ودعت ساكنة خنيفرة، يوم الأربعاء الماضي، في موكب جنائزي رهيب، الفقيد محمد رويشة، أحد نجوم الأغنية الأمازيغية، حيث ووري جثمانه الثرى بمسقط رأسه، بجانب قبر والدته التي كانت تربطه بها علاقة قوية جدا. وكان محمد رويشة، الذي ارتبط اسمه بآلة العود «لوتار» أو «الكنبري»، حتى عاد يلقب ب «ملك لوتار» قد عاد إلى مدينة خنيفرة بعدما خضع للعلاج في أحد مستشفيات العاصمة الرباط، وتماثل نسبيا للشفاء. لكن تأزم وضعيته الصحية من جديد، استدعت نقله للعلاج، حيث فارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى. وهكذا، تشاء الأقدار والصدف، أن يرحل عنا رويشة في نفس اليوم، التي كانت تستعد فيه عدة فعاليات فنية لتكريمه في مسرح محمد الخامس بالرباط، وهو المسرح الذي وقف فيه رويشة في أحد أيام 1980، ليقدم فيه بعض أغانيه، حيث امتلأ المسرح عن آخره، وهو دليل على مكانة الفقيد في الساحة الفنية آنذاك. وكان الراحل قد طبع مسيرة الفنية، بمجموعة من الأغاني التي كان يؤديها باللغة الأمازيغية والعربية، وتتميز بألحان عذبة، وكلمات رقيقة، كان يختارها بنفسه، حيث تغنى بجميع القضايا سواء الوطنية أو القومية مثل (فلسطين، القدس) وبالقضايا الاجتماعية وعلى رأسها الأمومة، إضافة إلى الأغنية الصوفية من خلال أغنية (يا مجمع المؤمنين، صلوا على النبي أجمعين، يا مجمع المؤمنين صلوا على أبو فاطمة..). ويجمع كل من عرف الراحل رويشة، كفنان وصديق، أنه كان قمة في التواضع والكرم، إذ كان يعيش صاحب الجلباب الصوفي في منزل متواضع، مكون من طابقين في حي شعبي بمدينة خنيفرة، وهناك كان يستقبل زواره وضيوفه وعشاقه ومحبيه، وكان يتميز بين أبناء مدينته بإنسانيته وعفويته، وابتسامته الدائمة، التي لا تفارق محياه، وهذا ماجعل أغلب سكان خنيفرة والمدن المجاورة، وآخرين من مدن أخرى، يأتون جميعا يوم الأربعاء الماضي، للمشاركة في تشييع جنازته ليودعوه الوداع الأخير.. ويشهد له مجايلوه أيضا، خصوصا من الفنانين، أنه ساهم بشكل كبير في تجديد الثقافة الأمازيغية والتراث الأمازيغي في ما يخص العزف على آلة «لوتار»، حيث قام بتجديد هذه الآلة عبر نقلها من الإيقاعات الخفيفة إلى الإيقاعات الصوفية بإضافة الوتر الرابع إلى هذه الآلة، مما جعله يستغني عن عدد من الآلات الموسيقية، كما كان يعمل على توظيف الشعر القديم في أغنياته. ولذلك، اعتبر الكثيرون أن رويشة أحد أمهر العازفين على آلة الوتر التي تكاد تنسى من القاموس الموسيقي المغربي حيث حافظ عليها وأخرجها من دائرة النسيان. ويعتبر رويشة فنانا عصاميا بكل امتياز، فقد مارس الفن في ظروف صعبة، حيث بدأ بداياته الأولى في عالم الفن، وهو في ربيعه الثاني عشر، متحملا الفقر واليتم الذي عاناه جراء فقدان والده ثم بعد ذلك وفاة والدته ، حيث كان يمزج بين العمل والفن من أجل التكفل بوالدته التي كانت تعتبر كل شيء في حياته، وكانت تعتبر مثله الأعلى ومصدرا لبعض أغانيه، منها أغنية، «قولوا لميمتي». ومن من بين أغانيه التي اشتهر بها وكانت لها أصداء كبيرة، الأغاني التالية: «إناس إناس»، «شحال من ليلة وليلة»، «يا مجمع المؤمنين»، «أيورينو»، «الحبيبة بيني وبينك دارو الحدود». تجدر الإشارة، أن الفنان محمد رويشة من مواليد سنة 1950 بمدينة خنيفرة (الأطلس المتوسط)، وقضى مرحلة التمدرس بين الكتاب والمدرسة إلى غاية 1961، حيث كان له ميل إلى الفن وممارسته تلقائيا. وعبر الاحتكاك ببعض الأسماء، خاصة الأستاذ محمد العلوي لاعب فريق شباب خنيفرة الذي شجعه ورافقه إلى الرباط وقدمه إلى القسم الأمازيغي بالإذاعة الوطنية، كانت بداية اكتشاف موهبته ليسجل أول شريط له بالدار البيضاء سنة 1964.