حظي الزعيم الليبي معمر القذافي باستقبال خاص لدى وصوله إلى أوغندا في وقت سابق هذا العام لحضور قمة أفريقية إذ اصطف مئات الأطفال على جانبي الطريق مرتدين قمصانا تحمل صورته. وفي الحقيقة بدا القذافي مختلفا منذ لحظة خروجه من الطائرة مرتديا نظارته الشمسية وسترة طبعت عليها خريطة القارة الإفريقية يرافقه حرس شخصي من الفتيات. وقال مسؤول كبير في جنوب أفريقيا وهو يصف الصخب الذي أحاط بالقذافي خلال القمة التي عقدت في يوليو تموز «إنه العرض الجانبي المعتاد». هذا المشهد اللافت للقذافي هو مجرد الجانب المرئي من نفوذ ليبي ضخم ومتنامي في القارة الإفريقية يأخذ أشكالا تتراوح بين التبرع بجرارات زراعية لناميبيا إلى صفقات في قطاع الاتصالات بقيمة 90 مليون دولار في تشاد وبناء مستشفيات تحمل اسم الزعيم الليبي. وتقول الدول المستفيدة والكثير من المراقبين المستقلين إن ليبيا تحقق لإفريقيا مكاسب حقيقية. ويقول مسؤولون في طرابلس أن هدفهم هو تشجيع التنمية ومساعدة القارة على التصدي للاستغلال. لكن النهج الذي تسلكه طرابلس دفع بعض الحكومات الإفريقية للقلق من أن القذافي الذي عادة ما يستخدم لقب «ملك ملوك» أفريقيا قد يصبح أقوى مما يجب ويستغل نفوذه الجديد في محاولة لإعادة صياغة الأوضاع في القارة وفقا لأرائه السياسية الخاصة. وتسعى دول أخرى لا سيما الصين لدور أكبر في القارة السمراء. بيد أن ما يميز ليبيا هو أنها تقترب من القارة برؤية سياسية شديدة التميز. ويعتبر القذافي الذي ألف «الكتاب الأخضر» الذي وضع قواعد الحكم في ليبيا أن الديمقراطية المنتخبة شكلا من أشكال الديكتاتورية ووصف العمل مقابل الحصول على أجر بأنه نوع من العبودية وقال إنه يسعى إلى تأسيس الولاياتالمتحدة الإفريقية. يقول ديرك فاندويل الباحث المتخصص في الشؤون الليبية في كلية دارتموث بالولاياتالمتحدة «أعتقد أن دور ليبيا في أفريقيا واحدة من القصص التي لم تسطر بعد... لم يلتفت إلا قليلون لهذا الأمر وما يرمز إليه في الحقيقة. «الامر المثير بالطبع هو حجم ما يمكن أن يمنحه وما ترغب الدول الواقعة جنوب الصحراء في تقديمه في المقابل». ومنذ تولى السلطة في انقلاب أبيض عام 1969 جعل القذافي من أفريقيا مكونا هاما في الهوية الليبية. وعادة ما يتباهى الليبيون بأن الاتحاد الإفريقي تأسس خلال قمة استضافها القذافي في مسقط رأسه في التاسع من سبتمبر أيلول 1999. وتحتفي الخطوط الجوية الإفريقية المملوكة للدولة بهذا التاريخ بطبع عبارة «9ر9ر99» على ذيل طائراتها. والمساعدات التي تقدمها ليبيا لجيرانها في القارة ليست بالأمر الجديد. لكن يبدو أن التغير الذي حدث في السنوات القليلة الماضية هو أن حجم الأموال الليبية التي تتدفق على القارة قد زاد فضلا عن النفوذ الذي تشتريه. ويرجع هذا ضمن أسباب أخرى إلى زيادة ثروة ليبيا. وانتعش اقتصادها الذي عانى من الكساد يوما منذ رفع العقوبات الدولية عليها عام 2004. وأتاحت إيرادات النفط لها تكوين صناديق للثروة السيادية تقدر قيمتها بنحو 65 مليار دولار. ولا تتوفر بيانات رسمية لكن الأدلة على الأرض تشير إلى تنامي الوجود الليبي لاسيما في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والطرف الجنوبي لمنطقة الصحراء. وفي غشت، أعلنت ليبيا زيادة حجم المساعدات الممنوحة للنيجر ومن بينها تأسيس صندوق استثماري بقيمة 100 مليون دولار وهو مبلغ كبير لدولة تأتي في المرتبة الثالثة في ذيل مؤشر الأممالمتحدة للتنمية البشرية. وفي جامبيا لا تحظى عادة ذكرى ثورة الفاتح الليبية -التي أتت بالقذافي للسلطة- بالكثير من الاهتمام لكن وزير خارجية جامبيا مومودو تانجارا حضر احتفالا هذا العام مع مسؤولين آخرين وكال المديح لطرابلس. والعام الماضي قدم الزعيم الليبي للرئيس الجامبي يحي جامع جمالا وهدية إلى جانب مساعدات كبيرة لبلاده. كما بدأت الشركات الليبية تضطلع بدور. ومن ذلك مثلا الشبكة الليبية الخضراء للاتصالات وهي شركة هاتف محمول مملوكة للدولة حيث تمتلك أو تسيطر على أعمال في مجال الاتصالات في ثماني دول أفريقية ودفعت هذا الشهر 90 مليون دولار لشراء أصول في تشاد. يقول أليكس فاينس رئيس برنامج أفريقيا في مركز أبحاث تشاتام هاوس ومقره بريطانيا «في الماضي لعبت ليبيا ... دورا بناء أقل في بعض الدول». لكنه أضاف «هناك بعض المساعدات الليبية المفيدة حقا ويمكن للمرء القول أنه تطور على مدار السنين... حاولت ليبيا توسيع دورها القيادي في القارة الإفريقية وهو ما يندرج في هذا الإطار». وقال محمد سيالة أمين شؤون التعاون في وزارة الخارجية الليبية إن ليبيا عرضت على الدول الإفريقية بديلا للنموذج الغربي للتنمية. وقال لرويترز في مقابلة إن المساعدات الليبية تمنح البلدان الإفريقية فرصة لتوجيه مواردها الاقتصادية والطبيعية بطريقة أفضل بمنأى عن الاستغلال والاحتكار. وأضاف أن هناك بالتأكيد قيادات مقتنعة بهذا الدور بينما توجد دول لم تقتنع بعد لكن الوقت سيبرهن على صحة الرؤية الإستراتيجية للقذافي. وهذه وجهه نظر لا يشاركه فيها بعض الدبلوماسيين في مقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا. قال مسؤول كبير في الاتحاد طلب عدم نشر اسمه «نواجه محاولة ليبيا استخدام المال في شراء النفوذ في أفريقيا منذ فترة». وتابع «القذافي كثف الجهود مؤخرا .. نعم.. في الأسابيع التي تسبق القمم الإفريقية ستقدم المنح عادة إلى دول غرب أفريقيا. ستكون هناك استثمارات ومحادثات». وأردف «الشيء المدمر بالنسبة للاتحاد أحيانا هو اختطاف اجتماعات القمة وضياع الوقت في التعامل معه ومع مشروعاته... ما أتمناه هو أن تصبح الدول الفقيرة أقل قابلية لبيع ولائها له». ويرى منتقدو القذافي أنه كانت هناك حالات كثيرة شكلت فيها ليبيا تحالفات من دول تستفيد من سخاء طرابلس للترويج لأهدافها الخاصة رغم أنها لا تحقق النجاح دوما. ويزعم البعض أن القذافي باعتباره رئيسا للاتحاد الإفريقي لمدة عام حتى يوليو تموز أحبط جهودا لإدانة الانقلابات التي تحدث في القارة وهو ما يذكي الانتقادات بان الاتحاد يتشدق فقط بالديمقراطية. وخلال القمة التي استضافتها أوغندا في يوليوز مارست ليبيا وحلفاؤها ضغوطا للتوصل إلى قرار يوصي الدول الأعضاء بعدم إلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية أمر اعتقال بحقه في اتهامات بارتكاب جرائم حرب في دارفور. وخلال قمة سابقة فشل القذافي في محاولة تمديد رئاسته لعام آخر وفي منح مفوضية الاتحاد المزيد من الصلاحيات. وقوبلت الكثير من مبادرات القذافي بالرفض من جانب تكتل معارض عادة ما تزعمته جنوب أفريقيا. لكن يبدو أن عزيمته لا تلين ومن المرجح أن يواصل حشد التأييد لرؤيته الخاصة بحكم أفريقيا. وقال فاندويل الباحث في الشأن الليبي «يذعن كثيرون له في الأمور السياسية بسبب المساعدات التي يقدمها. «في تقديري انه بسبب امتلاك ليبيا لكثير من المال الآن وقدرتها على زيادة هذه الأموال... سنرى المزيد من هذه النوعية من التحالفات الإستراتيجية».