جدوى. في ذلك اللقاء المثير الذي جاء في وقت متأخر ليلا، يقول الكاتب، لورنس هاريس، إنه كان متفائلا جدا بشأن اللقاء، وقال في قرارة نفسه إن المناسبة ما دامت في وقت متأخر، فإنه سيمكن لا محالة من رؤية عالم الحريم، لكن خيبته كانت كبيرة عندما وجد السلطان ينتظره في مكان قصي قرب مجلسه، بعيدا عن الممرات والأبواب التي تؤدي إلى عالم الحريم السري، وتبين له بعد ذلك، من خلال دردشات عابرة مع بعض العاملين ممن جمعته بهم صداقات، أنه من المستحيل أبدا أن يتسلل أي كان إلى جناح الحريم، ليعلم بعد ذلك أن ما كتب بهذا الشأن بيد الزوار الأجانب السابقين، مجرد خيالات لا غير. تعذر على زوجات المسؤولين الدبلوماسيين بطنجة، أن يلتقين بنساء القصور وزوجات الملوك وحتى خادماتهم، خصوصا في السنوات الأولى لبداية القرن الماضي. لكنهن بالمقابل، استطعن لقاء نساء أخريات، كن ينقلن إليهن معالم الجمال المغربي، وأذواق نساء القصور. زوجة المهدي المنبهي، الوزير القوي في دولة المولى عبد العزيز، كانت واحدة من النساء اللواتي ربطن صداقات بطنجة، مع زوجات كبار الدبلوماسيين الفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين أيضا. تحولت إلى الذوق الأوروبي بسرعة، رغم أنها لم تكن تتقن اللغات الأجنبية، وتقول بعض الكتابات التي لا تخلو من طرافة إن هذه السيدة كانت تتواصل مع ضيفاتها بلغة الإشارات وتقدم لهن في كل زيارة هدية نسائية مغربية، وهو ما سمح لهن جميعا بتكوين صورة أكثر وضوحا عن عالم زوجات الحكام المغاربة. وكما تحدثت بعض الكتب عن المنبهي وعلاقاته، كوزير نافذ، مع أصدقائه الأجانب الذين تسابقوا للفوز بصداقته فور وصولهم إلى المغرب، فإن كتابات أخرى، تحدثت بإسهاب عن زوجته التي ضرب عليها ستائر سميكة طوال سنوات خدمته السياسية والعسكرية في محيط قصر فاس، والفترة التي انطلق فيها إلى طنجة. ورغم أنه كان يحضر، شأنه شأن الكثيرين، حفلات مختلطة، تجمع السفراء والدبلوماسيين وزوجاتهم، إلا أنه لم يكن ليغامر بإحضار زوجته لمخالطتهم، وظل يبعد نساءه عموما عن أعين أصدقائه الأوروبيين، رغم أنه كان يجالسهم رفقة زوجاتهم. لكن ما لم ينتبه إليه المنبهي، هو أن زوجات أولئك الدبلوماسيين، كن يتحدثن كثيرا عن زوجته، ويصفنها وصفا دقيقا لأزوجاهم، وأجمعوا على أنها كانت فائقة الجمال، بشكل جعل أولئك الدبلوماسيين ينظرون إلى المهدي المنبهي كرجل مغربي يفهم في الجمال ويقدره، بعكس التصور الذي كان سائدا لديهم عن المغاربة. التتمة في ملف نهاية الأسبوع من جريدة "الأخبار"
أبشع تعذيب تعرضت له يهودية مغربية ونساء عرضن للبيع في المزاد للحديث عن عالم النساء في المغرب، تلزمك عودة كبيرة إلى الوراء. ولأن التاريخ هنا شاسع بحجم قصص نساء مغربيات غير عاديات في عالم كان يسيطر عليه الرجال، فإن المهمة التاريخية لن تكون سهلة بالتأكيد. في القديم، كانت نساء مغربيات قد استطعن مقارعة الرجال في ميدان العلوم، وهناك كتابات كثيرة عن نساء مغربيات سافرن إلى الحج وقررن الاستقرار في المشرق لفترة لتلقي العلم هناك، وعدن إلى المغرب لتلقين تلاميذهن الرجال. لكننا في هذا الملف، سنضيق الدائرة قليلا، لنقف عند بداية القرن الماضي. ففي البداية كانت النساء يعشن خلف أسوار يستحيل النفاذ عبرها إلى عالم النساء المهمات. وحتى في الوقت الذي كانت فيه أسواق المغاربة تغص بالنساء، فإن الحديث إليهن والتعرف من خلالهن على عالم النساء ظل مستحيلا. ما مدى صحة كون بعض الأجانب الذين وصفوا أنفسهم بالمحظوظين، استطاعوا التوغل في عالم حريم القصور الملكية والكتابة عن ذلك العالم السري؟ في هذا الملف سترون كيف أن تضاربا كبيرا في الروايات، يجعل منها محط كثير من الشكوك، ويظهر أن المحاولات الأولى لاكتشاف عالم الحريم، كانت بطلاته دائما من النساء، ورغم ذلك فإنهن لم يفلحن في التعرف عليه عن قرب. وبقيت محاولاتهن حبيسة روايات نقلت إليهن شفهيا، على ألسن نساء رجال المخزن الذين تربوا في القصور وأخلصوا في خدمة السلاطين الذين تعاقبوا على حكم المغرب. ومضى التاريخ إلى الأمام، وسجل انتهاكات جسيمة لحقوق النساء، خصوصا منهن اللواتي كن ينتمين إلى عالم الإماء واستغلهن الزمن في تجارة العبيد، أو الأقليات الدينية كاليهود.. في إطار ما كان يمارس في المغرب وقتها من تجاوزات. ثم يأتي الزمن الذي ستصبح فيه أسماء الأميرات المغربيات مقترنة بأسمى المناصب الدبلوماسية بالخارج، منذ السنوات الأولى لحكم الملك الراحل محمد الخامس. وجاء الاستقلال، ليسجل قصة امرأة مغربية استثنائية، هي ثريا الشاوي.. وسترون كيف أنها شكلت بتحليقها في الجو، حدثا أكبر من خبر مقتلها. بين جور الزمان وتقلبات التاريخ، عاشت المغربيات في ظل الجاه والسيادة عالما خاصا بهن، فيم سجل التاريخ أيضا مأساة الكثيرات، قبل أن يأتي الزمن الذي ستنتقل فيه المرأة المغربية إلى مرحلة أخرى أكثر تطورا. وبين التاريخين.. قصص أخرى.
هل استطاع الأجانب التوغل في عالم الحريم السري؟ لم يتمكن أحد، خلال بداية القرن الماضي، ولا حتى قبله، من اختراق عالم الحريم. ظلت الملكية في المغرب، هدفا كبيرا لكبار المستكشفين الذين جاؤوا في مهمات دبلوماسية وحتى «مخابراتية» إلى المغرب. ولم يفلحوا، رغم نجاحهم في اختراق المربع الملكي وقتها للقصور، في اختراق عالم الحريم، ولم ينجحوا أيضا في ربط علاقات مع عالم الحريم الذي لم تنجح في اختراقه حتى أقوى زوجات المبعوثين الدبلوماسيين إلى المغرب، بمختلف جنسياتهم. لنبدأ بما وقع في عهد المولى عبد العزيز. فهذا الشاب، راجت عنه إشاعات كثيرة في ما يتعلق بعالم الحريم. مصدر هذه الإشاعات هو بعض كتابات الأجانب الذين جاؤوا إلى المغرب خصيصا للظفر باتفاقيات تجارية أو للبحث عن حظوة دبلوماسية لبلادهم بالمغرب. جاءت في كتاب المحلات السلطانية، شهادة لأحد الصحفيين البريطانيين المحظوظين الذين لازموا السلطان المعين حديثا، كظله، وقال إنه كان يرى نساء القصر يتعلمن ركوب الدراجة الهوائية في إحدى الساحات، كما أنه تمكن من دخول عالم الحريم لأول مرة في حياته عندما تم استدعاؤه لتركيب عدة شاشة العرض السينمائي التي اقتناها القصر من الخارج، وقال في إحدى الصفحات إنه لما كان منهمكا ببث الصور المتحركة فوق قطعة الثوب، كان يسمع ضحكات النساء المكتومة، ويرى أثر الأيدي النسائية وهي تلامس الثوب لتحسس تلك الصور المتحركة. هذه الكتابات، قوبلت باستهجان شديد من طرف المؤرخين الرسميين، الذين فندوا أن يتمكن أحد ما من دخول عالم الحريم بالقصور الملكية، مؤكدين أن الستار المضروب حول نساء القصر لم يكن يوما موضوع استكشاف من طرف أي أجنبي دخل المغرب. هذا الطرح يدعمه مقال لأحد صحفيي التايمز البريطانية، والذي وصف فيه المغرب كما قرأ عنه قبل أن يزوره، إذ أنه كان من المتأخرين الذين حلوا بالمغرب سنة واحدة فقط، قبل أن تفوز فرنسا بصفقة الحماية وتنسحب بريطانيا إلى الخلف. يقول إنه قرأ باهتمام كبير شهادات أحد زملائه بخصوص دخوله دهاليز قصر فاس، وتمكنه من رؤية الحريم، وقال إن الأيام القليلة التي قضاها هناك إلى جانب المولى عبد الحفيظ أشهرا فقط بعد رحيل المولى عبد العزيز عن السلطة، كانت كافية بالنسبة له ليتأكد أن ما كتبه مواطنه لم يكن إلا محض خيال عابر، إن الجميع أكدوا له أنه من المستحيل الدخول إلى عالم الحريم، وأنهن لا يخالطن بقية المترددين على القصر بأي شكل من الأشكال، وأن هناك ضوابط وبروتوكولات صارمة للغاية، تتبع لضرب ستار كبير من الغموض حول نساء القصور. يقول أيضا إنه دخل مرة في زيارة عاجلة على المولى عبد الحفيظ، على إثر توصله برسالة دبلوماسية، واستدعاه للتشاور بشأنها، وطلب رأيه في اتخاذ مبادرة تجاه الألمانيين الذين كانوا وقتها يطلبون مواعيد للقاء المولى عبد الحفيظ دون جدوى. في ذلك اللقاء المثير الذي جاء في وقت متأخر ليلا، يقول الكاتب، لورنس هاريس، إنه كان متفائلا جدا بشأن اللقاء، وقال في قرارة نفسه إن المناسبة ما دامت في وقت متأخر، فإنه سيمكن لا محالة من رؤية عالم الحريم، لكن خيبته كانت كبيرة عندما وجد السلطان ينتظره في مكان قصي قرب مجلسه، بعيدا عن الممرات والأبواب التي تؤدي إلى عالم الحريم السري، وتبين له بعد ذلك، من خلال دردشات عابرة مع بعض العاملين ممن جمعته بهم صداقات، أنه من المستحيل أبدا أن يتسلل أي كان إلى جناح الحريم، ليعلم بعد ذلك أن ما كتب بهذا الشأن بيد الزوار الأجانب السابقين، مجرد خيالات لا غير.
هكذا كانت نساء رجال المخزن يبهرن الأوروبيات! تعذر على زوجات المسؤولين الدبلوماسيين بطنجة، أن يلتقين بنساء القصور وزوجات الملوك وحتى خادماتهم، خصوصا في السنوات الأولى لبداية القرن الماضي. لكنهن بالمقابل، استطعن لقاء نساء أخريات، كن ينقلن إليهن معالم الجمال المغربي، وأذواق نساء القصور. زوجة المهدي المنبهي، الوزير القوي في دولة المولى عبد العزيز، كانت واحدة من النساء اللواتي ربطن صداقات بطنجة، مع زوجات كبار الدبلوماسيين الفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين أيضا. تحولت إلى الذوق الأوروبي بسرعة، رغم أنها لم تكن تتقن اللغات الأجنبية، وتقول بعض الكتابات التي لا تخلو من طرافة إن هذه السيدة كانت تتواصل مع ضيفاتها بلغة الإشارات وتقدم لهن في كل زيارة هدية نسائية مغربية، وهو ما سمح لهن جميعا بتكوين صورة أكثر وضوحا عن عالم زوجات الحكام المغاربة. وكما تحدثت بعض الكتب عن المنبهي وعلاقاته، كوزير نافذ، مع أصدقائه الأجانب الذين تسابقوا للفوز بصداقته فور وصولهم إلى المغرب، فإن كتابات أخرى، تحدثت بإسهاب عن زوجته التي ضرب عليها ستائر سميكة طوال سنوات خدمته السياسية والعسكرية في محيط قصر فاس، والفترة التي انطلق فيها إلى طنجة. ورغم أنه كان يحضر، شأنه شأن الكثيرين، حفلات مختلطة، تجمع السفراء والدبلوماسيين وزوجاتهم، إلا أنه لم يكن ليغامر بإحضار زوجته لمخالطتهم، وظل يبعد نساءه عموما عن أعين أصدقائه الأوروبيين، رغم أنه كان يجالسهم رفقة زوجاتهم. لكن ما لم ينتبه إليه المنبهي، هو أن زوجات أولئك الدبلوماسيين، كن يتحدثن كثيرا عن زوجته، ويصفنها وصفا دقيقا لأزوجاهم، وأجمعوا على أنها كانت فائقة الجمال، بشكل جعل أولئك الدبلوماسيين ينظرون إلى المهدي المنبهي كرجل مغربي يفهم في الجمال ويقدره، بعكس التصور الذي كان سائدا لديهم عن المغاربة.
هذه أول أميرة تُخرج عالم الحريم إلى العلن قُدر لعالم الحريم أن ينكشف مع مرور السنوات، وتظهر بعض ملامحه العريقة في شخصية ابنة المولى عبد العزيز، واسمها لالة فاطمة الزهراء، والتي تربت في جناح حريم القصر وتشبعت بتربية القصور القديمة، لتصبح بعد ذلك زوجة الأمير مولاي المهدي الذي كان حاكما في منطقة الشمال، في عهد الملك محمد الخامس، حيث عين زوجها سفيرا للملك بالعاصمة البريطانية لندن، وتتعرف عليها هناك سيدات المجتمع اللندني عن قرب. وبما أنها بنت السلطان عبد العزيز فقد حصلت على لقب الأميرة، ولم تفارقها الصفة الأميرية، لتشكل داعما تاريخيا لها وسندا لزوجها في مهمته الدبلوماسية بالعاصمة لندن خلال الأربعينات والخمسينات. وفي عهد الملك الراحل الحسن الثاني، عين زوج الأميرة فاطمة الزهراء، واليا على بنك المغرب. بعد ذلك، أصبحت الأميرة فاطمة الزهراء، وجها نسائيا معروفا بعد اضطلاعها برئاسة الاتحاد النسائي الوطني المغربي. وفي منتصف شتنبر 2003، أعلن خبر وفاة الأميرة لالة فاطمة الزهراء، والتي تذكر المغاربة، باحثين ومهتمين، بواحدة من أكثر الأميرات المغربيات، تجسيدا لعالم الحريم، وإخراجه إلى الوجود عبد تمثيل المغرب دبلوماسيا بالخارج، بعد أن كان عالم حريم القصور الملكية لا يخرج عن جناح الحريم.
الكادحات المغربيات.. تاريخ أسود لاستغلال النساء تجمع بعض الكتابات الأجنبية على أن أكثر المغربيات معاناة، هن اللواتي كن ينتمين إلى فئة العبيد. ففي مراكش، حيث كان هناك سوق شهير ينظم كل أسبوع لبيع العبيد والإماء في طقوس تشبه المزاد العلني. وفي مناسبتين، نُشرت تفاصيلهما في صفحات جريدة التايمز اللندنية ما بين سنوات 1908 و1909، ولا تزال قابعة في أرشيف الجريدة إلى اليوم، كانت هناك شبه ربورتاجات مصغرة عن يوميات من المغرب كتبها صحفيون ومستكشفون. هذه الكتابات، تطرقت أكثر من مرة إلى طقوس بيع النساء في الأسواق الأسبوعية بالمغرب، وتحدث أصحابها عن جشع الذين كانوا ينشطون في تلك التجارة، وصوروا معاناة الأمهات اللواتي يتم بيعهن بمعزل عن أبنائهن. في أحد سوق النخاسة بمراكش، في بداية القرن الماضي، جرت أطوار عملية بيع، أثرت كثيرا في نفسية الصحفي الذي كتب المقال لجريدة التايمز، وقال إن تلك الطقوس ذكرته بما كان يقوم به أجداده قبل مئات السنين عندما كانوا يجلبون العبيد من أوروبا ووصف الأمر بالفظيع. وتعجب لكون الرجال المغاربة، الذين لا يترددون في ترديد القرآن الكريم وأداء الصلوات في المساجد 5 مرات في اليوم، لا يتأثرون لتلك المشاهد المحزنة التي يفرقون فيها بين الأم وأبنائها، عندما يتقرر بيعها لمشتر لا يرغب في أبنائها، والذين يتم بيعهم بشكل منفصل أيضا. المثير أيضا أن النساء اللواتي تم استغلالهن في تجارة العبيد، لم يكن يخضعن لرقابة الرجال دينيا، إذ إنهن لم يكن مطالبات بأداء الصلوات ولا ارتداء الحجاب أمام الرجال الأجانب، وكن يخرجن إلى الأسواق برؤوس مكشوفة، في الوقت الذي كان مفروضا على النساء الأخريات أن يلتزمن بالحشمة ويغطين أجسادهن كليا أثناء خروجهن من المنازل. كما أن النساء اللواتي يتم الاتجار بهن، وهن سوداوات البشرة، كان يسمح لهن بخدمة الضيوف، وتعجب كاتب المقال من كون رب المنزل يسمح لخادمة أن ترضع ابنها الصغير أمام ضيوفه، ليروا صدرها مكشوفا أمامهم، في وقت كان محرما كليا على النساء الأخريات أن يظهرن أمام الضيوف ولو بشكل عابر.
زليخة.. قصة أشهر يهودية ماتت بطريقة مأساوية يسترجع اليهود المغاربة قصتها بكثير من الخشوع، وتحولت في أيامها قبل قرون خلت إلى رمز ديني. في التراث اليهودي بالمغرب، يروج أن زليخة هذه، كانت محط أنظار الشبان اليهود جميعا. لكن عينا رقبتها، وأرادت عرضها هدية على حريم القصور، ومعلوم أنه لكي يتم قبولها كواحدة من الحريم، لابد أن تدخل الدين الإسلامي أولا، وهو الأمر الذي رفضته الفتاة رفضا قاطعا. في كتب التراث اليهودي دائما، جاء أن زليخة تعرضت في البداية لإغراءات كثيرة حتى تتحول إلى الدين الإسلامي وظلت على موقفها الرافض، فتحولت لغة الترغيب إلى ترهيب. وهكذا استبدلت طريقة الخطاب معها وانتهى الكلام ليحل محله السكين. فقد «قطعت أصابع يديها اليمنى أصبعا تلو الآخر، وتمت رعايتها حتى تعيش وتصح مجددا. بعد ذلك مزقت أطراف جسدها الأبيض، بدءا بالأصابع ثم اليدين والأقدام والساقين. وبين كل عملية قطع وأخرى، يؤتى بأحسن الأطباء لعلاجها حتى تبقى على قيد الحياة. وبقيت إلى أن ماتت». يستعيد اليهود ذكراها في كتب التراث اليهودي كواحدة من النساء اليهوديات اللواتي يخصص لهن ضريح يزار سنويا، خصوصا وأن رجال دين يهودا كثيرين أوصوا بتقديس ذكراها لدى اليهود حتى تنتقل قصتها عبر أجيال اليهود المغاربة. وتسجل نفس الروايات أنه في الفترة التي كان يُضغط على زليخة اليهودية لتدخل الدين الإسلامي حتى يقدمها الراغبون في التقرب من القصر كهدية لجناح الحريم السلطاني، توسط رجال دين يهود، يشرفون على أحياء اليهود المعروفة باسم «الملاح»، ونصحوا الفتاة أن تقبل الأمر الواقع وتصبح مسلمة لتحفظ حياتها، وهو الأمر الذي رفضته حسب تلك الروايات، ليوصي هؤلاء أنفسهم بعد موتها، بتخليد ذكراها وتحويل قبرها إلى مزار لليهود المغاربة. جوانب غير معروفة من حياة ثريا الشاوي في فاتح مارس سنة 1956 كان عمرها 19 سنةّ، ورحلت في ريعان الشباب، بعد أن ارتبطت لدى المغاربة بأنها أول سيدة مغربية تتعلم قيادة الطائرات، في وقت كان المجال جديدا على المغاربة عموما. وحسب مصادر مقربة من عائلة ثريا الشاوي، فإنها تمكنت من التحليق لأول مرة وسنها لا يتجاوز 16 سنة. عندما نشرنا في «الأخبار»، في مذكرات أحمد البخاري، أن الطيارة المغربية ثريا الشاوي، لقيت حتفها على يد عصابة أحمد الطويل، الذي كان واحدا من أخطر رجال البوليس الذين اشتغلوا سابقا في ميدان المقاومة قبل الاستقلال سنة 1956، جاءت اتصالات كثيرة، من شخصيات عاشت ذلك اليوم الرهيب الذي أعلن فيه خبر موتها «اللغز». ووفق بعض المصادر القريبة من عائلة الشاوي، فإن أصدقاءها والمحيطين بها كانوا يعلمون جيدا أنها كانت تتعرض لمضايقات كثيرة، لأيام متواصلة، خصوصا بعد الشهرة التي اكتسبتها كونها أول سيدة مغربية تنجح في قيادة الطائرة والتحليق بها، في وقت كانت فيه نساء كثيرات لا يقوين على مغادرة عتبة البيت. وحسب بعض المصادر من العائلة الكبيرة لثريا الشاوي، فإن الأصابع كانت تشير إلى رجل الأمن وقتها، أحمد الطويل، لكن لا أحد كان يستطيع اتهامه مباشرة بالتورط في مقتلها، لأنها رفضت الزواج منه. كانت عروض الزواج التي انهالت عليها وقتها كثيرة، لكنها كانت تعتذر في كل مرة لأن طموحها كان أكبر من أن تتحول إلى ربة بيت بشكل مبكر. والدها، عبد الحق الشاوي، شكل دعما كبيرا لها في مختلف المراحل التي مرت منها قبل حتى أن تشرع في تعلم الطيران. فبصفته واحدا من الرجال المتنورين وقتها، لم يكن أبدا ليمانع أن تلتحق ابنته بدروس تعلم الطيران، بل كلفه الأمر أن يدعمها ماديا ومعنويا في فترات عصيبة كانت الإدارة الفرنسية تحاول إقصاءها. «الأخبار» تحدثت إلى بعض المصادر المقربة من العائلة، وتأكد لنا أنهم لم يهضموا بعد النهاية المبكرة لثريا الشاوي، وأن آمالا كبيرة كانت قد علقت عليها خصوصا وأن اسمها أصبح على كل لسان سنة 1956. يقال إن ثريا الشاوي هي أول امرأة عربية تمارس الطيران، لكن البعض أكدوا أن سيدة مصرية بدأت التحليق في نفس الفترة التي بدأت فيها ثريا الشاوي خوض غمار الجلوس خلف دفة الطائرة، إلا أن ثريا الشاوي تبقى واحدة من رائدات المجال لأنها تعلمت التحليق في سن السادسة عشرة، وهو سن مبكر جدا. عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة، أفرد لها صفحات مهمة في أحد كتبه، وجمع سيرتها المثيرة للاهتمام، بعد أن التقى عائلتها، واستمع لتفاصيل حياتها على لسان المحيطين بها، في وقت مبكر مباشرة بعد فاجعة موتها. المؤرخ، عبد الحق المريني، كان قد ألف الكتاب الذي تناول حياتها، باسم مستعار، ولم يكن قد نسبه إلى نفسه، إلا بعدما ضاعت الطبعة الأولية، ليعاد طبعه قبل سنوات، في طبعة أخرى باسم مؤرخ المملكة عبد الحق المريني. وهكذا خرجت الطبعة الأولى، بالاسم المستعار، سنة 1956، أي في نفس السنة التي قُتلت فيها ثريا الشاوي. يقول عبد الحق المريني في ك * * * * * * * أضف تعليقك