صار لافتا في حقلنا السياسي الوطني، أن التوتر والنرفزة يطغيان على مناقشة الكثير من القضايا، ما يحول الاهتمام العام من العمق إلى الثانوي، وإلى الأشياء السطحية التي قد تقدم صورا مثيرة للقراء، لكنها قطعا لا تجدي مسلسل تطوير منظومتنا السياسية. هكذا جرى التعامل، بصفة إجمالية، مع العلاقات داخل تحالف الأغلبية في الفترة الأخيرة، وهكذا يجري التداول في موضوع عطالة الخريجين مثلا، وهكذا يتم تقديم ملفات كبرى مثل إصلاح المقاصة وأنظمة التقاعد وقانون الإضراب والتغطية الصحية والحوار الاجتماعي...، وقضايا أخرى، حتى أنه صار من الصعب اليوم على المواطنين فهم مواضيع الاختلاف، ومن يختلف مع من، والسر في كل هذا التوتر العام الذي بات لصيقا بالصراع السياسي عندنا. في البرلمان أيضا تحول الحديث الذي كان يجب أن يكون عاديا حول النظام الداخلي إلى موضوع توتر دام كثير شهور، ولازال لم يصل بعد إلى نقطة النهاية، وبدل أن ينكب المشرعون الأفاضل على بلورة إجراءات ناجعة وفعالة تمكنهم من فرض الحضور مثلا، وزجر التغيبات العبثية عن أشغال المؤسسة البرلمانية، وبدل إيجاد طرق لرفع مستوى النقاش السياسي داخل القبة البرلمانية، وبدل إبداع الأشكال والصيغ لتطوير الحضور الإعلامي لأشغال مجلسي البرلمان، ولتحسين صورة المؤسسة وأعضائها لدى الرأي العام الوطني، بدل كل هذا، صار الحديث مختصرا في توزيع الغلاف الزمني المخصص لجلسة الأسئلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة، وفي سبل الحيلولة دون تمكن رئيس الحكومة من الكلام مع الناس على حد خوف برلمانيينا الأشاوس، كما أن نقاشا ثانيا لا يخلو من توتر غير مفهوم بين الأطراف البرلمانية تركز منذ فترة حول الحد الأدنى المطلوب لتشكيل فريق في مجلس النواب، ولم ينتبه «لفهايمية» الكبار في سلطة التشريع إلى أن الأمر صار منذ قرون عاديا عند كثير برلمانات عبر العالم، وأن الأهم عندهم هو تأمين مشاركة كل تيارات الرأي في التشريع، وبالتالي، تقوية هذه المشاركة بدل الحرص على التسييج الصبياني العبثي الذي لا ينفع في النهاية سوى من أجل تكريس عقلية التحكم والهيمنة وأحادية النظر. وحتى التصريحات الصحفية التي تنقل عن هذا الطرف الحزبي أو ذاك لم تعد في الفترة الأخيرة تخلو من تجليات توتر واتهام في المعنى والتلميح وفي معجم الكلام، ما يجعل المرء يعتقد أن هؤلاء القادة لن يعودوا يوما للاجتماع بمن يشتموهم اليوم، أو أنه يستحيل أن نجدهم مجتمعين معا ضمن تحالف سياسي لتدبير الشأن العام، أو لتنسيق المواقف حول قضية وطنية ما. غريب فعلا كيف بتنا قبل حوالي سنتين على دستور جديد متقدم وغير مسبوق، ثم صحونا على كل هذا العبث الملتصق اليوم بحياتنا الحزبية والسياسية، وعلى كل هذا الدرك المتدني من الحديث والكلام والكتابة عن السياسة وفيها. لم يعد البلد فعلا يحتمل كل هذه المفارقة الفاضحة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته