أزمة سياسية في مصر ومخاوف من أعمال عنف بعد عزل الفلول أثار الحكم القضائي الذي قضى بحرمان أعضاء الحزب الوطني المنحل من الترشح للانتخابات مفاجأة قد تقلب موازين العملية السياسية في مصر، وتحدث ارتباكاً في سير أول انتخابات برلمانية بعد الثورة. حرمان أعضاء الحزب الوطني من الترشح أصدرت محكمة القضاء الإداري في محافظة الدقهلية شمال مصر، الحكم بعد أن أقام الدعوى المحامي محمد محمود عطية ضد 19 عضوا سابقا في الحزب الوطني المنحل، وجاء في حيثيات الحكم « إن من أفسد الحكم والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد هم الأشخاص الطبيعيون القائمون على شؤون هذا الحزب الوطني من قياداته وكوادره وأعضائه الذين أحدثوا هذا الفساد بأفكارهم وأفعالهم والسياسات المريبة التي ابتدعوها، فعاثوا في مصر فسادا، وجعلوا منها فريسة لأطماعهم، فسلبوا مواردها، ونهبوا ثرواتها، وباعوا أراضيها ومصانعها وتراثها لكل مغامر، واستغلوا نفوذهم للحصول على منافع شتى لأنفسهم ولذويهم، وأحدثوا أضراراً جسيمة بالمصالح العليا للبلاد، وسنوا من القوانين ما يقنن الفساد ويقيد الحقوق والحريات». وأكد الحكم أن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن حل الحزب الوطني لا يكون بتسليم مقراته وأمواله إلى الدولة فقط، بل يشمل منع أعضائه من العمل السياسي لفترة موقتة، وقال «إن من أسقطه الشعب في ثورته المجيدة لم يكن الحزب الوطني الديمقراطي فقط، بل قيادات وكوادر وأعضاء هذا الحزب أيضا، ومن ثم فإن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا لا يجب أن يقتصر على مجرد استرداد مقار الحزب وأمواله المملوكة بحسب الأصل للدولة، وإنما يجب أن يمتد بالضرورة وبحكم اللزوم إلى قيادات وكوادر وأعضاء هذا الحزب باتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات الكفيلة بمنعهم من مزاولة العمل السياسي بكافة صوره وأشكاله بما في ذلك الترشح لانتخابات المجالس النيابية، باعتباره أبرز صور العمل السياسي، الأمر الذي من شأنه أن يحول دون استمرارهم في إفساد الحكم والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد والتأثير سلبا في ثورة الشعب المجيدة». وشددت المحكمة على أنه «إذا كان الحق في الترشح لعضوية المجالس النيابية هو من الحقوق الدستورية التي لا يجوز الحرمان منها إلا بمقتضى أو موجب قانوني، وهو الأمر المتوفر بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم فإن حرمان أعضاء الحزب الوطني (الساقط) من الترشح لانتخابات مجلسي الشعب والشورى يكون قائما على سند ومسوغ قانوني مشروع يتمثل في التنفيذ الكامل لحكم المحكمة الإدارية العليا». مأزق سياسي وبعد صدور الحكم وجدت السلطات المصرية نفسها في مأزق سياسي شديد، لاسيما بعد ترشح الآلاف من أعضاء الحزب في الانتخابات البرلمانية على المقاعد الفردية أو القوائم ضمن الأحزاب السياسية، كما أن بعضهم أسس أحزاباً خاصة به، ومن ثم فإن هناك احتمالات لتأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في 28 نوفمبر الجاري، لتنقية قوائم المرشحين والناخبين من فلول الحزب الوطني المنحل. وحول رأيه في تلك القضية، يقول المستشار بهاء أبو شقة نائب رئيس حزب الوفد ل»إيلاف» إن الحكم يخلق عدة إشكالات أهمها: أنه حكم نسبي يشمل دوائر محافظة الدقهلية فقط، وليس كافة محافظات الجمهورية، لكنه حكم واجب النفاذ، حتى ولو تم الاستشكال عليه، مشيراً إلى أنه ورد في منطوقه أن حلّ الحزب الوطني يجب ألا يشمل المقار والأموال فقط، بل يمتد ليشمل كوادره وأعضاءه أيضاً، وأن تفسير هذه الجزئية من الحكم تشير إلى ضرورة حرمان أعضاء الحزب الوطني المنحل من ممارسة حقوقهم السياسية ترشيحاً وتصويتاً. دعوة لتأجيل الانتخابات وأوضح أبو شقة أن الأزمة الحقيقة تكمن في حرمان أعضاء الحزب الوطني من الترشح أو الانتخاب، لاسيما أن الآلاف منهم ترشحوا بالفعل على المقاعد الفردية، وعلى قوائم الأحزاب السياسية، منوهاً بأن حرمانهم سوف يخلق أزمة كبرى، إذ يستلزم ذلك تأجيل الانتخابات لحين تنقية قوائم المرشحين، والناخبين، وإعادة فتح باب الترشيح للانتخابات من جديد، ما يعني ارتباك المرحلة الانتقالية، وتعطيل عملية نقل السلطة للمدنيين. مؤكداً أن الانتخابات إذا أجريت من دون تنقية الجداول من المرشحين والناخبين الذين كانوا ينتمون للحزب الوطني المنحل، سوف يتم الطعن عليها بالبطلان. لم تكن تلك الإشكالية الوحيدة للحكم، بحسب المستشار بهاء أبو شقة، بل هناك إشكالية أخرى، تتمثل في إمكانية نقض الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، وفي هذه الحالة لن يكون له أي محل من الإعراب، فضلاً عن إمكانية إقامة مواطنين في محافظات أخرى دعاوى مماثلة، وقد يصدر فيها أحكام بعدم حرمان أعضاء الحزب الوطني، ومن ثم ستجد الدولة نفسها أمام أحكام متناقضة، ما يهدد أيضاً ببطلان الانتخابات في حالة إجرائها سواء من دون أعضاء الوطني أو بوجودهم ضمنها ترشيحاً وتصويتاً. ودعا أبوشقة الذي يعتبر واحدا من فقهاء القانون في مصر إلى ضرورة تأجيل الانتخابات موقتاً حتى صدور حكم نهائي في مسألة حرمان أعضاء الحزب الوطني المنحل من مباشرة حقوقهم السياسية، معتبراً أن هذا هو الحل الأمثل لتلك الإشكالية. حكم يشمل الجمهورية غير أن المستشار محمد حسن، نائب رئيس مجلس الدولة لمحاكم القضاء الإداري يقول إن هذا الحكم يشمل جميع أعضاء الحزب الوطني على مستوى الجمهورية، وشدد على أنه صار لزاما على اللجنة القضائية العليا أن تنفذ الحكم تنفيذاً كاملاً ليس فقط على مرشحي الحزب الوطني في محافظة الدقهلية وإنما على المرشحين في كافة أنحاء الجمهورية، وأضاف في تصريحات صحافية أن الحكم لا يقُبل الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، مشيراً إلى أنه يحق لأي ناخب أو مرشح منافس على الكرسي البرلماني أن يطعن أمام اللجنة القضائية العليا، بترشيح كل من يُثبت أنه كان كادراً من كوادر أو أعضاء الحزب الوطني. إحترام القانون والتصدي للعنف فيما أعربت مارغريت عازر عضو الهيئة العليا لحزب الوفد والمرشحة للانتخابات عن سعادتها بصدور الحكم، وقالت ل»إيلاف» إنه حكم تاريخي وموفق جداً، مشيرةً إلى أنها كانت ضد ترشيح فلول الحزب الوطني المنحل على قوائم الأحزاب السياسية القديمة أو الجديدة أو على المقاعد الفردية، حتى يتركوا الفرصة لغيرهم من الشباب وباقي التيارات السياسية لممارسة حقهم في العمل السياسي، لاسيما أنهم احتكروا البرلمان لأكثر من ثلاثين عاماً بالتزوير. وعن رأيها حول المخاوف من تهديدات أعضاء الحزب بإشعال مصر، ومن حدوث أزمة سياسية، قالت عازر إنه لابد من تطبيق أحكام القضاء والقوانين مهما كانت تبعاتها، منوهة بأن أزمة النظام السابق كانت في عدم احترام القانون، وإهدار أحكام القضاء. ولفتت إلى أن الثورة في مصر قامت من أجل الحرية والعدالة واحترام القانون، ويجب على السلطات الحالية ترسيخ هذه المبادئ في أذهان الناس، والتصدي بكل حزم لأية محاولات تستهدف النيل من استقرار مصر، انتقاما من الثورة، وقالت: إذا كان تنفيذ الحكم يستلزم تأجيل الانتخابات، فلا بأس في ذلك، فلتؤجل، احتراما للقضاء. أول شرارة للعنف وفيما يعد أول شرارة لتنفيذ تهديدات أعضاء الحزب الوطني المنحل بإشعال النيران في مصر كلها في حالة حرمانهم من خوض الانتخابات، جرى تحطيم سيارة محمد محمود عطية، المحامي، الذي أقام دعوى إبعاد فلول الحزب الوطني من انتخابات مجلس الشعب في محافظة الدقهلية. وحرر محضراً في قسم الشرطة حمل رقم 19253 لسنة 2011، جنح قسم أول المنصورة. ترحيب ومخاوف شباب الثورة ورحب شباب الثورة بالحكم، واعتبروه انتصارا لنضال طويل ضد الفلول، وقال شريف صادق عضو إتحاد ثورة 25 يناير ل»إيلاف» إن القوى السياسية والثورية سواء الإسلامية أو الليبرالية لطالما طالبت بإقصاء أعضاء ورموز الحزب الوطني من الحياة السياسية لمدة تتراوح ما بين 5 و10 سنوات، لكن المجلس العسكري لم يستجب، مشيراً إلى أن الحكم القضائي جاء منصفاً للثورة. وأضاف أنه كانت هناك مخاوف من إعادة إنتاج النظام السابق من خلال اختراق الفلول للبرلمان. وشدد صادق على أن الحكم واجب النفاذ على مستوى الجمهورية. ولن يكون أمام المجلس العسكري مفراً من التنفيذ. وتوقع صادق اندلاع أعمال عنف جديدة في الصعيد أو شتى الأنحاء رداً على الحكم، منوهاً بأن المصريين تعودوا من فلول النظام السابق، إشعال النيران في البلاد عقب كل إجراء يستهدف إقصاءهم من الحياة السياسية أو أي حكم ضد أحد رموز عهد مبارك.