أكد التقرير الذي أعده الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمرصد المغربي للحريات العامة، ومنتدى بدائل، حول تفكيك مخيم «أكديم إزيك»، حصيلة القتلى التي أعلن عنها رسميا والمحددة في 11 قتيلا من أفراد القوات العمومية، ومدنيين إثنين، مع إصابة سيدة بعيار مطاطي تتماثل حاليا للشفاء، هذا فضلا عن خسائر وأضرار مادية جسيمة من شأن تبعاتها عدم تمكين الساكنة من النفاذ إلى حقوقها، كما رجح احترام الضوابط القانونية من قبل السلطات سواء بالنسبة لاستصدار الأمر القضائي، أو الإنذار المسبق قبل الشروع في التدخل، وفتح جميع منافذ الجلاء، وتوفير عشرات الحافلات لنقل النساء والأطفال والشيوخ وحمايتهم . وأبرزت خلاصات التقرير الذي تم تقديمه صباح يوم السبت بالرباط، والذي يعد نتاج عمل فريق حقوقي انتقل إلى مدينة العيون بتاريخ 9 نونبر للتقصي حول الأحداث التي عرفتها المنطقة على إثر تفكيك مخيم «أكديم إيزيك»، أن مختلف المعطيات والشهادات التي تم استقاؤها من عين المكان أجمعت على عدم استعمال الأسلحة النارية سواء بالمخيم أو بأحياء المدينة. وقام الفريق الذي ضم كلا من خديجة المروازي الكاتبة العامة للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكمال لحبيب رئيس المرصد المغربي للحريات العامة، ومحمد الصبار الرئيس السابق للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، وحورية إسلامي عضوة المكتب التنفيذي لمنتدى بدائل، على مدى ثلاثة أيام (من 9 إلى 12 نونبر الماضي)، بتجميع المعطيات من خلال الاستماع إلى إفادات شهود عيان من مشاركين في المخيم والساكنة وفاعلين من المجتمع المدني، فضلا عن السلطات المحلية وأسر ضحايا القوات العمومية، ومعاينة آثار الأحداث وحجم الأضرار والخسائر، وسجل الفريق أن هناك أخطارا تحدق بالمنطقة، على اعتبار أن الأسلوب الذي انتهج في عمليات الحرق والقتل والذبح والتمثيل بجثث القوات العمومية يستدعي من المنتظم الدولي رفع درجات الاهتمام وتقدير ما يحدق بالمنطقة. وأكدت الهيئات الحقوقية الثلاث أن الأحداث وما سبقها على امتداد العشرية الأخيرة، بينت التوظيف الواضح لسجلات حقوق الإنسان كواجهة من واجهات الصراع حول ملف الصحراء من منطلق سياسي صرف بهدف الضغط عند حلول كل استحقاق تفاوضي، منبهة بالقول «أن لهذه الممارسات فضلا عن كونها تطرح مشكل أخلاقيات ومستلزمات النضال الحقوقي بما يستوجبه من قيم ومعايير وسلوكات، فإنها تشكل عنصرا من عناصر عرقلة مساعي الأممالمتحدة والآليات ذات الصلة في اتجاه التوصل إلى تسوية عادلة للملف». وأبرز التقرير الانزياح الذي عرفه مآل المخيم الذي تمت التعبئة له من خلال الالتفاف على مطالب اجتماعية، مؤكدا أنه على الرغم من وجود فئة معنية فعليا بمطلب التشغيل والسكن وسعي الماسكين بزمام المخيم بجعل مطلبها في الواجهة، فقد تمت التضحية بها وبمطالبها لحساب أجندة سياسية واضحة وضاغطة في اتجاه التأزيم والتدويل وإدامة المخيم. وأشار إلى التحول الذي يعرفه الفاعلون اليوم من هوية «النشطاء الحقوقيين» إلى «المدافعين الصحراويين» والتي تجد تفسيرها في بداية الالتفاف على مطالب فئات اجتماعية والتعبئة من خلالها واستقطاب مجموعات أخرى متضررة من الصرامة التي تعرفها المنطقة على مستوى التصدي لشبكات التهريب والهجرة السرية وما يتصل بهما على مستوى الجريمة العابرة للحدود. والذي ظهر بشكل جلي من خلال تبني جبهة البوليساريو لبعض المتابعين والمحكومين قضائيا على خلفية قضايا التهريب والهجرة السرية المتواجدين بالسجون المغربية وإعطائهم صفة مدافعين وأصحاب رأي سياسي. وأكدت الهيئات الحقوقية الثلاث أن التقصي بقدر ما يتحدد كرصد للوقائع واستقراء واستخلاص الدلالات عبر تقاطعاتها، فإن هذا التصور بالنسبة لمخيم «أدكيم إزيك» وما يتصل به من أحداث لن يكون كافيا لفهم ما وقع دون استحضار مختلف السياقات والترابطات بينها وبين مختلف الوقائع. ففيما يتعلق بالتركيبة البشرية للمخيم، أبرز التقرير أنها كانت تتوزع على ست دوائر كل دائرة تضم ألف خيمة تقريبا، وتتألف من فئة ذات مطالب اجتماعية، ومجموعات ذات ارتباطات متفاوتة بجبهة الوليساريو ومجموعات ذات ارتباطات بالتهريب والهجرة السرية والمبحوث عنهم من ذوي السوابق القضائية، وفئات ذات ارتباطات بالتقاطبات القبلية والسياسية والتمثيلية بالمنطقة وامتداداتها داخل المؤسسات والمتنافسة على نفس المواقع والمصالح بالمنطقة، بمعنى أن هذه التقاطبات ستنقل جزء من قاعدتها والمتعاونين معها إلى المخيم، بما يفسر الدعم المادي والمعنوي الملموس لنزلاء المخيم وهو الوجود الذي سيتم على مراحل بناء على الرهانات الخاصة بكل طرف. هذا بالإضافة إلى فئة من المهاجرين العائدين من إسبانيا على إثر الأزمة الاقتصادية، وفئة العائدين من مخيمات تندوف، وهذا الأمر، يشير التقرير، جعل المخيم يتقدم كشكل احتجاجي بمنطلقات وأهداف متعددة تخترقه فئات ومجموعات بمصالح متفاوتة ومختلفة وحتى متناقضة . وأوضح أن المخيم كان ينتظم ظاهريا من خلال المطالب الاجتماعية ذات الصلة بالفئة الأولى سواء على مستوى السكن أو الشغل، وشكلت مطالب هذه الفئة الواجهة المؤطرة للمخيم والمنتجة لخطابه محليا ووطنيا في علاقة بالطرف الرسمي في الحوار وبالصحافة الوطنية والمجتمع المدني بالمغرب، بينما ينتظم في العلاقة بالخارج من خلال شعارات المجموعات ذات الارتباط بجبهة البوليساريو. وأكدت التوصيات التي تضمنها التقرير أن المنتظم الدولي بات عليه أن يتحمل مسؤوليته في دعم المغرب في مجهودات التنمية التي يقوم بها في المنطقة وتأمين حاجيات الساكنة لاسيما مع تزايد وثيرة أعداد العائدين. أما على مستوى التدبير القضائي والأمني، فقد طالبت التوصيات السلطات بالعمل على استكمال البحث وتسريع مساطر الإحالة على العدالة بشأن كل من يثبت تورطه في هذه الأحداث وتداعياتها وتمتيعه بضمانات المحاكمة العادلة خلال جميع أطوارها، والحرص على إجراء التحقيقات وفقا لمقتضيات قانون تجريم التعذيب واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. هذا مع الحرص على المساواة في ضمان السلامة البدنية والحق في الحياة لجميع الأشخاص مدنيين وقوات عمومية، لأن حماية المدنيين، يشير التقرير، لا ترتهن بالمخاطرة بأرواح القوات العمومية وذلك إعمالا لمبدإ الحق في الحياة وحمايته بالنسبة للجميع دون تمييز، وكما هو مكفول في الأوفاق الدولية. وشددت على راهنية إعمال الحكامة الأمنية في أبعادها المرتبطة بتحديث أساليب عمل مختلف الأجهزة والتنسيق المحكم بينها ونجاعة تدخلها وتمكينها من وسائل التدخل المناسبة مع كل الحالات التي تواجهها في إطار مخططات أمنية واضحة المعالم ومحددة للمسؤوليات وملائمة لتدبير الحالات المستعجلة تماشيا مع المواثيق الدولية بما يضمن احترام حقوق الإنسان في شموليتها. وعلى مستوى التدبير الاجتماعي، أوصت الهيئات الحقوقية الثلاث بضرورة إعادة طرح المطالب الاجتماعية في إطارها المؤسساتي والقانوني والمشروع من خلال إعمال مبدإ المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات وإتاحة الفرص دون تمييز. وشددت على استعجالية انكباب الأحزاب السياسية للتعاطي مع التحديات المرتبطة بالتأطير الحزبي في المنطقة سواء في علاقتها بمنتخبيها أو علاقة النخب الصحراوية المنتخبة بالساكنة التي تمثلها، داعية الفعاليات المدنية إلى إعادة النظر في تعاطيها مع تدبير الشأن المحلي وذلك بالتأسيس لصيغ وآليات للعمل الموازي الذي يمكن من متابعة ومساءلة عمل المؤسسات الجماعية والحرص على فضح الاختلالات والممارسات الفاسدة والدفاع عن الشفافية والمساءلة وحماية المال العام. وأوصت في الجانب المتعلق بالإعلام، إلى بناء استراتيجية وسياسة إعلامية تتوخى توفير المعلومة الموثوقة اعتمادا على المصادر وتضمن المواكبة الآنية وتنوع دعائمها وأيضا إتاحة المتابعة والتحقيق لمختلف المنابر الوطنية والدولية إعمالا لمبدإ الحق في الولوج إلى المعلومة.