تحسين وضعية المرأة داخل المجتمع هو رهان أساسي وجوهري للديمقراطية إن الربيع العربي، وما واكبه من تعبئة وصراع من أجل الكرامة والمساواة وتحقيق المواطنة الكاملة، أكد أن المرأة كانت - منذ انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضات الشعبية - وظلت في الصفوف الأمامية بتونس ومصر واليمن وليبيا.. من أجل بناء نظام جديد على أنقاض الحكم الاستبدادي القائم. لكن المرأة العربية، وبالرغم من تعبئتها وانخراطها في معركة الكرامة، ظلت تقاوم وتعيش في مجتمعات محافظة يسود فيها الفهم الخاطئ لمقومات ديننا الحنيف، والذي يحاول جاهدا وضع المرأة في درجة دنيا من المواطنة. مما يجعل ولوجها إلى التعليم وإلى سوق الشغل أصعب من أخيها الرجل، مع أن الأرقام الرسمية تؤكد أن نسبة النجاح لدى المرأة بكل أسلاك الدراسة تضاهي وتفوق نسب الذكور. كما أن المرأة ظلت عرضة لشتى أشكال العنف الرمزي والمادي.. ومن تجلياته ظاهرة الزواج المبكر التي تخلف ضحايا آخرها أمينة الفيلالي. ولقد عاش المغرب من جهته مرحلة مخاض سياسي أسفر عن تبني دستور جديد وانبثاق حكومة جديدة في ظل أجواء تميزت بمطلب الإصلاح السياسي. فجاء الدستور الجديد ليؤكد في باب الحريات والحقوق الأساسية أن الرجل والمرأة، يتمتعان على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. كما أكد سعي الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء. (الفصل 19) لا بناء ديمقراطي بمعزل عن نصف المجتمع وفي ظل هذه التغييرات السياسية والطموح الديمقراطي المشروع للشعوب العربية عامة وللشعب المغربي بالخصوص لا يمكن تصور ربح معركة الكرامة بمعزل عن تحقيق كرامة المرأة، لأن رياح التغيير الديمقراطي لا تتوقف عند باب مطلب المساواة لفائدة المرأة. ولا يمكن تصور ربح معركة التنمية الشمولية بالتضحية بحقوق المرأة. إن التنزيل الفعلي للدستور هو الحرص على ترسيخ الحقوق والحريات الأساسية ومكافحة كل أشكال التمييز على أساس الجنس وتقليص الفوارق المبنية على النوع الاجتماعي وتأصيل المساواة في الحقوق والكرامة بين المواطنات والمواطنين دون السعي لتجزيء هذه الحقوق أو تذويبها في قالب إيديولوجي وفي خطاب أخلاقي وموعظي يحاول اختزال المرأة في أدوار بيولوجية في خدمة الرجل وتحت إمرته. إن المرأة والرجل يبنيان سويا حاضر هذه الأمة، وبتظافر جهودهما معا سنبني مستقبلا زاهرا لهذه الأمة. ولن يتأتى هذا إلا ب: الحفاظ على المكتسبات وتثمينها والسعي الأكيد نحو المناصفة بين الرجل والمرأة، اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية اللازمة للحد من العنف ومن كل أشكال التمييز في حق المرأة، تثمين وتأكيد المقاربة العرضانية لقطاع التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، باعتبارها قضايا تهم كل القطاعات الحكومية، ضمان ولوج المرأة لمراكز القرار السياسي وتعزيز مشاركتها السياسية، تفعيل مضامين الأجندة الحكومية للمساواة لتدارك الاختلالات وتجاوز النواقص، وعلى المستوى التشريعي، نؤكد حرصنا على التسريع بإعداد القانون التنظيمي المتعلق بهيئة المناصفة وملاءمة التشريعات الوطنية مع التزامات المغرب الدولية، وخصوصا منها المتعلقة بمجموعة القانون الجنائي ومدونة الأسرة. وعلى المستوى المدني نؤكد حرصنا على دعم جمعيات المجتمع المدني الجادة والفاعلة في مجال حقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة.. باعتبارها امتدادا للفضاء الدستوري ومتنفسا حقوقيا يكرس مبادئ التعبير الحر والتعدد في الرأي والمسؤولية والوطنية. وعلى المستوى السياسي، نؤكد على ضرورة شجب الأصوات التي ترتفع هنا وهناك لفرض الوصاية على المرأة باسم قراءة رجعية لمبادئ ديننا الحنيف، أو منعها بأي شكل من أشكال التهديد والوعيد من ممارسة حقوقها الدستورية كاملة وتقليص مشاركتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في بناء مجتمع كامل الحقوق لمواطنيه رجالا كانوا أو نساء.