وُجدت إلى جانب كتابات ليوناردو دافنتشي حول اختراعاته الهندسية، ملاحظات مختلفة تتعلق بحياته اليومية، والفن، والفلسفة، والأدب، والسياسة، بل وجدت كذلك مسودات بعض الرسائل. هذه التي أنقلها هنا هي رسالة موجهة للمدعوة مارغريتا زانغي، وقد عثر عليها مختلطة مع النص الذي يصف فيه ليونارد مقود الجمود، وهو اختراع يعرفه صاحبه كالتالي: «إنه آلية للرفع من الحركة، يتكون جزؤها الأساسي من كرات معدنية ترتبط فيما بينها بسلاسل عند محور الدوران» أو بهذا الشكل: «أقراص صلبة مدمجة أو لها أشعة». في كلتا الحالتين، الهدف المتوخى هو القدرة على مراكمة الطاقة الحركية الكافية للحصول على حركة مستمرة. كما قلت، الرسالة موجهة إلى مارغريتا زانغي، سيدة من نابولي جمعتها بليوناردو صداقة لأكثر من ثلاثين سنة. عزيزتي مارغريتا: تظنين أنك تائهة في الظلمة ومع ذلك ها قد وصلتِ إلى المكان الذي كنت تبحثين عنه. إنه الجهد الأقصى لمتعقب الأثر الذي يساعد بشكل متناقض عماك. لا تستطيعين الحراك، لكنك في هذا الشلل، في هذا الأمر المستحيل، تتقدمين نحو إدراك جديد، ولكن بما أنه يظهر لك مختلفا كثيرا عن كل ما تعرفين لا تستطيعين أن تسميه فتتنفسين الضباب ويمر الليل من دون أية ترجمة ممكنة. تجدين الشفاء، فيختلط عليك بالحمى؛ تجدين الغطاء، فتشتكين من غيابه. وماذا يوجد في هذا الظلام غير لغة تستعصي، واستغراب، وانفجار متواصل للصمت والخراب؟ لكن الفيزياء تشير، عندما تتحدث عن سقوط الأجسام، أنه أثناء السقوط تحصل مقاومة من الهواء تعمل على تغيير القانون بما أنها تحتوي على اختلافات متعلقة بالمادة الساقطة. وبما أن الأرض تتحرك، فإن النزول لا يكون عموديا بالضبط بل إنه ينحرف قليلا نحو الشرق في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية. الشرق، الذي يسمى أيضا مشرق الشمس، هو جهة من الجهات الأصلية في الأفق حيث تشرق الشمس. في صمتكِ تحدث سلسلة من الأمور العجيبة التي لست شاهدة عليها، ظهورها يتفاداك. إنك سجينة رؤية الخارج ولا تستطيعين الولوج إلى داخلك، فتظلين في الخلاء مع أنك ترغبين في الدخول إلى ذاتك لتسمية ما يستعصي عن القول، دُبال الصمت هذا الذي يختمر فيك والذي لم يسبق له أن زارك. حضوره يقصيك من حكاية العالم. وفجأة، يصبح الخارج والداخل نفس اللغز. زمن يجب التنبؤ به من خلال وصف غامض ينزلق في تعب القواميس. أين نستطيع أن نجد ما لا نعرف إن كان له وجود؟ أين الكلمة التي تعكسه؟ نفقد اللغة لنجدها. هنا أنهي رسالة هذا اليوم، يا مارغريتا. وأبعث لك كالعادة بتحية حب ومودة، ليوناردو. هنا تنتهي الرسالة التي كتبها ليوناردو دافنتشي إلى مارغريتا زانغي. يبدو أن هذه السيدة كانت تسكن في مدينة نابولي في نفس الشارع الذي كان يقطن فيه ليوناردو. يقول عنها هذا الأخير في إحدى كتاباته إنها كانت امرأة ذات روح معذبة، ذكية وجميلة، وإنها، رغم أنها ليست خرساء، لم تكن تتكلم مع أي أحد، وبما أنها كانت على درجة عالية من الثقافة، فقد كانت تميل إلى كتابة تأملاتها حول عالم الحيوان والنباتات. ويحكي الرسام نفسه كيف أن هذه المرأة الغامضة اعتادت، مع نهاية كل يوم، أن تقترب من الأجراف المحاذية للسلسلة الشمالية لأتيانو لتطلق هناك، قبالة البحر، أصواتا إيقاعية شبيهة في كل شيء بغناء الحيتان. أكثر من مرة، يبدو أن الحيتان ردت عليها من أعماق البحار؛ ونشأ بينهما تواصل جميل كان يبعث الارتياح التام في نفس السيدة. اهتم ليونارد كثيرا بهذه المرأة منذ أن عرف بوجودها. من المعروف أنهما تبادلا مراسلات مسترسلة خلال سنوات كما تبادلا أفكارا وأحاسيس حول مواضيع جد مختلفة. وبالفعل، فإن الدراسة الوحيدة الموجودة آنذك حول عالم الحيتان، بعنوان علم حيوان البحار: دراسة موجزة حول الحيتان، وقعها الاثنان في نابولي سنة 1476.